أرشيف - غير مصنف
خطة أمريكية جديده للسلام وماذا بعد؟
دكتور ناجى صادق شراب
يدور الحديث مجددا مع كل إدارة أمريكية جديده عن خطة سلام جديده تنهى الصراع العربى ألإسرائيلى ، وهذه المرة تبدو هناك جدية فى بلورة رؤية أو خطة جديده وإن لم تتضح من معالمها إلا تكبير حجم الجائزة التى ستحصل عليها إسرائيل بإعتراف سبع وخمسين دولة إسلاميه . ومع ذلك لا يبدو فى ألأفق أن خيارات السلام ممكنه بشكل كبير فى عهد الرئيس أوباما رغم جديته ومصداقيته ، وعلى الرغم من مؤشرات التغيير الإيجابى التى أبدتها إدارته منذ ألأيام ألأولى لها على خلاف الإدارات السابقة التى كانت تخصص إهتمامها بملف السلام فى الشهور ألأخيرة من إدارتها ، وخصوصا إدارة الرئيس بوش التى أوصلت عملية السلام لآفاق مسدوده ، رغم توافر فرص نجاح أكبر وتحديات ومعيقات أقل مقارنة بالتحديات والأولويات الكثيرة على أجندة الرئيس أوباما .ومع ذلك أبدت ألإدارة الجديدة مبادرات وخطوات أكثر جدية وصدقية ومن هذه المؤشرات إهتمامها بملف السلام منذ الشهور ألأولى لحكمها ، وتعيين منسق جديد للسلام جورج ميتشل وهو سياسى أمريكى صاحب خبره فى شؤون المنطقة ولعب دورا هاما فى نزاع إيرلندا الشمالية ، وتأكيدات الرئيس أوباما نفسه على جدية حل الدولتين ، وإتصالاته الشخصية المبكرة بحكام المنطقة ، وزيارته للمنطقة وخصوصا زيارته لتركيا وخطابه أمام برلمانها والذى أكد فيه على حل الدولتين وتكرر ذلك مرتين ، وتأكيده على إحترام الإسلام ودور المسلمين فى الحضارة الإنسانية ، وزيارته المرتقبه لمصر أوائل الشهر القادم وهى زيارة قد تحمل دلالات سياسية هامه فى التأكيد على دور مصر وخصوصا فى عملية السلام ، وردا على الحوار ألأمريكى ألإيرانى المتوقع و الذى قد يأتى على حساب هذا الدور . ومؤشرات ألإنفتاح على سورية والتوقف عن مصطلح الحرب العالمية على الإرهاب , والتأكيد على أن قيام دولة فلسطينية يشكل مصلحة أمريكية . هذه المؤشرات الإيجابية لا تنفى حجم التحديات والمعوقات التى قد تعترض جدية الرئيس ألأمريكى ، وبعض هذه التحديات خاص بالسياسة ألأمريكية الداخلية ذاتها ، فما زال الوقت مبكرا للحكم على فعالية وقدرة الرئيس على ترجمة أقواله إلى سياسات فاعله ومؤثره وخصوصا على إسرائيل ،وثانيا حجم الملفات وتعددها التى تواجه هذه ألإدارة وخصوصا ألأزمة المالية التى تهدد مستقبل النظام ألرأسمالى برمته ، وأضيف إليها إنفلونزا الخنازير ، إلى جانب المسائل ألإقتصادية الداخلية والوعود التى وعد بها الناخب ألأمريكى ، وثالثا الرئيس ألأمريكى ورغم أنه يشكل محور ومركز صنع القرار وله من الصلاحيات والسلطات ما يجعل منه قوة سياسية فاعله ومؤثره ، لكنه يعمل فى إطار نظام سياسى تحكمه سلطة المؤسسات مثل الكونجرس بمجلسيه ونظام الكوابح والجوامح ألذى يحكم آلية صنع القرار إلى جانب تأثير قوى الضغط وأبرزها اللوبى الصهيونى . وهناك تحديات على مستوى طرفى الصراع الفلسطينى والإسرائيلى ، إسرائيل تحكمها حكومة يمينية متشدده ترفض حتى ألأن حل الدولتين ، ومستمره فى عملية الإستيطان وتهويد القدس ، وتتحدث عن سلام إقتصادى وتعطى أولوية للبعد ألأمنى الذى من شانه أن تجب كل إستحقاقات السلام من جانب إسرائيل ـ وفى المقابل الوضع الفلسطينى فى أسوا حالاته ، حالة من الإنقسام السياسى والتنازع على الشرعية الفلسطينية ، ورفض من قبل حماس للخيار التفاوضى . وهذا من شأنه أن يضعف من قدرة المفاوض الفلسطينى . وعلى الجانب العربى حالة من الإستقطاب العربية وإنقسام دوله ما بين دول إعتدال ودول ممانعه ، مما قد ينعكس سلبا على فعالية المبادرة العربية وإمكانية التعامل معها دوليا . وهناك الملف النووى الإيرانى بكل تعقيداته ، وما يرتبط به من تغير فى موازين القوى الذى تعارضه إسرائيل وتعطيه أولوية على غيره من الملفات بما فيها ملف السلام . وهناك الدور ألأوربى الضعيف وغير القابل للقيام بدور مستقل عن الدور ألأمريكى . وإنشغال بقية دول العالم المعنية مثل روسيا والصين واليابان بقضاياها الداخلية .
ولعل من أكثر التحديات والمعضلات التى تواجه الرئيس أوباما عدم توفر رؤية حقيقية للسلام ، وعدم قدرتها على التحرر من منهج إدارة حل المشكلة لصالح منهج حل المشكلة الذى يحصر دورها فى إطار الدور والرؤية ألإسرائيلية ، والمعضلة هنا أنه فى الوقت الذى تلعب فيه إسرائيل دور الدولة بالوكالة فى الحرب نيابة عن الولايات المتحده ، تلعب الولايات المتحده ألأمريكية دور الدولة بالوكالة فى العملية السلمية بالنسبة لإسرائيل . وحتى فى حال التوصل إلى هذه الرؤية أو الخطة الجديدة يبقى التساؤل إلى اى مدى يمكن أن تكون الخطة متوازنه وتكتسب المصداقية السياسية وإلى أى مدى ستخاطب حتى الحد ألأدنى من المطالب الفلسطينية المشروعة . وقادرة على ترجمة الدولة الفلسطينية إلى واقع سياسى وجغرافى وإقتصادى حقيقى . ؟وفى السياق ذاته إذا كانت الولايات المتحده حريصة فعلا على الدفع بملف السلام إلى ألأمام ، فلا بد أن تدفع فى إتجاه المصالحة العربية والفلسطينية على وجه الخصوص ، وأن تتعامل بإيجابية مع اى حكومة وطنيه فلسطنيه تشارك فيها حركة حماس طالما أن هذه الحكومة تكون ملتزمه بالتفاوض ؟ والإحتكام أخيرا إلى الإستفتاء الشعبى وعليه من الضرورى رفع الشروط المفروضة على مثل هذه حكومة إذا كانت الولايات المتحده حريصة على تحقيق تسوية سياسية تعيد للولايات المتحده صدقيتها السياسية التى فقدتها بسبب سياستها المنحازة وغير المتوزنه . هذه التحديات تحتاج إلى جدية من الرئيس أوباما بصفة خاصه وإلى ممارسة دوره الحقيقى كرئيس له سلطة ونفوذ حقيقيين . ولا أريد أن اكون متشائما ، فلا شك أننا امام نموذج جديد من الرؤساء ألأمريكيين يعيدنا إلى نمط الرئيس الإيجابى إلإيجابى ، ولديه القدرة والرغبة والحرص على إستعادة الصدقية للسياسة ألأمريكية ، وبوابة هذه الصدقية واقصرها هو ملف السلام وتسوية الصراع العربى ألإسرائيلى والقيام بدور الراع الفعلى والمتوازن لعملية السلام ، وحتى لا نغرق فى التفاؤل ، فالإدارة ألأمريكية الجديده لن تستطيع أن تقوم بهذا الدور لوحدها ، وتحتاج وخصوصا من الجانب الفلسطينيى ألأكثر تضررا من ضياع هذه الفرصة أن يعيد بناء نظامه السياسى وينهى الإنقسام السياسى ، حتى يكون قادرا على التعامل مع هذا الحراك السياسى الجديد . وأن نفوت الفرصة على إسرائيل بأن ننزع من يدها كل الذرائع رغم أنها لا تحتاج إلى ذرائع لكى تفشل أى مبادرة سياسية للسلام . على الفلسطينيين أن يلعبوا دورا رئيسا فى هذه العملية وإلإ سيجدون أنفسهم خارج اللعبة السياسية كلها .
دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه