بقلم: محمد أبو علان:
التصريحات التي أدلى بها "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لصحيفة "نيويورك تايمز" توقف عندها الكثيرون من المحللين والإعلاميين ورجال السياسية لعدة أسباب، منها صدورها عن رئيس المكتب السياسي للحركة بعد أيام من التجديد له في رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، كما أن هذه التصريحات جاءت أكثر صراحة ووضوح مما سبقها من تصريحات بهذا الشأن، وحملت في ثناياها مديح غير مباشر لسياسية الرئيس الأمريكي صاحب السياسية المختلفة عن سلفه على حد تعبير"مشعل"، والأهم باعتقادي مجيئها بعد حرب مدمرة شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واعتلاء حكومة جديدة لسدة الحكم في دولة الاحتلال.
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عاد ونفى فحوى ما نقلته الصحفية الأمريكية من تصريحات قائلاً "أن موقف الحركة من إطلاق الصواريخ أو وقفها يأتي في إطار إستراتيجية المقاومة التي تقرها حركة حماس وتتعامل بها في معركتها مع العدو الصهيوني وهي تثبيت حق الشعب الفلسطيني وحركة حماس في مقاومة الاحتلال ولكشف حقيقة نوايا الكيان الصهيوني وتعريته أمام العالم ولتأكيد أنه الطرف الذي يبادر دائما بالعدوان على شعبنا"، وختم نفيه بعبارة "أن الحركة تراعي دائما الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني ".
وترافق مع تصريحات "مشعل" في دمشق تصريحات مدير عام الأحوال المدنية في الحكومة المقالة في قطاع غزة "رياض الزيتونة" حول تنسيق الحكومة المقالة مع الاحتلال فيما يتعلق بالسجل المدني لسكان قطاع غزة معتبراً أن هذا التنسيق يعود "إلى وجود اتفاقات سابقة مع الكيان الصهيوني" على حد تعبيره، وهذه التصريحات والتنسيقات كان قد سبقها حديث عن تنسيق سابق بين حماس ودولة الاحتلال حول موضوع تحويلات المرضى والقضايا الأمنية المرتبطة بهذا التنسيق.
هذه التصريحات الصادرة على شخصيات سياسية وحكومية تابعة لحركة حماس فيها شيء مختلف عن المواقف السياسية المعروفة لحركة حماس تجاه التنسيق والتعامل مع دولة الاحتلال، وتجاه المقاومة وعملية إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، فهي إن لم تعطي الدليل القاطع على تحولات جذرية في مواقف حماس السياسية قد تعطي مؤشرات على بدايات في تغيير الاتجاه، مما يعني الإقرار الرسمي والتعاطي مع ما تطرحه قيادة حماس على شكل بالونات سياسية اليوم سيصبح رسمي وعلني بعد شهور، والموضوع ليس إلا مسألة وقت فقط مرتبطة بتوفر مناخ سياسي إقليمي ودولي يقبل التعاطي مع حماس على أساس هذه الأطروحات السياسية الجديدة للحركة.
فموضوع التصريح والنفي نمط من التعامل السياسي اعتدنا عليه في الساحة السياسية الفلسطينية، ويستخدم الساسة هذا النمط من التعامل كأسلوب في جس نبض الشارع الفلسطيني والمجتمع الدولي تجاه ما يطرحون من مواقف، فإن كانت ردة الفعل إيجابية أو مقبولة أكملوا الطريق فيما يطرحون، وإن كانت ردة الفعل سلبية من أي طرف مستهدف بالتصريحات يتم نفيها، مما يعني النفي ما هو إلا طريقة لبقه للتراجع عما طرح.
ولكن تعامل حماس بهذا المنطق يعتبر عبارة عن ذرو للرماد في العيون لسبب رئيسي وهو أن حركة حماس كانت ترفض الالتزام بالاتفاقيات السابقة، وتعتبر التنسيق مع الاحتلال ولا زالت خيانة، ووقف المقاومة ومنع إطلاق الصواريخ مخطط أميركي إسرائيلي بأيدي فلسطينية للقضاء على المقاومة لصالح مشاريع سياسية لا تخدم ولا تحقق طموحات الشعب الفلسطيني.
فكيف يمكن لنا نحن المواطنين البسطاء أن نتعاطى مع مثل هذه التصريحات السياسية التي تعطي لطرف الحق بالتنسيق مع الاحتلال، والالتزام بالاتفاقيات بالشكل الذي يريد، والحق له في وقف ومنع إطلاق الصواريخ مقابل اتهام بقية الأطراف بالخيانة والتفريط وغيرها من المسميات إن هي قامت بنفس المواقف أو أطلقت نفس التصريحات؟.
والشيء الأخطر في تصريحات قيادات حركة حماس أنها تأتي في ظل حالة الانقسام الفلسطيني مما يعطي الانطباع بأن طرفي الصراع الفلسطيني في سباق بينهم على من يستطيع كسب ود العالم سياسياً عبر تقديم تنازلات سياسية مجانية على قضيتنا الوطنية، والأهم من ذلك كله أن لا يكون هناك ترابط بين مواقف حركة حماس والانفراج الجزئي في العلاقات الإيرانية الأمريكية.
وما بقي لنا إلا انتظار بما ستأتي به الأيام والشهور القادمة لنعلم من كان الأدق نفي "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أم ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مشعل؟.