عبدالله الخالدي
إن المتتبع المستقل للحالة الشيعية في الجزيرة العربية سيدرك حتما حقيقة استغلال آل سعود للقضية الشيعية من أجل تحقيق أهدافهم و مصالحم.وما إبقاء التمييز الطائفي ضدهم – دون سبب جوهري- إلا لغرض إبقاء التوتر مما يسهل التحكم فيه تارة بإشعاله لدرجة غير مؤدية لهم عند الحاجة , والتهدأة مع إبقاء مستوى توتر منخفض يتحكم فيه طائفيا في حالات أخرى.
بدأت الظاهرة الشيعية مع عبدالعزيز الذي استخدم التلويح بورقة الشيعة للإخوان فكان تارة يثيرهم بها ليحقق أهدافه وأحيانا أخرى يكافئهم بالإستجابة لمطالبهم ضد الشيعة.واستمرت هذه الظاهرة مع خلفائه ووجدوا في الظاهرة الشيعية وسيلة لحشد الجمهور السني ضد عدو وهمي وإلهائهم عن الفساد والعبودية التي يمارسها آل سعود على المجتمع ككل في حالة تفجر أي رفض شعبي ضد آل سعود.
وعندما قامت الثورة الإيرانية ,كانت الورقة الشيعية ركيزة أساسية استخدمها آل سعود للتلويح للغرب بأن مصالحهم في خطر.فهم يعلمون عدم وجود أي تأثير إيراني على شيعة الخليج ولكن التمييز الطائفي الذي يمارس ضد الشيعة يمكن استغلاله في رفع حالة الرفض الشيعية الشعبية وبالتالي الإيحاء للغرب بأن مصالحهم معرضة للخطر الإيراني. وهكدا تم رفع مستوى التمييز الطائفي في ذلك الوقت مما فجر الإحتجاجات الشعبية وما صاحبها من أحداث مؤلمة وطلب آل سعود من الحكومة الأمريكية مساعدتهم في الحفاظ على الإستقرار الداخلي بحجة وهم الأطماع الإيرانية وقد صرح بعض المسؤولين الأمريكيين بمساعدتهم لدول الخليج في حفظ إستقرار أنظمتهم.
استمر مستوى التوتر الطائفي عاليا خلال الحرب الإيرانية العراقية بسبب الحاجة إليه في ذلك الوقت وكان يقوده الجناح السديري فهد ونايف و محمد بن فهد وكانوا يديرون في نفس الوقت قتل الشباب السني و توريطه في أفغانستان كرد الجمبل للولايات المتحدة لحفظها ملك آل سعود. ولم ينخفض ذلك المستوى العالي إلا بعد المصالحة بين رفسنجاني و فهد و مع ذلك ظل التمييز الطائفي لإبقاء حالة التوتر قائمة.
أجاد السديرية إستخدام الورقة الشيعية خاصة مع الأمريكيين لتخويفهم من الخطر الشيعي و القضاء على إحتمالية أي دعوة لرفع الظلم القائم على الشيعة و التغافل عن كل قوانين حقوق الإنسان لدرجة أن بوش أصدر قانون في 2005 يمنع إتخاذ أي إجراء ضد آل سعود بسبب إنتهاكاتهم لسجل حقوق الإنسان الذي يعتبر الأسوء على مستوى العالم.
في السنوات القلية الماضية تنبه رجال الدين السنة – وخاصة الشرفاء منهم المنتمون للقبائل العربية – لإستغلال آل سعود لرجال الدين في ضرب الوحدة الوطنية وتطبيق الحكمة الإستعمارية (فرق تسد) وتحركوا في طريق الوحدة والمصالحة الوطنية مما أزعج آل سعود فعمدوا لتعيين عادل الكلباني إماما للحرم محاولة لإذلال الشرفاء العرب الذين رفضوا ذل العبودية وبدأوا يطالبون بالإصلاح ويقينهم أن الكلباني الذي لا يملك الحمية والعصبية القبلية سينفذ ما يطلب منه دون تململ. ولا يخفى على المراقب أن الكلباني المعين إماما للحرم يحمل الفكر القاعدي فهو يصرح للإعلام بتكفير المسلمين بمختلف مذاهبهم وعارض تعيين إمام في الحرم لا يعتنق المذهب الوهابي لطعنه في المذاهب السنية الأخرى كما يطالب بطرد المسيحيين من جزيرة العرب وشارك في القضية الإفغانية. كل هذه الدلالات تعطي صورة واضحة عن إرتباط الكلباني بوزارة الداخلية والجناح السديري الذي يدير الإرهاب في العالم.
كانت العملية الأخيرة التي قام بها السديريون لتمكين نايف من ولاية العهد ضربة معلم. فالسديريون توجسوا من مجلس البيعة الذي أنشأه عبدالله و في حالة موت سلطان سيُفَعّل مجلس البيعة وقد يخسر السديريون السلطة.كانت الفرصة سانحة مع إقتراب سفر عبدالله لحضور القمة العربية وقمة العشرين وسفره سيترك فراغا مع عدم وجود سلطان وعجزه عن إدارة الدولة ولقطع الطريق على عبدالله و منعه من التهور وتعيين أحد آخر ينوب عنه في إدارة شئون البلاد , تم إحكام عملية البقيع.
نايف هو المسؤول عن إدارة الملف الطائفي ضد الشيعة مع معاونه محمد بن فهد و هو من يدير قطعان الإرهابيين و الهيئة والإعلام.وكانت الفرصة إجازة نصف السنة ومعرفتهم بتوافد الشيعة من المنطقة الشرقية لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم فتم تجهيز مطوع الهيئة لتصوير النساء وكان تحت حماية الشرطة لإستفزازهم ثم تجهيز قطعان الهيئة والمتشددين الذين هاجموا الزوار بالعصي والسكاكين و تزامن ذلك مع حملة إعلامية شرسة ضد الشيعة و إنهم يهددون الإستقرار. والمتتبع سيلاحظ أن الهيئة والشرطة والإعلام المتورطين في قضية البقيع كلهم يخضعون تحت سلطة مباشرة من نايف.
سارع الشيعة في تخفيف التوتر وذهب وفد كبير إلى عبدالله و فعلا تم تهدأت الأوضاع مما أقلق السديرين فانتقلوا إلى الخطوة التالية وهي قضية التلويح بالإنفصال التي أحكموا إتقانها و لا أريد أن أسرد تفاصيلها في هذا الوقت لوعد قطعته لمصدري و من أراد أن يفهم اللعبة فليتتبع تلك القضية ولن يجد أي تصريح أو خبر للنمر بعد تلك الخطبة والثمار التي جناها السديريون منها.
نجحت الخطة وتم الضحك على عبدالله و باقي أبناء عبدالعزيز بأن هناك خطر الشيعة والتلويح بالإنفصال و عدم وجود الملك في البلد خلال تلك الفترة سيضر حكم آل سعود و أن وزير الداخلية الذي أخمد فتنة البقيع والإنفصال هو الأنسب في هذا الوقت لحفظ ملكهم مع أن الشيعة فهموا اللعبة ولم ينجروا في لعبة التلويح بالإنفصال التي لعبها السديريون على إخوانهم ليتمكنوا من انتزاع الحكم وتوريثه لأبنائهم مستقبلا