أرشيف - غير مصنف

لماذا تجاهلت الفضائيات العربية فضيحة عيسى بن زايد؟

على استحياء مرت فضيخة الأخ غير الشقيق لولي عهد الإمارات، عيسى بن زايد، تناولتها الميديا المكتوبة، وبعض مواقع الإنترنت، كخبر منقول من محطة إي بي سي الأمريكية، دون أي محاولة للنقاش، ولم تجرؤ الفضائيات العربية أن تناقش ما حدث على غير عادتها، مثلما لو كان الأمر يتعلق بتعذيب مواطن بسيط في أحد أقسام الشرطة، أو يمس قوة كبرى بحجم الولايات المتحدة عندما تنتهك حقوق متشددين إسلامييين في السجون.

 
الخبر يستحق المتابعة، فالمتهم بتعذيب تاجر أفغاني وكيه بالنار وحرق عضوه التناسلي، ورش جروحه بالملح ثم ضربة بعصا مليئة بالمسامير، أمير بارز وابن لحاكم تاريخي ليس بنكرة، والجريمة بشعة وقلبت الرأي العام الأمريكي ، بعد إذاعتها، كل عناصر الخبر متوافرة إذن، شهرة وضخامة، وأهمية،كما أن السلطات الإماراتية اعترفت بالجريمة، وتحقق حاليا مع الأمير وهو تحت التوقيف ، فلماذا خرست برامج التوك شو العربية التي تنتظر "الساقطة واللاقطة" بحسب التعبير الشعبي المصري؟!
 
جزء من الأمر يتعلق بنمط ملكية الفضائيات العربية، فهي في مجملها تابعة للحكومات، أو رجال أعمال محسوبين على الأنظمة، والتوسع في المناقشة قد يغضب الدوائر الرسمية في الإمارات، مما يتبع ذلك من إجراءات عقابية فتمنع العطايا والهبات، أو تثير غصة في الحلق من الصعب إزالتها، ولهم في قناة الجزيرة مثال على صحة ذلك، فكانت القناة الجامحة سببا في توتر علاقة دولة قطر بكثير من النظم العربية لتجرؤها على مس رموز في تلك النظم بصرف النظر عن صحة موقفها.
 
الأمر الثاني يتعلق بطريقة التناول المفترضة للقضية، ففتح الملف قد يفضي بالضرورة إلى مناقشة تجاوزات مماثلة لأعضاء في نظم حاكمة شبيهة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة للمحطة وأصحابها، منها إغلاقها للأبد.
 
جزء من القضية يمس ثقل الإمارات لدى الوجدان العربي، فكونها التجربة الفيدرالية الوحيدة الناجحة عند العرب، وامتلاكها لمسيرة نجاح اقتصادية تقترب من حد المعجزة، والسجل الطيب لحكامها طوال عقود، جعل المشاهد العربي والإعلاميين على السواء يتابعون القضية بشيء من الأسف، وتم النظر للمتورط فيها كابن عاق يشوه إنجازات عائلته، بدلا من النظر إليه كابن لأسرة مستبدة.
 
 الإمارات أيضا تميزت سياستها، منذ تأسيسها، بقلة المشاكل مع الغير، وباستثناء قضية الجزر مع إيران تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل الدول، وبالتالي كان تناول قضية عيسى بن زايد بعيدة عن روح الاصطياد والتشفي، مثلما حدث مثلا من قبل قطر والجزيرة، الإمارات بعيدة عن حسابات محاور الاعتدال والممانعة، كما يتمتع النظام هناك بتأييد شعبي كبير ، فخفتت الأصوات تجاه سقطات النظام.
 
جزء من الأمر أيضا له علاقة بتصرف النظام الإماراتي حيال الأزمة، فاستجابته مرنة للغاية، ولا يترك الأزمات حتى تتفاقم، ينظر في تسوية الأمور مع التاجر الأفغاني، في الوقت الذي أوقف فيه الأمير ويحقق معه، وقد يضحي به من أجل سمعة الدولة، وهي استجابة شبيهة لما فعله محمد بن راشد قبل ذلك، بعد الحملة التي تعرضت لها دبي بسبب عمالة الأطفال في سباق الهجن، وقتها منع عمل الأطفال، بل بحث استعمال الروبوت كبديل لهم، لتجنب الانتقادات الدولية.
 
 بقيت نقطة مهمة للغاية كل الدوافع والمبررات التي قد يتحجج بها الإعلام العربي لتجاهله القضية،إلا أن ما حدث يمثل سقطة مهنية لا يمكن غفرانها، مهما كان اسم الأمير أو عائلته أو دولته.
 

زر الذهاب إلى الأعلى