بقلم: فارس عبد الله*
المبادرة العربية للسلام مع الكيان الصهيوني ,والتي اعتمدت في قمة بيروت أبريل 2002 م جاءت في ذروة اندلاع انتفاضة الأقصى , وكانت العمليات الاستشهادية تقارب الاثنين أو الثلاثة أسبوعياً , تهز قلب الكيان الغاصب في تل الربيع وحيفا ويافا والقدس المحتلة , وتم إقرار المبادرة في ظل غياب الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار , الذي ألقي كلمته عبر الفيديو كونفرنس بفعل الحصار , الذي ضرب عليه في مقاطعة رام الله من قبل ارئيل شارون رئيس الحكومة الصهيوني آنذاك .
أن تأتى المبادرة السعودية , والتي أصبحت بعد أن تم تبنيها في قمة بيروت , مبادرة للعرب الرسميين للسلام مع الكيان الغاصب ,الذي تأسس رغم أنف الأمة العربية والإسلامية, والقتل ما زال مستمراً بحق الشعب الفلسطيني , وسلب الأرض وتهويدها عقيدة سياسية ودينية لذا قادة الكيان , في ظل الحرب المشتعلة داخل فلسطين ,يأتي زعيم أكبر دولة عربية لها بعدها الديني , ليطرح موضوع إنهاء الصراع العربي الصهيوني ,ويعلن إمكانية التعايش مع الكيان الصهيوني ,والاعتراف له بشرعية اغتصابه لفلسطين الإسلامية ,من خلال مبادرة خالية من حق اللاجئين ,في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها ,بفعل المجازر الصهيونية التي تنقلت على خارطة فلسطين ,تنشر الرعب والقتل والخراب , وان البند المتعلق باللاجئين في المبادرة العربية لم يكن بحجم القضية الوطنية للاجئين ، ويعتبر بند تجميلي أضيف تبعا لإصرار سوري لبناني، ولم يشر إلى عودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48 فهي حسب المبادرة دولة اليهود المعترف بها من قبل النظام العربي الرسمي , بل جل ما دعت إليه المبادرة العربية ,حل عادل لمشكلة اللاجئين يتفق عليه، وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ويستمر التأكيد في كل قمة عربية ,على التمسك بهذه المبادرة ,التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني ,ولا تنظر لجوهر القضية الفلسطينية القائم على ظلم تاريخي باحتلال أرض وتهجير أهلها إلى المنافي , واستجلاب اليهود من كل أصقاع الدنيا ,لإقامة دولة لهم وليس وطن لان الأوطان لا تمنح ولا تعطى هبه من أحد , وان التسليم بهذا الأمر من المستوى العربي الرسمي , لا يتلائم مع تاريخ وحضارة ومسار الأحداث في المنطقة وهو وصفة لاستمرار الخلل ,الذي لا بد من معالجته عبر مقاومة الشعب الفلسطيني , لاسترجاع حقه الطبيعي والتاريخي في فلسطين ,ومن خلفه كل الأمة الإسلامية والعربية .
ولقد شكلت المبادرة العربية نوعاً من المخدر للأمة ,حيث أن العدوان الصهيوني قبل إعلانها ومنذ إعلانها ,لم يتوقف وهو يطحن عظام الأطفال والنساء ,بفعل آلة الحرب الصهيونية المجرمة ويهود القدس ويتعرض الأقصى للخطر الحقيقي , والنظام العربي الرسمي يقف عاجزاً عن التحرك , إلا من خلال ورقة المبادرة التي داستها الدبابات الصهيونية , في أول يوم إعلان لها وارتكبت على صفحاتها مجزرة جنين , ولم يستوعب العرب الرسميين بعد ماهية العقلية الصهيونية ,القائمة على الضغط والضغط أكثر , حتى تحقيق الأهداف الصهيونية , ويروق لهم كثيراً مشهد التنازلات , من الخصم حتى مرحلة التعرية والفضيحة.
وتخرج علينا الصحافة اليوم بخبر مفاده أن هناك مطلب أمريكي , من أجل تعديل المبادرة العربية لتتوافق والمطلب الصهيونية , في رفض الحديث الغامض عن اللاجئين حتى لو كان حلاً بالتوافق وفقاً للقرار 194 , بل يطلب الصهاينة بوضوح قراراً عربياً صريحاً بالتوطين للاجئين الفلسطينيين ,في أماكن تواجدهم القصري وبالرغم أن البند في المبادرة العربية حول رفض التوطين , مقصور على البلدان ذات الخصوصية , وهذا كان مطلب للرئيس اللبناني لحود للموافقة على المبادرة , خوفاً من توطين اللاجئين في لبنان وتغيير طبيعته الديمغرافية , أم غيرها من البلدان التي ليس لديها خصوصية يكون التوطين مقبولاً وفتح المزادات للاستفادة اقتصادية من هكذا مشروع , وعلى ما يبدو أن المطلب الرئاسي اللبناني كان سبباً في تعطيل الترويج والتسويق لبنود المبادرة , لذا الصهاينة والأمريكان أو أنهم يريدون الأمر أكثر وضوحاً لتكتمل كما قلنا مرحلة التعرية والفضيحة.
ويطالب الأمريكان تعديل المبادرة , من خلال النص على ضرورة الإسراع في التطبيع مع الكيان الصهيوني وإقامة علاقات مع قادته , ورفع الإعلام الصهيونية فوق العواصم العربية وكل ذلك من خلال جدول زمني يتم انجاز الأمر فيه , من أجل تشجيع الكيان الصهيوني على اتخاذ خطوات عملية , تسمح بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح , وبالرغم من معارضتنا للمبادرة العربية كونها تعترف بالكيان الصهيوني , وتعرض حق اللاجئين للخطر إلا أنها ربطت التطبيع , مع الصهاينة بقيام دولة فلسطينية في حدود 67 , وان المتابع لما تم تسريبه من المطالبات والتعديلات المطلوبة أمريكياً وصهيونياً ,على مبادرة العرب الرسميين هي بمثابة صك استسلام وخنوع للعدو , وذل ما بعده ذل لسنا مرغمين على مجرد التفكير في الخوض فيه .
وان الأنظمة العربية الرسمية أمام هذا الصلف الصهيوني , والمساندة الأمريكية والاستخفاف الكامل بالأمة العربية , اتجاه خيارين أما أن تستريح من الملف الفلسطيني ولا تتقدم اتجاه بأي خطوة سياسية , تضييع الحقوق وتعترف بالقاتل , وأن تبقي على صمتها الذي تعودنا عليه فلا نريد حراكها إذا كان ينسف ثوابتنا , وأما أن تدعم شعبنا ومقاومته وتتبني قضيته في التحرير , وتقف إلى جانبه سياسياً وإعلامياً ومالياً , وترفع الحصار عن إمدادنا بالسلاح , وتساند الحق الفلسطيني في المحافل الدولية ما أمكنها ذلك , فلسنا بحاجة إلى مبادرة سلام عربية , بقدر ما نحتاج إلى مبادرات عربية لرفع الحصار , ودعم الصمود لأهل الأرض المحتلة , ومبادرات عربية لجمع الشمل الفلسطيني , نحتاج إلى مبادرات عربية لانقاد المسجد الأقصى ومدينة القدس من التهويد , نريد مبادرات عربية لاعتبار المقاومة خيار استراتيجي , لتحرير البلاد ومقارعة المحتلين , فالعدو الصهيوني لا يفكر أبداً بالسلام , وتصريحات ليبرمان اليوم أن السلام مضيعة للوقت والمال , تكفي لنسف كل الأوهام حول سلام مع شداد الأفاق .
كاتب وباحث فلسطيني