الجيش العراقي “خير شمر”، ولا ينقصه إلا جيش وخيم وطعام

 

كلمتا "خير شمر" تعني في الثقافة الشعبية العراقية ان الأمور جيدة في كل شيء إلا في الأساسيات.

 
والأصل في الكلمتين هو ان جفافا حادا أصاب العراق ذات يوم، فجدب كل شيء، ولما سئل احد شيوخ "شمر" أكبر عشائر العراق عن احوال عشيرته في القحط، فقال "نحن بخير، ولا ينقصنا إلا الخام والطعام". ومن الناحية العملية، فقد كان ذلك يعني ان العشيرة لا تجد خياما تنام في ظلها، كما لا تجد طعاما تعيش عليه، ولكنها كانت "بخير".
 
واحد مفارقات إعلام الاحتلال في العراق هو انه لا يستوعب الثقافة الشعبية العراقية فيقع في مطبات بينما هو يحاول أن يرسم صورة "ايجابية" للأوضاع في هذا البلد رغم تدهورها المتواصل.
 
واحد هذه المطبات كان التصريحات التي نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين امنيين اميركيين وعراقيين تقول ما معناه ان الجيش العراقي "بخير" ولكن سرعان ما اتضح انه مثل "خير شمر".
 
إذ ذكر اولئك المسؤولون "أن القوات الأمنية العراقية احرزت تقدماً كبيراً في تنظيمها وعملها، لكنها ما زالت تتعثر في عدد من مهماتها نظراً الى النقص في العديد والمعدات والبيروقراطية والفساد والتدخلات السياسية والثغرات الأمنية التي تسببت بمقتل عشرات الجنود الأميركيين والعراقيين خلال العام الجاري".
 
وجيش ينقصه العديد والمعدات وتنخره البيروقراطية والفساد من الصعب أن يدعى "جيشا" من الأساس، دع عنك ان يكون "بخير" أصلا، ولكن الصورة الإيجابية الزائفة التي تحاول القوات الاميركية تقديمها عن اوضاع هذا الجيش، لا تختلف كثيرا عن أسطورة "التقدم الأمني" المتواصل الذي يتحقق بينما يتساقط يوميا عشرات القتلى في أعمال عنف تشنها المجموعات المسلحة المناوئة للاحتلال والمليشيات التابعة لاحزاب الإئتلاف الطائفي الحاكم.
 
وفي إطار النفخ في صورة هذا "التقدم"، نقلت "نيويورك تايمز" الجمعة عن مسؤولين أمنيين أميركيين قولهم "ان القوى الأمنية العراقية لم تعد على وشك الانهيار، كما لم تعد تعمد الى عمليات التصفية الطائفية كما كان الوضع قبل عامين".
 
ولكن الصحيفة سرعان ما استدركت لتقول "إلا ان سلسلة من الهجمات الجديدة لمسلحين سلطت الضوء على اوجه قصور عدة في صفوف الجيش العراقي والقوات الامنية، رغم انفاق مليارات الدولارات على التدريب والمعدات".
 
وأوردت الصحيفة مثالاً على "فشل مشروع أميركي لتدريب الجيش العراقي على حماية اسطوله من سيارات الهمفي المدرعة على مدى 90 يوماً بعدما توقف العراقيون عن الحضور لأنه لم يدفع لهم".
 
وقالت "ان تزايد الهجمات أثار قلقاً وغضباً من عجز الجيش العراقي وقوات الشرطة عن توفير الأمن في البلاد في وقت دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما الى تأهيل هذه القوات بما يسهل بدء سحب الجيش الاميركي".
 
وزاد علي الأديب المسؤول في حزب الدعوة العراقي القريب من رئيس الوزراء نوري المالكي الطين بلة، بالقول "ان هناك ثغرات ولا يمكن لأحد إنكار ذلك، وتعود أسبابها الى التدخلات السياسية في صفوف الجيش، وانعدام الرقابة الحكومية وتسلل المتطرفين الى صفوفه ومسؤوليه".
 
ويبلغ حجم قوات الأمن العراقية الى 618 الف جندي وضابط اي بزيادة 27% منذ عام 2007، وتزامن تعزيز وجودهم عند نقاط التفتيش في بغداد وكل انحاء البلاد مع انخفاض مستوى العنف بشكل كبير. ولكن لا احد يعرف أي شيء في الواقع عن طبيعة هذا الجيش، وحدود قدراته. وهو بالنسبة للكثير من منتسبيه مجرد وظيفة للحصول على أجور.
 
ويقول تقريران لوزارة الدفاع الاميركية والمفتش العام الخاص لإعادة إعمار العراق "أن القوات العراقية ما زالت تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي في مجالات الاستخبارات والطيران والرعاية الطبية والخدمات اللوجستية".
 
وقال الكولونيل بيرون فريمان قائد اللواء الثامن في الشرطة العسكرية لقادة شرطته العراقيين خلال اجتماع الأسبوع الماضي "لن نكون هنا، سنغادر، وما نحاول القيام به هو إصلاح نظم العمل الخاصة بكم لمساعدتكم على القيام بعملكم".
 
وشكا أحد قادة الشرطة العراقيين وهو الجنرال محمد موفق من الشاحنات الصغيرة والسيارات الرياضية المتعددة الاغراض التي تستخدمها قواته عرضة لهجمات المتطرفين الأحرار في تحركاتهم. وقال "قنبلة يدوية واحدة تقتلنا جميعاً".
 
ولفتت "المفوضية العامة للنزاهة" العراقية في أحدث تقرير لها أنها رفعت 736 شكوى في العام الماضي بقضايا فساد تشمل وزارة الداخلية التي تشرف على الشرطة. وتتعلق معظم هذه القضايا بسرقة أسلحة وذخائر وسيارات الشرطة التي تحتاجها القوات العراقية بشدة في الشوارع.
 
ولفت تقرير للمفتشية العامة حول برنامج التدريب على استخدام سيارات الهمفي انه على الرغم من انفاق 682 مليون دولار على المشروع، فإن "قدرة الجيش العراقي لإجراء عمليات صيانة وتشغيل نظام الإمداد أمر مشكوك فيه".
 
ومن المشاكل التي تواجهها قوات الجيش والشرطة العراقية تعرضها لهجمات من الجنود والشرطة المنتسبين لها، وكذلك من متطرفين يرتدون زيا عسكريا مثلهم بين الموصل والحبانية، مما يشير الى ضرورة تطهير صفوف هذه القوات للتأكد من عدم تسلل متطرفين اليها.
 
ويقول الاديب أن الاستعجال في بناء قوات الامن العراقية أدى الى ادخال "مشتبهين لا ولاء لديهم للدولة، فهم يدينون بولائهم لحزب البعث ولتنظيم القاعدة ولعصابات الجريمة المنظمة أو مصالحها، ولن نكون جاهزين إلا إذا حصلت عملية تطهير شاملة لقوات الأمن".
 
هذا هو إذن حال "الجيش العراقي". ولكنه بخير، ويحقق تقدما، ولا ينقصه شيء سوى ان يكون جيشا يملك عديدا ومعدات.
 
 
Exit mobile version