الانسداد…حربٌ تَلِدُ حربًا
ليس هناك مقاومة تذكر في الضفة الغربية
ولا مجال للمقاومة في الضفة دون حركة فتح
يجب إيجاد طريقة لإعمار القطاع بأسرع وقت
يجب ألا نغتر بتحركات الشارع العربي
الشارع العربي لم/لن يزحزح النظام الرسمي عن مواقفه
يجب على المقاومة تطوير قدراتها
اعتماد المقاومة على جبن وهلع جنود العدو خطأ جسيم!
من قلم:سري سمور-جنين-فلسطين المحتلة
علمنا أن الضغط يولد الانفجار ،بالمفهوم العلمي البحت،وفي التفسير المجازي للظواهر الاجتماعية والسياسية،وما يجري حاليا في المنطقة يحمل بوادر انفجار ربما من غير الحكمة تحديد حجمه،والمسبب للانفجار المتوقع المقبل هو الانسداد التام في كل الملفات الساخنة والأقل سخونة،بحيث لا يُرى في الأفق ما يمكن أن يوصف كحل لها.
ولا بد من التذكير أن الأستاذ محمد حسنين هيكل قد ذهب في تفسير الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة إلى وجود انسداد في مجريات حل سياسي كان يجري تمريره للقضية الفلسطينية ،وكانت غزة تحت حكم حركة حماس هي المُجسِّد لهذا الانسداد،وكان لا بد من تصفية الحالة الغزيّة القائمة بالقوة العسكرية الإسرائيلية ،نظرا لفشل الخيارات الأخرى طوال الفترة التي سبقت الحرب.
هذا لم يحصل ،وما جرى هو أن غزة صمدت ،وصمودها يعد انتصارا،بغض النظر عمن يرى الأمور بمنظار آخر مدفوعا بضغائن فئوية ،أو يحمل أفكارا شبيهة بما كان عليه حال الأمة إبان غزو المغول للبلاد ،قبل عين جالوت!
ولكن الحرب لم تسفر عن تهدئة متزامنة ،ورفعا للحصار، وفتحا للمعابر،هذا في وقت بات فيه عشرات الآلاف من سكان القطاع بلا مأوى ،بسبب تعمد آلة الحرب الإجرامية قتل الناس وترك من تبقى بلا مأوى ،وتدمير كل البنى التحتية ومصادر الرزق ،فالحصار على حاله مع وجود حالة إنسانية كارثية،وما زال ملف الإعمار معلقا ،رغم الوعود المليارية الكثيرة،كما أن منع الاحتلال لدخول مواد البناء المختلفة يزيد الأمور تعقيدا ومأساوية،والعدوان على القطاع متواصل ولو بشكل مخفف نسبيا ،وبالإضافة إلى الحال المأساوي في القطاع فإن هناك ملفات أخرى تعاني من الانسداد ،يمكن إجمالها بالتالي:-
1) استمرار الاحتلال وبشكل محموم لم يسبق له مثيل في تهويد القدس وتفريغها من سكانها العرب الفلسطينيين بهدم بيوتهم وتشريدهم ،والعدوان على المقدسات بلا رادع،والحملة الشرسة لخلق واقع جديد في الضفة الغربية المحتلة بتكثيف الاستيطان،وإطلاق العنان لقطعان المستوطنين،الذين أصبحوا كابوسا مطبقا على أهالي الضفة الغربية لا سيما في مناطق الاحتكاك.
2) تعثر بل فشل المفاوضات ،ورغم عدم الإعلان صراحة عن عبثيتها ولا جدواها إلا أن النتيجة واضحة ؛فنتنياهو وليبرمان لا يألوان جهدا في إظهار العنصرية والرغبة في الإملاء على الفريق الفلسطيني المؤمن بالتفاوض كحل لا بديل عنه،علما بأن أولمرت ومن سبقوه لم يكونوا أفضل حالا،والوقائع على الأرض تشهد بذلك…وأيضا لا تخدعنكم تصريحات بلير الأخيرة ،وما يجري تداوله عن مشروع سياسي جديد!
3) الفشل الواضح حتى الآن في إبرام صفقة تبادل الأسرى،وهي صفقة لو تمت ،بطريقة بعيدة عن تصورات الاحتلال ،فإنها ستحمل بشريات هامة للحوار والمصالحة والمقاومة ،ولكن الصفقة لم تتم ولا يبدو في الأفق حتى الآن أنها ستتم،نظرا لرغبة الاحتلال بإغلاق الملف على طريقة ما جرى مع الجندي «نخشون فاكسمان» قبل حوالي 15 سنة!
4) ملف الحوار الداخلي بين حركتي فتح وحماس الذي يصطدم باشتراطات هيلاري كلينتون ،والحديث مؤخرا عن الرغبة أو النية في تشكيل حكومة جديدة في الضفة الغربية يحمل إشارات سلبية عن مآل الحوار،وبغض النظر عمن سيرأس هذه الحكومة ومن سيشارك فيها فإنها تعني تكريسا طويل المدى للإنقسام ،وستعود الحملات الإعلامية إلى سابق عهدها،وربما بشكل أشد قسوة وضراوة!
5) الوضع الإقليمي المرتبط بشكل أو بآخر بالحالة الفلسطينية،والتلويح بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بسبب برنامجها النووي،ورغبة الاحتلال ،لا سيما مؤسسة الجيش بالانتقام من حزب الله ،والتطورات في العراق وأفغانستان وما يدبر للسودان،والوضع في القرن الإفريقي وفي اليمن السعيد الذي تعمه الأحزان هذه الأيام،كلها أمور تفصح على أن المنطقة تشهد غليانا وتقلبات لا تخفى على أي مراقب…
لا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه،والوصف هنا أن كل حرب تلد أخرى،ربما مع اختلاف في الفارق الزمني بين كل حرب وسالفتها ،والمكان والظروف المختلفة.
كل شيء متوقع،وتحذيرات حزب الله الأخيرة عن النوايا الإسرائيلية في محله،ولا داعي أن نوجه النصح لحزب الله والمقاومة اللبنانية،فهم يدركون أن المواجهة القادمة ستكون دامية وعنيفة وشاملة ومع عدو يريد الانتقام لهيبته التي تمرغت في وحل بنت جبيل وعيتا الشعب ،حتى لو اضطر لاستخدام ما لم يستخدمه سابقا من سلاح وتكتيكات.
وهنا لا بد من التركيز على المقاومة ودورها،فهي الوحيدة القادرة على مواجهة المخطط الكبير الذي يجري طبخه ،والذي يمتاز بشموليته لكل المنطقة،وقد عبر د.عزمي بشارة في مقال تحت عنوان «التفكير الأميركي الجديد ومراجعة نهج التسوية» نشر في آذار/مارس الماضي عن هذا الموقف قائلا:«… نحن إذا أمام "خارطة طريق" جديدة للسنوات القادمة، بغض النظر إن عبر عنها في نص يحمل هذا العنوان أم لا. هذا ما سوف يتمخض عنه التحرك الأميركي الجديد. ليس حلا دائما أو غير دائم، ولا انسحابا من الجولان، بل "خارطة طريق" جديدة قد تتضمن ذلك.وسوف تصاحبنا هذه الحركة للتوصل إلى الخارطة الجديدة، وليس للتوصل إلى حلول. وسوف تشغلنا طيلة الأعوام القادمة، اللهم إلا إذا قطعتها أحداث عظيمة الشأن مثل تجدد المقاومة والحروب وغيرها.»
أما المقاومة الفلسطينية فأرى أنه من الواجب لفت النظر لبعض القضايا الهامة،خاصة وأن الاحتلال قد يقدم ما بين لحظة وأخرى على عدوان جديد على القطاع…
المقاومة في الضفة الغربية
المقاومة في الضفة مشلولة بشكل شبه تام ،والحالة النفسية في الضفة الغربية تدعو للأسى،فقد تكرست مفاهيم الأنانية والفردية وهناك حالة من الإنفلاش والشعور باللاجدوى وتدهور أخلاقي متصاعد ،وسكوت الضفة الغربية على ذبح غزة كما رأينا يشير إلى هذه الحالة،وهنا أود التذكير بأن الاحتلال تذرع عند شنه للحرب على غزة بأن 800 صاروخ فلسطيني أطلقت من القطاع تجاه أسديروت وعسقلان وأسدود وغيرها ،ولكن كثيرا من هذه الصواريخ كانت تطلق انتقاما لاغتيالات واعتداءات في الضفة الغربية ،أي أن غزة بشكل أو بآخر دفعت ثمن ثأرها للضفة الغربية ،والأخيرة تركت من ثأروا لها يُذبحون مكتفية بإيقاد الشموع!
ولا مجال للخوض كثيرا في التفاصيل والدوافع الميدانية والسياسية والاقتصادية التي قادت إلى هذه الحالة ،ولكن مما لا شك فيه وبشكل قاطع أقول:لا يمكن أن تكون هناك مقاومة فاعلة في الضفة الغربية بدون حركة فتح أو جزء منها،وفي ظل تعثر الحوار هذا متعذر للأسف،ولكن المقاومة يجب أن تسعى للحوار الأفقي ،ومع قاعدة الهرم!
قطاع غزة المكلوم
من يُهدم بيته لا شك يفكر في إعادة بنائه،ومسألة تحول الإعمار إلى ورقة مساومة على موقف سياسي بالتأكيد مرفوضة ولكن لا يجب بقاء الوضع على حاله؛ فهذا مرفوض وغير منطقي،ورغم صمود واستبسال المقاومة فإن الحرب الأخيرة قد كشفت عن ثغرات عدة،ولا عيب من مراجعة نقدية للذات،وقد كتب الأستاذ مؤمن بسيسو عن هذا الموضوع كلاما يستحق التأمل والمراجعة،وعلى المقاومة في القطاع أن تسعى حثيثا لسد هذه الثغرات وألا تترك مجاميعها وأبناء شعبها لحالة الانكشاف أمام التفوق الجوي الصهيوني،كما أن على المقاومة إجبار العدو على الإقرار بخسائره ولو جزئيا في أي مواجهة قادمة،وجدير بالذكر أن ما شجع طابور المشككين في انتصار المقاومة في الحرب الأخيرة هو السياسة الإعلامية التي اتبعها العدو،والمختلفة عما اتبعه في حرب لبنان ،ولم يتورع هؤلاء عن التشدق بالقول:لماذا كانوا يقرون بخسائرهم ويتحدثون عن قتلاهم في مخيم جنين ولاحقا في لبنان؟طبعا نسي هذا الطابور أنه اتهم حزب الله بالعمل لمصالح إيران وسوريا وأن قتل 150 جنديا صهيونيا لا يقارن بما جرى للبنان….على كل وبعيدا عن هؤلاء فإنه حتى جمهور المقاومة العام منه والخاص يرغب في أن يسمع بيانات من العدو تتحدث عن خسائر في الأرواح عدا الممتلكات،فهذا له وقع هام على تبعات أي مواجهة كما نعلم.
ثقافة واحد زائد واحد
للأسف لم يعد الحديث عن المقاومة وأهميتها وطبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني التي تفرض المقاومة فرضا وهي كره للشعب أفرادا ومجموعات،لم يعد مجديا ،نظرا لعوامل معقدة وطغيان القيم الاستهلاكية على المجتمع؛ومن هنا بات على المقاومة الحديث بلغة المصالح ،ولو من باب التكتيك،والوصول لحالة من إقناع عامة بأن مربح الفرد والجماعة من المقاومة أكثر بكثير من مربح وقف المقاومة واستبعادها ،فما دامت الثقافة القائمة على نبذ المقاومة مبنية على معادلة واحد زائد واحد ،فلتكن الثقافة الأخرى الناسفة لها تستخدم نفس المعادلة،وأعلم أن هذا الكلام سهل نظريا،لكن التطبيق العملي صعب للغاية،ولكنه ممكن لو راجعت المقاومة خطابها مراجعة نقدية وطوّرته ،لا سيما وأن البيئة الشعبية العامة لا ترفض المقاومة كفكرة ،بقدر حسبان تبعاتها وخسائرها…
محدودية دور الشارع …بل قصوره!
جميلة هبة الشارع العربي وتفاعله مع فلسطين ومع الأطفال الذين مزقت قنابل العدو أجسادهم الغضة ،ولكن علينا أن نقر بأن للشارع وللمجتمع المدني في الوطن العربي دورا محدودا ،بسبب سيطرة المؤسسة التنفيذية الرسمية على القرار ،وعدم اكتراثها بتحركات الشارع المحلي مهما بلغت،وحركة الشارع في الغالب انفعالية تتوهج قليلا ثم تخبو وتتلاشى بانتظار كارثة جديدة،وباتت أجهزة الحكم على يقين بهذا،ثم إن للمواطن الذي خرج للشارع كثير من الهموم الشخصية التي تسحبه بعيدا عن فلسطين،فحركات الشارع لم تفتح معبرا ولم تغير موقفا حتى ولو إعلاميا،وهذا درس هام،وعلى المقاومة أن تستوعبه،لأن المقاومة لا تحتاج إلى مسيرات واتصالات هاتفية ممن يبكي ويشد على الأيادي،مع تقديري لهذه الفعاليات،ولكن المقاومة الفلسطينية التي تعيش وضعا جغرافيا خاصا،وتواجه عدوا شرسا يمتلك كل أنواع السلاح والعتاد،ويرى أمامه حالة من الهوان والاستسلام شبه المعلن من النظام الرسمي العربي،يجب أن تسعى للحصول على أي مكسب من الأطر الرسمية للدول العربية ،مع التذكير مرارا أن تحركات الشارع،على الأقل حتى اللحظة،لم تفضي إلى تشكيل حالة ضغط على النظام الرسمي العربي تدفعه إلى تغيير ولو شكلي في مواقفه،والتي وصلت أحيانا إلى حد تجريم المقاومة ،وبث إيحاء بمسئوليتها عن العدوان،والسؤال الطبيعي هو كيف تفعل المقاومة ذلك؟هذا أمر ليس بالصعب في ظل التغيرات الدولية،والأزمة المالية،والاستحقاقات السياسية ، وأيضا وهذا هو الأهم:عجز وفشل كل محاولات تصفية واستئصال المقاومة رغم كل الجهد العسكري والسياسي والمالي والإعلامي طوال السنوات الماضية،وبرأيي أن مشكلة الأطر الرسمية أنها ما زالت تعيش هاجس غداة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر،والرعب الذي بثه بوش وعصابة المحافظين الجدد،صحيح أن دعم إسرائيل سياسة ثابتة لأي إدارة أمريكية ،إلى أن يأذن الله بأمر كان مفعولا،ولكن هامش المناورة قد اتسع،ومهمة المقاومة إقناع النظم العربية بهذه الحقيقة!
العملاء وأمن المقاومة
العملاء الآن قد حوصروا وقل تأثيرهم،خاصة في قطاع غزة،وما تحمله الأخبار عن تفكيك شبكاتهم في لبنان،هذا لصالح المقاومة، ولكن عليها ألا تركن لذلك،لأن مخابرات العدو تجدد وتطور وسائلها،وفي ظل تفشي الفقر والبطالة هناك من هو مستعد لبيع نفسه،هذا أولا،وثانيا هناك عميل بثوب صديق لكل مقاوم ولكل مواطن ،وهو الهاتف النقال وجهاز الكمبيوتر ،وكل وسائل التقنية الحديثة،فهذه وسائل تجسس ،تحظى بالاحترام والمحبة والإعجاب!
على المقاومة تأمين نفسها وتطوير إمكانياتها التقنية،وأعلم أن استخدام التقنيات الحديثة أمر لا مفر منه أحيانا،ولكن لا بد من منع تحويل هذه التقنيات إلى جواسيس لكشف المقاومة ،وهذا حدث كثيرا،مع بالغ الأسف.
هذه الأمور وغيرها يجب أن تكون نصب أعين المقاومة ،ولا بد للمقاومة من استخلاص العبر ونقد الذات،وعدم الاكتفاء بما تملك بل السعي لزيادة كم ونوع ما بيدها من عتاد ووسائل قتالية ،لأن العدو لا يكل ولا يمل ويطوّر قدراته،وهي قدرات هائلة أصلا حتى ولو لم يطورها ويزيدها،وأمر آخر لا بد منه وهو عدم اكتفاء المقاومة بالتعويل على جبن جنود العدو وهلعهم،لأن هذا الهلع وهذا الخوف والرعب هي ثغرة سدّها العدو بتحصيناته وآلياته الرهيبة،لنكن صرحاء؛فنحن لسنا في عصر السيف والمواجهة وجها لوجه،والعدو يدرك منذ سنين طويلة لنقطة الضعف هذه،ولهذا هو يسعى لعدم استغلالها من المقاومة،ولو وصفناه بالجبن وتعمد التدمير واتباع سياسة الأرض المحروقة.
الانسداد القائم سيقود إلى انفجار أو انفجارات،وهناك فرصة لكي تربح المقاومة بنقاط واضحة،لا لبس ولا جدل فيها،بشرط أن تمعن النظر بما ورد آنفا،وبما سبقني فيه أساتذة كبار أفاضل…وما النصر إلا من عند الله.
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ }الروم60
،،،،،،،،،،،،
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
الأربعاء 10 جمادى الأولى/1430هـ،6/5/2009م
بريد إلكتروني:-
sari_sammour@yahoo.com
s_sammour@hotmail.com