أرشيف - غير مصنف
ما لغزة لغزة وما للضفة للضفة
دكتور ناجى صادق شراب
يبدو أن مسلسل الحوار الفلسطينى يسير وفقا لنظرية النوايا المعكوسة أو المقلوبة ، والذهاب للحوار بنوايا غير النوايا المعلنة ، إنطلاقا من فكرة أن كل من القوتين الرئيسيتين فتح وحماس تريد أن تتحرر من ألأخرى، فحماس تريد أن تتحرر من فتح ومناكفاتها فى غزه ، وهذا ما يفسر لنا تعامل الحركة مع كل أنشطة الحركة فى غزه ، والتعامل معها كأفراد وليس كتنظيم ، ومن ناحية أخرى حركة فتح تريد أن تتحرر من قيود حركة حماس وإصرارها على تشكيل حكومة بصرف النظر عن التداعيات والتنائج التى يمكن ان تترتب على ذلك وبدلا من ان يفرض الحصار على حركة كل السلطة والحكومة ، يفرض الحصار على حماس والشعب فى غزه . وما يؤكد هذا الإعتقاد تثبيت حالة ألأمر الواقع على ألأرض التى تلغى وجود كل طرف فى منطقة سيطرته ، ولتبقى غزه على حالها ، وبلغة المواطن العادى مبروك على حماس غزه وننتظر ماذا يمكن ان تفعل ، وهناك مقولة تتردد دائما أن غزه عصية على من يحكمها ولنرى ماذا يمكن أن تفعل حماس فى غزه، ولنترك الوقت يتعامل مع حالة غزه ، هذا التفكير قد يبدو غير منطقى لكن هو السائد والذى قد يحكم السلوك السياسى غير المعلن ، وما يعزز وجهة النظر هذه أن القوتين الرئيسيتين لو أرادتا إنها ألإنقسام وإعادة بناء النظام السياسى الفلسطينى التصالحى لأمكنهما ذلك فى جلسة واحده ، أما التأجيل والمماطله والتسويف ووضع الشروط لا تفسير له إلآ أن كل طرف غير مستعجل على أمره ، وما يقع تحت يده هو المطلوب المحافظة علية وعدم التنازل عليه ، ومن هذا المنظور باتت المصالحة ترتبط من وجهة النظر هذه أن من شأنها ان تعيد كل طرف إلى تقاسم ما هو قائم . ألأن حماس تسيطر بالكامل على غزه وتتحكم فى كل شارده ووارده وهذا لم يكن متاحا لها ، بل أن فوزها فى ألإنتخابات والذى يعطيها الحق فى الحكم لم يتحقق لها ذلك ، وبالتالى وسيلة حسم ألأمور بالقوة والحفاظ على ذلك هو أفضل الطرق . وبالمقابل فتح فى الضفة الغربية تحكم وتسيطر بلا حماس وهو ما يعنى عودة ألأمور كما كانت فى السابق . هذه الحالة أخشى أن تقف وراء عدم الرغبة الحقيقية فى إنجاح الحوار والمصالحة . وبالتالى كل منهما ليس مستعجلا ، ولتؤجل جلسات الحوار إلى ما لا نهاية ، وتبقى فقط كوسيلة لحفظ ماء الوجه . هذا الخيار غير المعلن هو الذى قد يقف وراء خيار لا نجاح ولا فشل الحوار. الكل يتحدث عن المصلحة الوطنية ، والكل يصر على الحوار ، والكل يريد إنهاء ألإنقسام ، والكل يريد إعادة بناء المنظومة السياسية وألأمنية على أسس من الوطنية والمهنية ، والكل ينفى مسؤوليته عن فشل الحوار ويلقى بالمسؤولية على غيره ، وإذا ألأمر كذلك ماذا ينتظرون ؟ والمشكلة فى هذا الخيارأولا أن الفلسطينيين قد تخلوا عن دورهم كمتغير رئيس وفاعل فى إدارة أمورهم وقضيتهم ويبدو أنهم قد قبلوا بدور الوكالة لغيرهم ، وثانيا من شأن ذلك أن تقزم القضية الفلسطينية فى أمور وقضايا تنظيمية ضيقه كالحكم والسلطة والنفوذ والجاة والأخطر من ذلك أن تتحول الخيارات الفلسطينية من مقاومة أو خيار تفاوضى لتوظف لحسابات تنظيميه مما يفقدها زخمها وتأثيرها وتوظيف لتحقيق المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا . وفى خضم خيار غزه لغزه والضفة للضفة يغيب خيار الدولة الفلسطينية ، وياخذ الإحتلال شكلا واقعيا أو خيار التعايش مع الإحتلال . وبداية ظهور خيارات إنقسامية أخرى على مستوى المحتمع . وبالتالى تقزم الثقافة الفلسطينية فى ثقافة التنظيم ، وتقزم الهوية الفلسطينية فى هوية الحزب ، ويقزم الولاء والإنتماء الوطنى لولاء يقاس على مقاييس ومعايير حزبية ، انت مواطن بقدر إنتمائك لهذا الحزب أو ذاك ، ويقزم الوطن إلى أوطان صغيرة متناثره ومشتته ومجزأه تبحث عن من يحكمها ويسيطر عليها ، وتختزل الشخصية الفلسطينية فى شخصيات تنظيميه وهويات حزبيه تسعى إلى فرضها، أليس لكل تنظيم إذاعته وفضائيته وصحيفته و تثبيت وجوده من خلال محاولة فرض ثقافتها ورؤيتها السياسية وبرنامجها السياسة ، من منطلق أنا على صواب وغيرى دائما على خطأ . ولعل السؤال الذى يردده المواطن الذى فقد كل أمل فى التحرر أو حتى فى فتح معبر صغير أنه لا أمل فى مصالحة لأن القائم على أرض الواقع هو تثبيت حالة الإنقسام . المواطن مغيب لأنه غارق فى مشاكله الحياتية التى ترهقه وتثقل حياته ، أو حتى غير مسموح له ان يتجاوز الدور المرسوم والمطلوب منه ، مطلوب مواطن ياكل ويشرب ، مواطن مطيع مسالم ، كل هذا من شانه أن يحول الشعب الفلسطينى ألى شعب جدبد بمواصفات تحدد وترسم له . وهنا أتذكر مقولة قالها لى رجل مسن أرمى بكل همومه عليه ، أن الغشيم عدو نفسه . هذا القول ينطبق على الحالة الفلسطينية ، هل نحن ندرك ونعرف خطورة ما يجرى ، وإذا كنا نعرف فهذه مصيبة وعلى حد قول الشاعر اليمنى عبد الله البردوينى :
فظيع جهل ما يجرى
وأفظع منه أن تدرى
أرجو أن يكون هذا الخيار مجرد أوهام .وأن يكون هناك من يقول لى أنت هذه المرة على خطأ
دكتور ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية /غزه