أرشيف - غير مصنف
في الأسباب السياسية لإغتيال رفيق الحريري (الحلقة الأولى)
خضر عواركة
لكي نفهم سبب إغتيال السيد رفيق الحريري علينا فهم السياق السياسي الذي كان من المفروض أن يخدمه إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق. السياسيون لا يقتلون إنتقاما، ولا إعتباطا، ولا ثأرا .
الإغتيال السياسي يستهدف أولا:
تحويل وضع مزعج لقوة سياسية غاشمة إلى وضع مريح لها على المستوى السياسي .(1)
وثانيا:
يأتي الإغتيال السياسي لفرض وقائع تقلب الواقع الميداني سياسيا في بلد ما بدلا عن خوض حرب ، أوبدلا عن قيام ثورة، أو لأجل قيام حرب، أو لأجل قيام ثورة .(2)
مقتل جون كينيدي أوقف سياقا دوليا كان يمكن له أن يغير التاريخ بدءا من تغيير السياسيات الأميركية في فيتنام وضد كوبا وفي التعامل مع الإتحاد السوفياتي.
مقتل معروف سعد أشعل الحرب اللبنانية، ومقتل بشير الجميل جعل من إسقاط مفاعيل الإجتياح الإسرائيلي للبنان أمرا ممكنا، وأخرج الخوف من قلوب مرعوبين بحجم الإنكسار على الساحة الوطنية اللبنانية المناوئة للإحتلال .
علينا أولا أن نفهم المرحلة السياسية التي كان العالم يمر بها بسبب التحركات الأميركية الإستراتيجية الكبرى لتشكيل العالم وفقا لرؤية تصادمية ومتطرفة مثّلها وصول جورج بوش الثاني إلى البيت الأبيض في العام 2000 .
يمكن بسهولة فهم تلك المرحلة من التاريخ الحديث عبر فهم رؤية و دورخط سياسي في أميركا يمثله نائب الرئيس المتسلط والواسع النفوذ ديك تشيني . هي رؤية لخصها من وقعوا على ما سمي رسالة مشروع القرن الأميركي الجديد الذي أصدر بيانه مجموعة من المفكرين الأميركيين المافياويين منهم ديك تشيني في 26 يناير كانون الثاني 1998 (3) كان ديك تشيني وزيرا للدفاع عند سقوط الإتحاد السوفياتي وشهد عن قرب الخلفيات الحقيقية لذاك السقوط السريع والسهل للأمبراطورية السوفياتية وملحقاتها في المنظومة الإشتراكية. آمن الرجل بأن بإمكان أميركا التي يحكمها رجل ذو رؤية (هو ) أن تحكم العالم بلا شريك، وذاك ما قاله الرجل من خلال المشروع الأميركي العالمي الذي إصطلح المفكرون على وصفه بمشروع إمبراطورية القطب الأوحد (4).
ديك تشيني لم يكن نائبا للرئيس الأميركي جورج بوش فقط، بل هو واجهة وغطاء لمجموعة مافيا إحتلت أرفع المناصب الفكرية والتنفيذية في الولايات المتحدة ولا تزال ، هؤلاء إقتنعوا بقدرتهم وهم القلة النبيلة ذات الهدف الواضح (برأيهم) إقتنعوا بقدرتهم على حكم العالم من خلال حكمهم لأميركا
مشروعهم لم يستهدف العرب فقط ولا المسلمين . الصين، وأوروبا، واليابان، والهند، وروسيا، كلها أهداف كان يجب أن تسقط صاغرة أمام النفوذ الأميركي من خلال السيطرة على الطاقة في العالم أجمع وخصوصا في العالم العربي (يشرح تشيني سبب الحاجة لوجود عسكري أميركي مباشر في العالم العربي من خلال الهامش رقم 4) وفي إيران وفي أسيا الوسطى مرورا بخط الحرير الذي قدر له التحول مستقبلا إلى خط النفط القزويني عبر أفغانستان .
كانت تلك العصابة التي وجدت فرصتها في وصول تشيني إلى منصب الرئيس فاعلة في الشؤون النظرية في واشنطن. أكان في الوسط الأكاديمي المرتبط بالمؤسسة الحاكمة أم في مراكزصنع القرارات والإستراتيجيات التي لا تتبدل مع الرؤساء بل تبدلها المعطيات لناحية إمكانيات الفشل أو النجاح في التطبيق، وفيما تنتجه مثل تلك الإستراتيجيات للمؤسسة الأميركية الحاكمة من فوائد، وما تحققه لها من مصالح (..).
تلك المافيا التي لا تنحصر فيما سمي بالمحافظون الجدد وإنما تتمظهر من خلالهم بصورة فجة ، إمتلكت فرصة كاملة للسيطرة على القرار السياسي الأميركي طوال السنوات الثماني الماضية، فعملت على تطبيق نظريتها الأمبراطورية مستخدمة نظرية تستند إلى عقيدة ليو شتراوس(6) حول الاهداف النبيلة التي لا يهم كيف يتم الوصول إليها وعن النخبة النبيلة التي يجب أن لا تترك الديمقراطية تحكم إلا تحت وصايتها وإلا أوصل الرعاع (أي الناخبون ) كوارث أخرى مثل هتلر وموسوليني إلى سدة الحكم .
هذه المافيا وعلى رأسها ديك تشيني هي مثال عن المافيات الأكاديمية الأميركية والغربية التي تتآلف حول فكرة أو رجل فيعملون كفريق وفقا لنظرية ذاك الرحل وأفكاره وتلك مسألة موجودة بوضوح في التفكير السياسي الأميركي والغربي وربما تكون غير مفهومة بالنسبة للشرقيين .
تلك العصابات التي لا تختلف عن تشكلات المافيا إلا في فرق نتائج أعمالها على الحياة البشرية هم بالمناسبة بمعظمهم على علاقة مباشرة أو بالواسطة مع تلامذة لشتراوس مثل المفكر ألان بلوم التلميذ النجيب لأستاذ جامعة شيكاغو ( وأبرز من عرفوا عن قرب الان بلوم هو هلتستر راعي بول وولفويتز وخليل زادة وصديق رامسفيلد وتشيني ومستشارهم الاقرب ) عن إستخدام الوجدان الديني عند الشعوب الجاهلة (كل الشعوب جاهلة بالنسبة لبلوم وبالنسبة لأستاذه شتراوس ) والذي طبقت مافيا المحافظون الجدد أفكاره بالحرف عن إستخدام الدين في وجدان الرعاع ( إستخدام الدين لإسقاط الإتحاد السوفياتي عبر دور البابا بولس الثاني وإستخدام الدين في الحروب المذهبية بين الفئات العراقية وإستخدام الدين لصد السوفيات في أفغانستان وإستخدام الطائفية في إلإستثمارالسياسي لمقتل الحريري) وعن الكذب لأهداف نبيلة (تقرير كولن باول امام مجلس الأمن قبل غزو العراق عن مختبرات أسلحة الدمار الشامل المتحركة) والقتل والإغتيال لأهداف نبيلة (رفيق الحريري ومحمد باقر الحكيم ونائب الرئيس السوداني) واختلاق الدلائل وتلفيق التقارير المخابراتية لأهداف نبيلة هي وسائل نشر سيطرة النخبة المتنورة أي المحافظون الجدد على العالم (تقرير كاذب عن علاقة العراق بيورانيوم النيجر وعن علاقة صدام بالقاعدة ما أدى إلى إحتلال العراق وتلفيق الشهود وتزوير التحقيق في إغتيال الحريري).
هذه الفئة الأميركية الحاكمة الصهيونية الولاء وصلت إلى مناصبها التنفيذية في إدارة جورج بوش حاملة نية إرتكاب الجرائم لأجل الهدف النبيل الذي حددته في وثيقة القرن الأميركي الجديد وفي إستراتيجية البنتاغون التي وضعها تشيني نفسه في العام 1991 بعد سقوط الإتحاد السوفياتي والتي لها معنى واحد هو إخضاع العالم أجمع للسيطرة الأميركية المباشرة (وفرعيا لسيطرة إسرائيل عبر منحها قوة الحضور والسيطرة على كامل الشرق الأوسط ولهذا رفعوا شعار الشرق الأوسط الجديد ) وصلت هذه المافيا إلى أعلى المناصب التنفيذية مع جورج بوش وهي مجموعة تضم في صفوفها خبراء في كافة القضايا والأمور السياسية التي تؤهلهم لشغل مناصب تنفيذية فضلا عن نشاطهم البحثي والأكاديمي في مجالات الإدارة الأميركية كافة . الملفت أن ما يجمع بينهم جميعا هو الولاء لإسرائيل أولا (ثمانين بالمئة يهود صهاينة) (7) والطمع المادي الذي لأجله يحلم بعضهم الآخر بالسيطرة على العالم على طريقة روما التي تحتل العالم لكي تجني محاصيله لصالح أمبراطورها الكوني.(تشيني – رامسفيلد – بولتون ).
من هناك ومن تلك الرؤية إلى العالم الذي يجب أن يخضع للولايات المتحدة في كافة شؤونه وبلا شروط مسبقة بل بإستسلام كامل، أتى كولن باول إلى دمشق بعد سقوط بغداد طالبا التوقيع على صك الإستسلام وبدون نقاش وهو ما لم يحصل. وقد فوجيء الوزير الأميركي بردود سورية قاسية على إملاءاته . وعندما عاد ليقدم تقريره إلى رئيسه الذي كان واقعا حتى نهاية عهده في قبضة ديك تشيني، بدأ الجميع العمل على تحقيق الخطة "ب" وهي تقضي بنشر الفوضى الخلاقة في سوريا ولبنان والتي تؤدي في النهاية إلى تحقيق الأهداف الأميركية بدون الحاجة إلى إجتياح على الطريقة العراقية المكلفة للأميركيين والتي كانوا يجهلون كيف يمكن الخروج منها . بوش الإبن ليس رجل إستراتيجيات بل هو ووفقا لمذكرات الناطق بإسمه سكوت ماكليلان التي وردت في كتابه المعنون " ماذا حدث ؟" (طبعة 2008 بابليك أفير- بي بي أس) عمل في كل شؤون الحكم وفقا لرؤية نائبه الذي قاد مافيا الإجرام التي تحيط به .
لكي نقرر صحة الإتهام لديك تشيني بقتل الحريري من عدمه يمكننا الإستفادة من تصريحات لمستشاره لشؤون الأمن القومي المدعو جون هانا وهو من أصل لبنان ويرتبط بعلاقات وثيقة بجوني عبدو وفريقه الأمني الذي كان محيطا برفيق الحريري وما يزال محيطا بإبنه سعد الدين وللصدفة يعتقد أحد كبار القضاة الدولييين من أصول عربية (القاضي محمور رفعت استاذ القانون في السوربون ) بأن ديك تشيني كان على معرفة وعلى علاقة عبر جون هانا بديتليف ميليس (مقابلة محمود رفعت مع الزميل نضال حمادة من باريس الإنتقاد اللبنانية العاشر من أيار 2009).
ماذا يقول جون هانا عن إغتيال الحريري :
يقول مستشار ديك تشيني لشؤون الأمن القومي سابقا المدعو جون هانا الخبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حول أفضل طريقة لعلاج المشكلة السورية التي تقف عائقا في وجه السياسة الأميركية، وهنا هو كان يوجه نصيحته في الثالث عشر من أذار الفائت من على منبر ندوة حول العلاقات الأميركية السورية أقامها المعهد الصهيوني الأول في أميركا معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى شارك فيها جون هانا مع أثنين آخرين من خبرا ء المركز.
جون هانا قال موجها النصيحة لإدارة باراك أوباما :
" لا يجب أن نتعامل مع سوريا بطريقة واحدة ، ما تفعله إدارة أوباما لناحية الإبقاء على الدعم العلني للمعتدلين اللبنانيين المناوئين لسوريا مهم ولكنه غير كافي في ظروف إحتمال فوز المعارضة اللبنانية الحليفة لسوريا (برأيه ) في الإنتخابات المقبلة في السابع من حزيران القادم" . وأضاف جون هانا في خطابه الموجود تسجيله الصوتي على صفحة موقع المركز (5):
" على إدارة أوباما أن تبقي بيدها سلاحين إستراتيجيين يمكن إستعمالهما ضد سوريا بفعالية وهما المحكمة الدولية الخاصة بإغتيال رفيق الحريري والمنظمة الدولية للطاقة الذرية فيما يخص الإتهامات لسوريا في هذا المجال . "
كانت الخطوة التالية هي إخضاع سورية التي كانت ولا تزال تشكل بوابة تطور عمل المقاومة العربية في العراق ولبنان وفلسطين، وهي المقاومة التي شكلت عاملا أساسيا في تطورات المنطقة العربية المستهدفة أميركيا ( لناحية تقديمها نموذج يحتذى لضرب المخططات الإسرائيلية تحرير لبنان عام 2000 وفي 2006، وإفشال مخططات إنهاء القضية الفلسطينية مقابل حكم ذاتي تحت سيطرة الجنرال الأميركي دايتون، وإحباط المخططات الأميركية لإخضاع المنطقة إنطلاقا من العراق ).
إسقاط سوريا كان مطلب أميركي وهدف كبير يجب تحقيقه، لأن سوريا مؤهلة لمواجهة الخطط الأميركية وهي قادرة (وقد فعلت ) على أن تشكل الجدار الذي يُستند عليه المقاومون لضرب المخططات الأميركية الكبيرة للمنطقة كلها.
المقاومة العسكرية حصدت نتائج كبيرة من الصمود السياسي لسوريا ضد الإسرائيليين والأميركيين غداة الإجتياح الإسرائيلي والأطلسي للبنان (1982 – 1983 )، وصمود المقاومة العسكري إستثمرته سوريا لصالح الشعوب العربية ومن ضمنها سوريا دولة وشعبا .ولـأن تشيني يعرف هذا الأمر وإختبره ، فقد كان من المفهوم أن يسعى إلى إسقاط سوريا والسيطرة عليها حتى لا يعيد التاريخ نفسه (وقدأعاد نفسه بهزيمة أميركية إسرائيلية أكبر)
ما الذي كان في يد الأميركيين ليضغطوا به على سوريا في تلك المرحلة ؟
إجتياح سوريا بشكل كامل عبر الجيش الأميركي كان يعني تورطا في حرب شعبية ضد جيشهم وهم كان قد بدأوا للتو معاناتاهم اليومية مع المقاومة العراقية التي أحبطت خططهم للإنتقال إلى الجزء الثاني من إجتياح المنطقة (العراق أولا ثم سوريا أو أيران أو كليهما) .
قرارات الأمم المتحدة ؟
لقد جربوا عبر القرار 1559 فما الذي حصل غير قيام سوريا بقبول التحدي عبر التمديد للرئيس أميل لحود ؟
توكيل الأمر لإسرائيل لم يكن وفق تصورهم مضمون النتائج نظرا إلى هزيمتها في العام 2000 مع أنهم عادوا و لجأوا إليه في العزو الفاشل في العام 2006 .
التأثير شعبيا على النظام السوري من خلال الداخل السوري أو من خلال لبنان ؟
جربوا من خلال سوريا وفشلوا لأن طبيعة الشعب السوري مختلفة عن الشعب اللبناني منذ فجر الإستقلال . الرأي العام السوري لديه ثوابت هي العداء لإسرائيل ولمن يدعمها وبالتالي كان يكفي أن يعلن أحدهم مناوئته للمقاومة العربية ودعمه للتصالح مع إسرائيل ليسقط في عيون الشعب السوري ولتنتهي فاعلية إستخدامه طائفيا وسياسيا ضد النظام، او ولتحريض الشعب السوري. وعلى ذلك يمكن قياس فاعلية كل أبناء السفارات الغربية روحيا ممن سموا معارضة ليبرالية ممن حملوا الأفكار المدفوع ثمنها بالدولار بهدف التغيير .
بقي خيار الإنقلاب إنطلاقا من لبنان ..
تقول الحكمة : " حدث العاقل بما لا عقل له فإن لاق له فلا عقل له" (نهج البلاغة) .
لو بحث المفكرون السياسيون والخبراء في تكوين الثقافة السياسية لدى الرأي العام عن طريقة لتحويل مليون لبناني من ثقافة العداء لإسرائيل إلى ثقافة العداء لسوريا فهل هناك عبقرية في التنفيذ تتفوق على عبقرية المجرم الذي إختار التوقيت والرجل والطريقة واللحظة السياسية التي تم فيها إغتيال الرئيس رفيق الحريري ؟
رفض فكرة تورط اصحاب المشروع الأميركي للقرن الجديد وديك تشيني على رأسهم في إغتيال الحريري هو مصداق لحكمة العاقل الذي لا عقل له .
قال البعض أن ثورة الأرز والطين هي ثورة على الطراز الأوكراني وهذا خطأ، لأن الأميركيين أرادوا ثورة على الطراز البولوني من ناحية تداعيات سقوط نظام وارسو على أوروبا الشرقية كلها . أحد المشبوهين بأنه من عملاء الفرنسيين من ثوار البطاطا والرز وقف على منبر الحرية الأميركي في وسط بيروت وقال :
اليوم بيروت وغدا دمشق .
الطراز البولوني يتضمن عاملا دينيا في بلد يتأثر مجتمعه بالتحريض الديني ( إستخدام ليخ فاليسا لم يكن مثمرا لولا بابا الكاثوليك بولس الثاني ودعمه اليومي للإنتفاضة عبر الكنيسة الكاثوليكية . نفس الأمر تم تطبيقه في لبنان عبر البطريرك صفير الذي قال أثناء زيارته لواشنطن في العام 2005 وبعد لقائه بجورج بوش أن هناك رياح دولية مؤاتية للتغيير في لبنان ) .
بابا لبنان كان موجودا وهو البطريرك صفير، أما ليخ فاليسا بولونيا لم يكن له معادل لبناني ، وقد حاولوا إختبار شخصية وليد جنبلاط وموقعه في الساحة السياسية في العام 2000 بعد وصول جورج بوش مباشرة لكن ردة الفعل على إنقلابه المبكر على سوريا وعلى المقاومة في تلك المرحلة لم تكن ذات حجم كبير فأعيد ترتيب وضعه في السياق العام لدور ظل يلعبه منذ نزوله عن الدراجة النارية وإلتحاقه رئيسا للحزب التقدمي الإشتراكي بالفريق الحاكم للبنان إبان التواجد السوري ممثلا لطائفة بزعامتها الإقطاعية التي هي نفسها ترفع كيسا للتسول بإسم الإشتراكية .
تلك العملية الإنقلابية في لبنان بواسطة البابا اللبناني وليخ فاليسا الجديد التجريبي وهو هنا مجموعة من الشخصيات اللبنانية المسيحية التي إنضوت فيما سمي تجمع قرنة شهوان والتي كانت تجتمع تجت عباءة البطريرك وفي حضور ممثل عنه لم يكتب لها النجاح أيضا .
سبب فشل بطريرك قرنة شهوان ومطارنته ووليد جنبلاط في تشكيل رافعة لتغيير موقع لبنان في المعادلة الإقليمية وخصوصا موقعه من سوريا ومن العدو الإسرائيلي ومن السياسات الاميركية هو أنهم جميعا لا يمثلون ثقلا شعبيا وازنا على ساحة أكبر طائفتين في البلد وهما السنية والشيعية . وفي الوقت الذي لم ينجح فيه باسم السبع في تشكيل فريق كرة قدم موالي له في الطائفة الشيعية نجح إغتيال الحريري في الإنقلاب على سوريا وعلى التحالف معها في أوساط طائفة بأم وابيها فتحققت المشاريع الأميركية وخرجت سوريا من لبنان وتحول الأف بي أي إلى ضيف عزيز على بيروت وكوندي رايس صارت ملجأ للجائعين اللبنانيين إلى ولائم السناك في عوكر وحكم فريق السفارة الأميركية لبنان في السنوات الأربع الماضية بشكل مطلق .
السلطة اللبنانية التي كانت مدعومة بالكامل من سوريا والتي كان أكبر رموزها وأقربهم إلى سوريا هو رفيق الحريري لم تكن لتنقلب على سوريا ولا على المقاومة ويبدو من سياق العلاقة المتينة التي ربطت بين الحريري والسيد نصرالله بأن الأخير كان مطلوبا منه أميركيا أن يقاتل المقاومة في مرحلة ما ورفض وكان مطلوبا منه الإنقلاب على سوريا ورفض لذا عاد ومدد للحود رغم الخلاف الشديد بين الرجلين على القضايا التي تهم الحريري إقتصاديا من خصخصة وتملك لوسائل الإنتاج الحكومية وتحويلها لأملاك خاصة.
الحريري قال لنصرالله وفقا لتصريحات سيد المقاومة اللبنانية بأنه إن وصل إلى مرحلة عليه فيها الصدام كرئيس لتيار سياسي وكزعيم طائفي فهو يفضل الرحيل من لبنان إلى الأبد .
هل هذا ما قتل الحريري ؟
نعم …وهنا تتعارض مصالح الأميركيين مع بقاء الحريري حيا .
الإنقسام اللبناني الطائفي لم يكن لصالح الخيارات الأميركية الجديدة التي تم تنصيب صهيوني متطرف وليكودي معروف هو آليوت إبرامز في موقع المسؤول عن ملفات منها ملف لبنان وسوريا في مجلس الأمن القومي. إبرامز الذي يعرف لبنان منذ الثمانينات إرتبط مع وليد جنبلاط منذ ذلك التاريخ بعلاقة صداقة وود وعلى ما يشاع كان هو من جهز مجموعات جنبلاطية مخترقة في العام 1986 بهدف مهاجمة مواقع في بيروت كان الأميركيون يعتقدون بأن الرهائن محتجزين فيها (تيري وايت حمل جهازا لتحديد المواقع عند إختطافه رغم حماية وليد جنبلاط له بطلب من إبرامز نفسه ) إبرامز لم يكن يقدم المعلومات لرئيس مجلس الأمن القومي فقط بل كان يتابعه بشكل يومي ديك تشيني عبر مستشاره جون هانا اللبناني الأصل المسؤول في مكتبه عن العلاقة مع ملفات يتولاها مجلس الأمن القومي .
من له عقل فيلفهم ، هؤلاء هم من قتلوا رفيق الحريري وهؤلاء هم من نصبوا قوى الرابع عشر من أذار في لبنان كثورة أرز طمح ديك تشيني و آليوت إبرامز إلى أن تمتد مفاعليها إلى الشام كما إمتدت مفاعيل الإنتفاضة البولندية ضد الشيوعية إلى كل أوروبا الشرقية وإلى الإتحاد السوفياتي نفسه .
الملفت هو مسارعة تلك الجهات الأميركية إلى تركيب شهود الزور وإلى نشر القصص التي توري بالتفصيل الممل قصصا غير ذات قيمة من الوجهة القانونية .
في نفس اللحظة التي قتل فيها رفيق الحريري خرجت القصص والروايات المفبركة عن الضباط الأربعة . فهل كان ذلك صدفة أم الجزء الثاني من خطة إغتياله ؟
هل هي صدفة مسارعة ضابط لبناني إلى رمي قطع من سيارة في موقع الإنفجار قبل وصول فيتزجيرالد ؟
هل تكليف الأمم المتحدة لغيرهارد ليمان بالمشاركة في التحقيق بصفته نائبا عن ميليس صدفة أم تخطيط محكم ؟ علما بأن ليمان لعب دور مخابراتيا لا قانونيا هدفه تلفيق أدلة على رواية إتهام مفبركة بحسب ما كشف المعني بمحاولاته أي اللواء جميل السيد .
قتلوه وبدأو في تركيب الملف الخاص بتوجيه التحقيق إلى سوريا . بعض التفاصيل تركت للبنانيين وأمنيين عرب وأجانب فكان أن أخطأ أحدهم في تفصيل إسمه زهير الصديق وتفصيل آخر إسمه ديتليف ميليس ، نقطتي التزوير الأضعف في ملف ملفق من أوله لآخره وتلك قصة نرويها بالدلائل والشواهد في الحلقة الثانية .
الهوامش:
(1) الرأي العام المناصر لرفيق الحريري والمدى الطبيعي لإنتشارهم كان مندمجا وفخورا بالمقاومة ضد إسرائيل ومعاديا لكل عامل لمصلحة مشروع السيطرة الأميركية على لبنان بمن فيهم رجال دين زعموا في العام الفين أنهم أصحاب قرار السيادة والإستقلال من البيت الأبيض وقد رد الرأي العام المناصر للحريري على ذاك الزعيم الديني اللبناني بالتظاهر والإستنكار .
(2)إدى إغتيال الحريري إلى إنقلاب في مزاج عام في أوساط مساندة للقومية العربية تاريخيا وأدت إلى خروج طائفتين بأغلبية أفرادها من خط العروبة إلى خط التحالف مع الأميركيين وإلى تعاطف غير معلن مع الأهداف الإسرائيلية في سحب سلاح المقاومة اللبنانية وفي تدمير سوريا .
http://www.newamericancentury.org/lettersstatements.htm (3)
(4)
اHarper’s Magazine, 0017789X, Oct 2002 )Vol. 305, Issue 1829
(تصريح ديك تشيني عن الإستراتيجية الدفاعية
s Defense Strategy for the 1990
. http://www.informationclearinghouse.info/pdf/naarpr_Defense.pdf
Bob Woodward, Plan of Attack. (2004) Simon and Schuster. ISBN 074325547X.
(5)
http://www.washingtoninstitute.org/templateC07.php?CID=451
http://www.alintiqad.com/essaydetails.php?eid=5286&cid=54
(6)
Leo Strauss , Natural Right and History. (University of Chicago Press, 1999) ISBN
شادية دروري 0226776948.
مقابلة مع شادية دروري أجرتها سي بي أس الكندية تتضمن خطابا نادرا لشتراوس تاريخ الخامس والعشرين من يونيو – تموز 2005
:[email protected]://www.uregina.ca/arts/CRC/media/CBC%20radio%20
– %20Interview%20with%20Shadia%20Drury.mp3
(7)
ملف عن الانتماء الديني للمحافظون الجدد في عدد اذار مارس 2004 من مجلة أبداستر الألكترونية abdusters
ملف عن نفس الموضوع كريستيان ساينس مونيتور تحت عنوان بناة الامبراطورية