لم يكن الطالب مهند عبد الجليل في الأول المتوسط يدرك مفردات اللغة الفارسية لكنه أراد أن يتعلمها بعد أن وجد زميلاً له يجيد نطقها عندما تعلمها من خلال الكتيب الصغير الذي كان يدسه في حقيبته ذات اللون الرمادي وبين أحضان كتبه ودفاتره المحشوة بمفردات فارسية ومرادفاتها بالعربية نقلها عن كتاب(كيف تتعلم اللغة الفارسية من دون معلم في سبعة أيام) بينما لم يعر اهتماما أكثر لدروسه الحقيقية.
لم يكن مهند وحده من بدأ بتعلم اللغة الفارسية من دون أن يدري فهناك أصدقاء له أتقنوها في مدة قصيرة من خلال كتب تعليم الفارسية التي بدأت تنتشر على نحو كبير في المكتبات العراقية وفي مناطق مختلفة من البلاد وبالأخص في محافظات الفرات الأوسط والجنوب.
وفي حين يعد البعض أن تعلم الشخص اللغة الفارسية لا يختلف عن تعلمه الانكليزية والروسية وغيرها من اللغات الأخرى يرى باحث في الشؤون الاجتماعية أن الأمر (( ينطوي على مخاطر ومخاوف كثيرة قد تصل الى جعل تلك اللغة ضمن المناهج الدراسية مستقبلا)).
وقال إنني (( اخشى من أن تكون هناك أيادٍ خفية تعمل بهذا الأمر وهي التي سربت كتب تعلم الفارسية الى المكتبات العراقية وبكميات كبيرة وطبعات مختلفة حتى أخذ تداولها ينمو في المجتمع العراقي سريعا لاسيما ان أسعارها زهيدة جدا مقارنة بالكتب الأخرى)).
وكشف عن قيام مطابع ودور نشر محلية أيضا بالترويج لتلك الكتب لاسيما في مناطق الفرات الأوسط والجنوب القريبة من إيران وذات الغالبية الشيعية.
ووصف صاحب أحدى المكتبات الإقبال على كتب تعلم الفارسية من انه (شديد) إذ يشتريها الأشخاص بمختلف الأعمار ومن كلا الجنسين وتسجل مبيعاتها ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالكتب الأخرى.
ويقول على سبيل المثال إن كتاب ( كيف تتعلم الانكليزية من دون معلم ) المتواجد في المكتبات العراقية منذ عدة سنوات تراجعت مبيعاته أمام كتب تعلم الفارسية بعد أن قفزت تلك المبيعات كثيرا إبان السنوات الأولى للاحتلال ودخول الأميركان الى العراق حيث كان البعض يرغب بتعلم الانكليزية لتتاح له فرصة التحدث مع (الأجانب) حين يلتقيهم لاسيما ان السنوات الأولى للاحتلال ونتيجة للاستقرار الأمني ذلك الوقت كانت تشهد احتكاكا مباشرا بين العراقيين وجنود الاحتلال وصل في بعض المرات الى زيارات لبعض العوائل التي شكلت صداقات طبيعية معهم.
ويوضح صاحب تلك المكتبة أن (( الإقبال على تعلم الفارسية يعدّ طبيعيا لاسيما ان الكثير من العراقيين يذهبون الى إيران لأغراض الزيارة والسياحة وهناك يحتاجون الى الحديث ببعض المفردات البسيطة في لغة ذلك البلد وهو حال طبيعي لكل أجنبي))
وقال إن ميزة هذه الكتب أنها تحوي مفردات بسيطة يحتاجها السائح مثل أداء التحية والسلام والاستفسار عن أسعار الحاجيات ومفردات أخرى مماثلة لا تتعدى هذا الغرض، بينما أبدى أحد زبائن مكتبته اعتراضا شديدا على الترويج لكتب تعلم الفارسية ، متسائلا هل توجد في المكتبات الإيرانية كتب تعلم اللغة العربية، فهم يقومون بزيارات للعراق كثيرا ويحتاجون لفهم بعض المفردات العربية أيضا فلو كانت تلك الحال موجودة من الممكن أن نعدّ الموضوع اعتياديا.
وأشار الى أنه زار إيران ثلاث مرات بعد عام 2003 لغرض السياحة والطب وزيارة الإمام الرضا ( ع ) لكنه لم يجد كتابا واحدا لتعلم العربية.
ووصف الحال أنها نوع من الغزو الثقافي وتمرير مخططات مشبوهة باتت تلقى على حد قوله، رواجا في الشارع العراقي من دون التصدي لها وقمعها قبل أن تستفحل وتصبح من حال طبيعية مجردة الى واقع مرير قد يفرض نفسه في المناهج الدراسية.