أرشيف - غير مصنف

خبير أميركي: قرارا (حلّ الجيش) وعقوبات (اجتثاث البعث) نفّرا السُنّة وفتحا الباب لـ(حضور القاعدة) القوّي

يقول البروفيسور (دبليو أندرو تيريل) أستاذ الشؤون الأمنية في معهد الدراسات الاستراتيجية، وكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي في دراسة أصدرتها نشرة المعهد تحت عنوان "العراق على حافة خطأ كبير ثالث": في أقل الاحتمالات، فإنّ الاختيارات المختلفة بشأن قرارين رئيسين للولايات المتحدة سنة 2003، كانت ستسمح لها بسحب معظم قواتها من العراق قبل "الموعد" الحالي. وهذان القراران اللذان يُعدّان الآن مفهومين على نطاق واسع بأنهما كانا خطأين كارثيين، هما: تفكيك الجيش العراقي، وقرار متابعة الأعمال "العقابية" ضد عدد هائل من "حزب البعث" السابق، لمرحلة ما بعد "قيادة نظام صدام". كلا القرارين "نفـَّرا" العرب السُنّة العراقيين، وفتحا الباب لحضور قوّي للقاعدة في العراق.

 
 وعلى الرغم من الاعتراضات لرئيس CPA "السلطة الائتلافية المؤقتة" في العراق –يؤكد تيريل- فإنّ الأمر المفهوم بشكل جيد، هو أن قرار "إلغاء" الجيش العراقي، بدلاً من إصدار قرار "استدعاء طوعي انتقائي" كان واحداً من الأخطاء "الأكثر سوءاً" في الحرب. وكان الرئيس السابق (جورج دبليو بوش) قد رفض –في مقابلة مع الصحفي روبرت درابير سنة 2006- الدفاع عن هذا القرار، مؤكداً بدلاً من ذلك أن "حل الجيش العراقي" كان مناقضاً للسياسة التي كان "مخوّلاً" العمل بها.
 
ويرى البروفيسور الأميركي أنّ إجراءات "اجتثاث البعث" من جهتها، عاقبت بشكل غير متكافئ "مجموعة القيادة السُنّية"، وكذلك "عناصر طبقة المهنيين المحترفين" بإزالتهم من وظائفهم، أو بإلغاء رواتبهم التقاعدية. إنّ سلطة التحالف المؤقتة، وفي ما بعد "لجنة اجتثاث البعث" التي كانت ومازالت تُدار من قبل المنفيين السابقين، عاملت عدداً كبيراً من "الناس العاديين" على أنهم مسؤولون عن ضحايا العراق، فيما كان هؤلاء الناس في الأصل ينظرون الى أنفسهم على أنهم "ضحايا".
 
ويؤكد الباحث أن البعثيين السابقين الذين شعروا بـ"الإذلال" ردّوا على الخطاب السياسي المتشدّد بشأن اتهامات تعاونهم مع النظام السابق، بقولهم: إذا لم تكن قد عشت تحت نظام (صدام حسين)، فإنك لا تستطيع فهم ما الذي كان يفعله هؤلاء البعثيون السابقون، ولا الضغوط التي كانوا يتعرّضون لها في "جمهورية الخوف"!.
 
والقرار الكارثي الثالث الآن، هو التوجّه الجديد لزعماء الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة، ضد العرب السُنّة، ويبدو أنها تشتدّ بشكل متزايد، كما يقول البروفيسور تيريل. إنّ خطورة هذا القرار أنه يتضمن "الاحتمال القوّي" أن الحكومة العراقية، سوف تبدأ في التعامل مع عناصر القوات شبه المسلحة المعروفة باسم "أبناء العراق" على أنهم "أعداء". وسوف تنهي العمل ببرنامج تمويلهم. وقال إن سمات هذه النظرة –باستثناء بعض عمليات إلقاء القبض الأخيرة- قد تكون مفهومة منذ أن ظهرت جهود غير اعتيادية من القاعدة أو من القوات الأخرى المناهضة للحكومة لاختراق وتقويض تشكيلات "أبناء العراق" أو مجاميع "الصحوة" من خلال زعمائها.
 
 ويعتقد الخبير الأمني الأميركي أن هناك خطراً أكثر جدية، وهو أن حكومة رئيس الوزراء (نوري المالكي) سوف تتخذ "موقفاً شاملاً" من هذه المشكلة، وسوف ترد بـ"إجراءات عقابية" موجهة ضد هذه التشكيلات شبه المسلحة، أو ضد قياداتها جميعها. ومثل هذا النوع من "التكتيك" سوف يجعل "السُنّة" يشعرون بشكل متزايد أنهم تحت "الحصار"، ومن المحتمل جداً أنهم يختارون ثانية "طريق المقاومة" و"التمرّد"!.
 
وأكد أن الجهود العراقية للسيطرة على "تسلل القاعدة" الى "أبناء العراق" مهم جداً؛ لكن خطر الردّ العنيف للحكومة، أكثر حساسية. وعلاوة على ذلك، مهما يكن تسلل القاعدة، أو بأية طريقة يحدث، فإن المحتمل وقوعه –كحصيلة لهذا النزاع- هو تزايد مخاوف السُنّة من "اللامبالاة المحسوسة" التي تتصرّف بها حكومة (المالكي) حيال القلق الاجتماعي السُنّي.
 
ويقول البروفيسور (تيريل) إن ظهور "أبناء العراق" كقوة فعالة يتراوح عددها بين 95,000-100,000 مسلح الناجم عن "مبادرة أميركية" كانت جزءاً من جهود سنتي 2006-2007 لإدارة الحرب ضمن استراتيجية أمنية، شاركت في تنفيذها قوات "السورج" الإضافية. ولم تكن الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة قد "أحبّت" هذه "المبادرة" لكنّها قبلتها بسبب الإصرار الأميركي. والكثيرون من النقاد الأميركيين لهذا البرنامج، أوضحوا أن الولايات المتحدة كانت تدفع الأموال للمتمردين بهدف تحويلهم من جانب إلى آخر. وهذا التوضيح كان حقيقياً بشكل دقيق، لكنّ ذلك أيضا "إفراط في التبسيط"، ذلك أن التحاق المتمردين السابقين بقوات "أبناء العراق" طوّر الحقد القوّي على الكثير من سياسات القاعدة، بضمنها الاستيلاء على المصادر الاقتصادية، وفرض رؤية متشدّدة جداً لـ"القوانين الإسلامية" –بضمنها كسر أيدي أو أصابع المدخنين- وفرض زواج النساء المحليات من مقاتلي القاعدة الأجانب. وبشكل غير مفاجئ، فإن الشكوك الأميركية بشأن برنامج "أبناء العراق" هبطت بسرعة، كنتيجة لقدرة أعضائها على العمل بشكل جيد مع القوات الأميركية، وتحقيق انتصارات عسكرية مهمة على متمردي القاعدة.
 
 وأوضح خبير "كلية الحرب" التابعة للجيش الأميركي، أنّ قوات "أبناء العراق" لم يُنظر إليها أبداً على أنها "دائمية". ومن جانب آخر ،كان المتوقع أن تدمج الحكومة العراقية نحو 20 بالمائة من هذه الميليشيات في صفوف الشرطة والجيش، فيما تتلقى نسبة الـ80 بالمائة المتبقية منها، مساعدات في الحصول على وظائف الحكومة، عندما تنتفي الحاجة الى وجود هذه القوات شبه المسلحة. لكن الإطار الزمني لهذا التغيير تُرك في حال "ضبابية" أو "غامضة". وقال إن "أبناء العراق" كقوة موثوقة شريكة للقوات الأميركية، وأن أعضاءها كانوا يتلقون رواتبهم من الولايات المتحدة حتى تشرين الأول سنة 2008، عندما افترض العراقيون أن المسؤولية المالية لنحو نصف عدد "أبناء العراق" جزء من العملية المستمرة لتوسيع سلطة الحكومة العراقية. وفي يوم 2 نيسان 2009، فرض العراق المسؤولية الكاملة على كامل حركة الصحوة بضمنها "أبناء العراق"!.
 
 ويقول البروفيسور (تيريل) إن قرار سنة 2008 للبدء بتحويل المسؤولية عن تشكيلات أبناء العراق الى الحكومة العراقية، قوبل بحال واسعة من "الحزن" لدى جميع التشكيلات. وكان لقلقها موثوقية في ما بعد. وواحدة من الحقائق أن الحكومة العراقية كانت تهدف الى تخفيض رواتب عدد كبير من مسلحي هذه الميليشيات، فيما شعروا أنهم الآن تحت سلطة قضائية. وما جعل الأمور أسوأ، أن دفع الرواتب تعرقل بشكل متكرر في بعض المناطق، أما جهود الحكومة لتصحيح هذه الأخطاء فلم تكن موجودة.
 
 وبعض أعضاء "أبناء العراق" -كما يعتقد الخبير الاستراتيجي- ألقي عليهم القبض بتهم ارتكاب جرائم خلال مشاركتهم في التمرد على الرغم من الوعود بالعفو عنهم، إذا ما تحوّلوا عن القاعدة. وحدثت مواجهات في المدة الأخيرة بين مسلحي "أبناء العراق" وبين الحكومة، أدت الى اعتقال أعداد من قادة الميليشيات الذين وُجّهت إليهم تهم مختلفة بضمنها الإرهاب. وبعض هذه الاعتقالات قد تكون "موثوقة" لكنّ بعضها الآخر كان عبارة عن إجراءات قمعية مشكوك فيها بالتأكيد!. وقال إن أحد هؤلاء القياديين الذين اعتقلوا، أطلق القاضي سراحه لأنه لم يجد دليلاً صالحاً لاعتقاله. وفضلا عن ذلك، لم تكن ميزانية ما تبقى من السنة الحالية، تتضمن التمويلات الخاصة برواتب "أبناء العراق". ومثل هذا الأمر يفهم حتماً على أنه تحرك متعمد ضد السُنّة مع أنه قد يكون بسبب التخفيضات التي أجريت على الميزانية. وفي كل الأحوال فإنّ عملية "تجويع" مسلحي أبناء العراق سيكون "خطأ جسيماً"!.
 
 ويرى أن كلفة التمزّق أو الانفجار بين الحكومة العراقية وبين "أبناء العراق" يمكن ان يتحول الى نتائج مأساوية. وفي الحال الأسوأ، فإن الكثيرين من أعضاء هذه الميليشيات قد يرون أن الخيار الوحيد الفعال، هو بالعودة الى صورة من صور التمرد ضد الحكومة. ولكي يقوموا بذلك، فإنهم ربما يطلبون التمويل والأسلحة من الحكومات العربية السُنّية، ومن الأفراد الأثرياء، بضمنهم المتشدّدون المعادون للشيعة. والتمرد المقبل المحتمل، قد يظهر مختلفاً عما هو "التمرّد الحالي" وسيكون كارثي النتائج على العراق، حتى من دون وجود قيادة القاعدة.
 
وإذا ما حصلت القاعدة على "فرصة ثانية" للعمل مع السُنّة، فلا شك أن زعماءها تعلموا أيضا من أخطائهم السابقة، وسوف يتصرفون مع العراقيين بغطرسة أقل وبقسوة أخف. وفضلا عن ذلك، عندما تزيل الولايات المتحدة قواتها من العراق، فإن بعض الحكومات العربية السُنّية، قد تكون راغبة بشكل متزايد لكي تسمح لمواطنيها بالسفر الى العراق لمساعدة السُنّة ضد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة. وحالياً، بعض هذه الحكومات عملت وبشكل قوي –وإن لم يكن بشكل كامل- على إعاقة سفرمواطنيهم الى العراق، خوفاً من المشكلات التي تخلقها لهم عميلة مشاركتهم في قتل الجنود الأميركان، لأنها سوف تكون مسؤولة عن ذلك!.
 
ويتساءل الخبير الاستراتيجي قائلاً: في ضوء ذلك، ما الذي يجب عمله لمنع موجة ثابتة من الانحدار في العلاقات بين الحكومة العراقية وبين "أبناء العراق"؟. لسوء الحظ، لكنّ ذلك "محتم" على الولايات المتحدة أن تدخل يديها الى جيوبها وتمول من جديد برنامج مسلحي "أبناء العراق"، كما يجب أن تبذل الكثير من الجهود لإدخالهم في عمل بديل. ويضيف قوله: ببساطة لقد تركنا "العثرات الحكومية العراقية" من دون حل، لكنها يمكن أن تصيب البلد بالشلل وتعيد التمرد من جديد، ومثل هذا الشيء قد يستغرق وقتاً طويلاً كي يوصل الطرفين الى عقد "مساومة سياسية" لولادة نظام سياسي عراقي جديد.
 
 وقال إن دعم "أبناء العراق" يكلف نحو 25 مليون دولار شهرياً. وهذا ليس مبلغاً صغيراً، لكنه بالتأكيد يتقازم أمام 2 مليار كانت تنفقها الولايات المتحدة كل أسبوع في سنتي 2005-2006، قبل أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون قادرين على استعادة بعض الإجراءات التي تحقق الاستقرار للعراق. من جانب آخر يؤكد الخبير أن الولايات المتحدة يجب أن تعارض جهود حل ميليشيات "أبناء العراق" الى أن يصبح العراق أكثر استقراراً. إن هؤلاء الناس سبق لهم أن أعلنوا الحرب على القاعدة، وعلى حلفائها في سنة 2006. ولتفكيكهم، تحت الظروف الجديدة، فإن ذلك سيكون أشبه بـ"حكم الإعدام" ما لم يتدبّروا أمرهم لطلب "العفو" من القاعدة مقابل خدمات مستقبلية لها. وكلا النتيجتين غير مقبولة.
 
 ويرى البروفيسور الأميركي أن أية أعمال قانونية ضد قادة "أبناء العراق" يجب أن تطابق المواصفات العالية للعدالة، وأن المحاكمات يجب أن تُدار بموجب مستويات شديدة الشفافية، بالنسبة لكل ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت خارج نطاق مدة العفو السابق. أما الولايات المتحدة فيجب أنْ تهتم بشكل خاص بالحالات الفردية التي تتعلق بزعماء "أبناء العراق" بهدف تشجيع المنظمات الإنسانية العالمية لفعل الشيء ذاته!.
 
 وفي النهاية، يجب أن يُلاحظ أن المشكلات بين الحكومة وبين "أبناء العراق"، هي واحدة من الصعوبات التي يجب أن يتغلب عليها العراقيون. ومازالت هناك اختلافات هائلة بين الأكراد العراقيين والعرب، ولاسيما على وضع مدينة كركوك المتنازع عليها. ويبقى الدور الإيراني في العراق مشكلة، وأيضاً في الانزواء الحالي لجيش المهدي الذي يقوده (مقتدى الصدر) قد لا يدوم.
 
 ويشير الخبير الأميركي الى وجود أكثر من مليوني لاجئ عراقي في البلدان الأخرى، وعدد مساو له من المرحلين، سوف يحتاجون الى المساعدة في إعادة استقرارهم، وللعب دور إيجابي في بناء مستقبل العراق. وفضلا عن ذلك، يجب تحطيم العصابات وكل أشكال التنظيمات التي تنفذ الجرائم المرعبة في العراق. ولحد الآن –في مثل هذا التشكيلة الكبيرة من التحديات- هناك مشكلات قليلة محبطة كتهديدات الحرب الأهلية الشيعية-السُنّية. ولكنّ الحقيقة القائمة الآن هي أن مشكلة "أبناء العراق" تبقى الأكثر حساسية في سياق القضايا الشيعية-السنّية.
 
 ولسوء الحظ، فإن مشكلات العراق يمكن أن تكون أكثر قسوة في نتائجها. وعلى سبيل المثال –يقول البروفيسور- ما لم يعالج سوء التفاهم الشديد بين الحكومة وبين "أبناء العراق"، فإن فرص التوترات الداخلية العنيفة جداً تتزايد، حتى إذا كانت الأمور لا تتطور نحو الحرب الأهلية كبيرة الحجم. إن الفوضى ستمنح الإرهابيين ومثيري الشغب والعصابات المزيد من المناخات التي تخدم مصالحها.
 
ويؤكد الخبير الأمني قوله: إن هذه المشكلة تتعقد كثيراً إذا لم تحسن الحكومة العراقية التعامل مع العرب السُنّة في العراق، بضمنهم تشكيلات "أبناء العراق" شبه المسلحة، وإذا استمرت الولايات المتحدة بـ"الدعم الشامل" لسياسات الحكومة العراقية. إن الفشل في ذلك يعد "خيانة" ليس فقط للعراقيين السُنّة، ولكن للعراقيين جميعاً، لأنهم يطالبون بالاستقرار الوطني الكامل.

زر الذهاب إلى الأعلى