أرشيف - غير مصنف

وقائع الحرب المفتوحة بين «الموساد» و«حزب الله»

 

إنها موجة ٢٠٠٤ تتكرّر ولو بأشكال وأسماء جديدة. قبل خمس سنوات، أظهر التحقيق مع الشبكة الإسرائيلية التي أوقف عناصرها في لبنان والتي ضمّت فلسطينيين ومصريين وتونسيين ولبنانيين، أن من بين المهامّ التي كلّفت بها (قبل حرب تموز/ يوليو ٢٠٠٦) تفجير إذاعة البشائر، وتفجير إذاعة القرآن الكريم، وتفجير مراكز لـ«حزب الله»، وصولاً الى اغتيال السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب.

 
هذه المرة لم يصدر القرار الاتهامي بعد، في انتظار استكمال التحقيقات، لكن الاعترافات الأولى التي تم تسريبها تحمل على الاعتقاد بأن أفراد الشبكة الجديدة جزء من منظومة أمنيّة إسرائيلية واسعة، تولّت على الأرجح عملية اغتيال عماد مغنيّة واغتيالات أخرى لم تنكشف حتى الآن، وقد تكون مسؤولة عن مهامّ أخرى نفّذت أو لا تزال قيد التنفيذ.
 
وفي المعلومات الأولى التي نقلت عن مصادر التحقيق، أن التحقيقات قد تستغرق شهوراً، وهي تستلزم العودة الى أرشيف الاغتيالات والعمليات العسكرية والأمنيّة الإسرائيلية في بعض المناطق اللبنانية منذ الثمانينيات حتى الآن، بما في ذلك وقوع مجموعات لبنانية وفلسطينية في كمائن الجيش الإسرائيلي، قبل أو بعد أن تنطلق لتنفيذ بعض العمليات، خصوصاً وأن أحد الموقوفين (علي الجراح) كان في مرحلة من المراحل يقدّم نفسه بصفته أحد رموز العمل الفدائي المقاوم في البقاع، الأمر الذي كان يسهّل تنقّلاته بين لبنان وسورية. وقد بلغ به الأمر الى حد الحصول على سيارة تصنّف عسكرية، وكان يتنقّل من دون أي تفتيش بين البلدين.
 
ويلاحظ أن وسائل الاعلام الإسرائيلية تداولت في الأسابيع الأخيرة أخبار القبض على الشبكات التابعة لـ«الموساد»، وبعضها يضم عناصر تتخابر مع إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن، من دون أن تستبعد أن تقود التحقيقات اللبنانية الى الكشف عن خلايا إضافية.
 
والسؤال: لماذا هذه الهجمة الإسرائيلية الاستخبارية على لبنان؟
 
الجواب أولاً هو أن أهم الاستنتاجات التي خلصت إليها لجان التحقيق العسكرية الكثيرة، التي شكّلها الجيش الإسرائيلي للتعرّف الى أسباب إخفاقه في تحقيق الأهداف التي حدّدتها حكومة إيهود أولمرت للحملة العسكرية على «حزب الله» اللبناني، بعد اختطاف اثنين من الجنود الإسرائيليين، هي الحاجة الى زيادة الاستثمار في مجال جمع المعلومات الاستخبارية. وقد كان واضحاً لهذه اللجان أن هذه الحرب أبرزت العديد من مظاهر القصور في مجال المعلومات، الأمر الذي أدّى في النهاية الى عجز إسرائيل عن حسم المعركة لمصلحتها رغم تفوّقها الهائل في السلاح والعتاد.
 
ومن الواضح أن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت في التنبّؤ بإمكانية أن يقوم «حزب الله» بأسر الجنديين، وعندما أعلنت القيادة السياسية الحرب لم يكن لدى المخابرات الإسرائيلية معلومات دقيقة عن أماكن تخزين صواريخ «حزب الله» ونصبها، الأمر الذي أتاح للحزب مواصلة إطلاق الصواريخ حتى آخر أيام الحرب، وأدّى الى نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين عن مستوطنات الشمال، الأمر الذي ترك آثاراً مدمّرة في المزاج العام للجمهور الإسرائيلي. وفي ظل الحديث عن نتائج الحرب، شدّد العديد من كبار قادة الاستخبارات والمفكّرين الاستراتيجيين في إسرائيل، على أن المعلومة الاستخبارية تمثّل في النهاية جزءاً أساسياً من النظرية الأمنيّة الإسرائيلية.
 
ومنذ نشأة «حزب الله» في بداية الثمانينيات، تدور حروب متواصلة بينه وبين إسرائيل. فالقضية بينهما هي قضية وجود لكل منهما كما يبدو، حتى أنه باتت هناك قناعة بأن الحروب بينهما لن تنتهي.
 
وقد خاض الحزب معارك كبرى عدة مع إسرائيل في العامين ١٩٩٢ و١٩٩٦، وأخيراً في العام ٢٠٠٦ حيث كانت أكبر المعارك وأشرسها. كما خاض الحزب حرب استنزاف طويلة ضد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، استمرت نحو عقدين من الزمن، ولم تنته بانسحاب إسرائيل من الجنوب في العام ٢٠٠٠. ويخوض الحزب والدولة العبرية في كل يوم وساعة ودقيقة، حرباً سرّيّة استخباراتية، لا يعرف الناس من فصولها إلا ما يسرّبه هذا الجانب أو ذاك من نجاحات يحقّقها، أو ما لا يمكن إخفاؤه من عمليات اغتيال ينفّذانها.
 
نجح «حزب الله» مرات عدة، ونجحت إسرائيل أيضاً في توجيه الضربات. وتعلّم كلاهما من «التجربة والخطأ». استطاعت إسرائيل أن تغتال أبرز رجالات الحزب العسكريين والأمنيين، وأخيراً عماد مغنية الذي أحدث اغتياله خضّة أمنيّة كبيرة في صفوف «حزب الله» الذي تقول المعلومات إنه قام بعد الاغتيال بـ«نفضة» أمنيّة غير مسبوقة في صفوفه، لتجنّب واقعة مماثلة قد تكون أقسى. وفي المقابل، نجح الحزب في تفكيك أخطر الشبكات الإسرائيلية، وآخرها شبكة مروان فقيه الذي تقول المعلومات إنه قد يكون أخطر عميل لإسرائيل لجهة اختراقه الحزب. ومن المعروف عن «حزب الله» تمتّعه بجهاز أمني متقدّم، وهو يجيد استخدام التقنيّات التي سهّلت عليه التنصّت الهاتفي على الجنود الإسرائيليين، وقد أنشأ في المقابل جهاز اتصالات خاصاً به، بعيداً عن هواتف الدولة اللبنانية والرقابة الإسرائيلية. ويقول قيادي سابق في الحزب، إن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله «لم يلمس في حياته هاتفاً خليوياً»، مشيراً إلى أن اتصالاته الهاتفية كلّها تتم من خلال شبكة الحزب الداخلية، حتى تلك التي يجريها مع قياديين لبنانيين أو غيرهم، إذ يتم ربط الشبكة العادية بشبكة الحزب لبعض الوقت وبوسائل تقنيّة تجعل من تتبّع مصدر الاتصال أشبه بالمستحيل.
 
وكانت وحدة من لواء النخب، المعروف باسم «لواء غولاني»، قد كشفت، وعن طريق المصادفة، مركزاً للتنصّت على كل مكالمات الجيش الإسرائيلي في إحدى قرى الجنوب اللبناني خلال الحرب الأخيرة. وتقول دراسة عن الحرب الأخيرة أعدّها مديرا «منتدى النزاعات» إليستر كروك المسؤول السابق في المخابرات البريطانية، ومارك بيري الكاتب والمحلل المتخصّص بالشؤون العسكرية والاستخباراتية والسياسة الخارجية، إن لدى «حزب الله» قدرات للتنصّت على الاشارات اللاسلكية، وهو ما جعل الحزب قادراً طوال مدة الحرب الأخيرة، على التنبّؤ بالزمان والمكان الذي ستهاجم فيه المقاتلات والقاذفات الإسرائيلية. وكان لهذا أيضاً الأثر الحاسم في الحرب البرّية من خلال قراءة التحرّكات الإسرائيلية واعتراضها. كما أتقن مسؤولو الاستخبارات في «حزب الله» القدرة على التجسّس على الاشارات، إلى درجة مكّنتهم من اعتراض الاتصالات الأرضية بين القادة العسكريين الإسرائيليين الذين استخفّوا بقدرات المقاومة، على إجادة تقنيّات مضادة للتقنيّات الإسرائيلية الفائقة التطوّر القائمة على «القفز بين التردّدات». بعد حرب العام ٢٠٠٦، اتّخذت قيادة الجيش الإسرائيلي قراراً برفع حجم ميزانية شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، في محاولة للتغلّب على التقنيّة المتقدّمة التي في حوزة «حزب الله»، والتي تمكّنت من اختراق أجهزة الاتصالات الإسرائيلية والتجسّس عليها على مدى أعوام عدة. ونقلت وكالات الأنباء عن ضابط إسرائيلي رفيع المستوى، أنه «لا يمكن التنصّت على «حزب الله» بالتكاليف نفسها التي يتنصّت بها علينا، فمطلوب هنا تمويل جدّي وكبير». وأشار إلى أنه «في أعقاب كشف الجيش عن معدّات تكنولوجية لدى «حزب الله» وقدرات عسكرية متطوّرة، «على عكس ما اعتقدنا»، سيكون من الضروري زيادة الميزانية بشكل كبير، من أجل بناء الشعبة الاستخباراتية بشكل جدّي وتزويدها بإمكانات عالية».
 
ويشير العميد المتقاعد أمين حطيط، إلى أن الحرب السرّيّة بين الطرفين «وصلت إلى درجة التناغم بالرعب المتبادل، فإسرائيل تعيش منذ اغتيال مغنية حالة توتّر وحذر في انتظار الرد، والحزب يعيش حالة حذر واتّقاء من الاغتيال. لذلك يمتنع قسم كبير من قادته عن الظهور علناً، ويحرمون من السفر إلى بعض الدول، كما يمتنعون كلّياً عن السفر إلى دول أخرى». ويلفت حطيط إلى أن إسرائيل لا تزال تمارس حربها السرّيّة ضد «حزب الله» منذ انطلاقته كحركة مقاومة في العام ١٩٨٢، فيما أن الحزب بدأ حربه السرّيّة بفعالية منذ العام ١٩٩٢، أي بعد اغتيال أمينه العام السيّد عباس الموسوي، ما اضطره إلى دخول هذه الحرب لحماية قياداته أولاً. ويشير إلى أن الحزب حقّق في السنوات السبع الأولى إنجازات مهمّة جداً، لكنه لم يتفوّق على إسرائيل. ويرى العميد المتقاعد أن نجاحات الحزب الفعلية بدأت بعد العام ٢٠٠٠، فيما أن إسرائيل بقي مجالها الاغتيال. ويعترف حطيط بوجود «تقدّم» إسرائيلي في مجال الاغتيالات التي استطاعت إسرائيل من خلالها الحصول على سبعة أهداف دسمة في أقلّ من عشر سنوات، بالاضافة إلى اغتيال رأس الهرم في الحزب السيّد عباس الموسوي في العام ١٩٩٢. وقد تمكّنت إسرائيل من اغتيال القيادي في الحزب فؤاد مغنية في العام ١٩٩٤، عبر زرع تفجير استهدفه في محلّة صفير في ضاحية بيروت الجنوبية، في سيناريو قيل إنه يستهدف استدراج شقيقه عماد للظهور واغتياله. ثم اغتالت القيادي في الحزب علي ديب في شرق صيدا في ١٦ أغسطس (آب) ١٩٩٩، وبعده المسؤول عن التنسيق مع التنظيمات الفلسطينية علي صالح في الضاحية الجنوبية في ٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٣، ثم اغتالت قيادياً آخر يعمل على الملف نفسه، هو غالب عوالي في ١٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٤. واغتالت أيضاً الشقيقين محمود ونضال المجذوب القياديين في حركة الجهاد الإسلامي في ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٠٦.
 
وفي المقابل، نجح «حزب الله» باغتيال قائد القوّات الإسرائيلية في جنوب لبنان إيرز غيرشتاين بهجوم على موكبه في ٢٨ شباط (فبراير) ١٩٩٩، ونجا خلفه غابي أشكنازي من محاولة مماثلة في الجنوب بعد رصد الحزب تحرّكاتهما. خلص الإسرائيليون يومها إلى وجود تخطيط مسبق لـ«الاعتداء»، إذ إن تلفزيون المنار بدأ منذ لحظة إعلان النبأ بث مادة أرشيفية لنحو ٢٠ دقيقة عن حياة غيرشتاين. ونجح الحزب أيضاً في اغتيال أحد كبار المتعاملين مع إسرائيل في جنوب لبنان، هو عقل هاشم، بتفجير عبوة ناسفة في مزرعته في الجنوب.
 
في الاطار نفسه، يقول الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنا، إن مقياس النجاح والفشل في الحرب السرّيّة هي في من يضرب الآخر أخيراً، مشيراً إلى أنه بعد اغتيال مغنية كان لا بد للحزب من القيام بعملية تنظيف واسعة في المؤسّسة الأمنيّة، لأنه لا يعرف إلى أي حد تم اختراقه أمنيّاً وهو لا يستطيع القيام بأي مخاطرة، فيعتمد «السيناريو الأسوأ». ويشير حنا إلى أن إسرائيل فشلت في حربها مع «حزب الله» في الاستعلام التقني، إذ تبيّـن خلال التنفيذ أن لا معلومات أساسية لدى الإسرائيليين عن الحزب في الميدان، معتبراً أن إسرائيل «حتى في الميدان الاستراتيجي فشلت». ويقول حنا إن ما نعرفه من الحرب السرّيّة هو ما يظهر منها، فيما يبقى الكثير من الأسرار مكتوماً.
 
ويشير حنا إلى أن الحزب استطاع مثلاً أن يحصل على معلومات استراتيجية في عملية أنصارية، وأن يفشل العملية ويضرب القوّة الخاصة الإسرائيلية، موضحاً أن «حزب الله» هو التنظيم الوحيد الذي خرق إسرائيل استخباراتياً. ويقول إن ما يساعده في ذلك هو «التناغم مع الحركات الجهادية في الداخل الفلسطيني، وهي حركات من إنتاج إيراني بامتياز». ويتحدّث عن «امتداد عربي وإسلامي في إسرائيل متعاطف يمكنه نقل المعلومات إلى الحزب». لكنه يقول إن الحزب لا يزال يفتقر إلى المعلومات الأساسية داخل صناعة القرار الإسرائيلي، والتي لا يمكن أن تتوافر لضابط أو جندي عادي، فيما تعرّض الحزب لضربة قويّة باغتيال مغنية الذي يحمل تراكمات وخبرات كبيرة وكانت له اليد الطولى في إنجازات الحزب منذ الثمانينيات.
 
ويرى حنا أن الاستراتيجية هي «وهميّة بشكل عام»، ويقول: «قد تفكّر أنك محق وأن العدوّ يفكّر بهذه الطريقة أو تلك وتخطّط للنجاح، لكن المهم هو المعلومة التي إذا لم تستغلّ تبقى وهماً». ويشير إلى ضرورة تكامل القدرة على جمع المعلومة مع القدرة على الافادة منها آنياً، ولهذا لا بد من التساؤل عن وجود هذه الآنيّة لدى الحزب ومدى قدرته على استغلالها. ويقول حنا: إن «المعلومات والمفاجآت تبدأ غامضة لأن الظاهرة تكون جديدة، لكن هذا الغموض يتحوّل مع الوقت إلى «بازيل» (أو أحجية) تعرف أنها صعبة، لكن بقرارة ذاتك تعرف أن لها حلاً، ومن خلال التجربة والخطأ يمكن أن تصل إلى هذا الحلّ». ويضيف: «حزب الله قبل الالتحام المباشر مع إسرائيل كان لغزاً، وكلّما قاتلها أكثر كلّما اقترب منها قاتل بطريقة أكثر تقليدية، وكلّما أصبحت هي أقلّ تقليدية، يضيق الهامش بينهما». ويشير إلى أن هذا يجعل قدرة الحزب على الابتكار أصعب، خصوصاً أنه أصبح أكثر مؤسّساتية، مما يجعله أكثر قابلية للاختراق.
 
ويرى حطيط، وهو عميد متقاعد ارتبط اسمه بترسيم «الخط الأزرق» الحدودي بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠، أن نجاح «حزب الله» في الحرب السـرّيّة والنفسية «يعادل إن لم يتقدّم على الحرب العسكرية». ويشير إلى «عناوين كبيرة عدة» حقّق فيها الحزب النجاح غير المسبوق، منها الملتصقة بالميدان. ويوضح «أن إسرائيل اعتادت أن تقدّم الصورة كما ترتسم بريشتها قبل أن تجد فريقاً عربياً يضاهيها في ذلك». ويشدّد على أن القدرة التي يمتلكها الحزب على خرق جهاز الأمن الإسرائيلي، وجمع المعلومات في فترات الهدوء والحرب «غير مسبوقة».
 
ويرى حطيط «أن مشكلة العرب مع إسرائيل أنهم حاربوها من دون أن يعرفوها، فيما أن «حزب الله» رسم في الحرب الأخيرة بنك أهداف دقيقاً، تبيّـن أنه أهم من بنك الأهداف الإسرائيلي». ويشير إلى أن إسرائيل حاربت «حزب الله» بالأساليب السرّيّة نفسها التي كانت تمارسها ضد حركات المقاومة الأخرى وضد الأنظمة والدول العربية، أي عبر «زرع جيوش من العملاء»، لكنه يقول إن الحزب استطاع «اقتلاع عيونها وآذانها من منطقته»، كاشفاً أنه في الحرب الأخيرة «تم خلال ساعات إخراج كل من كان هناك شك في إمكانية تقديمه المعلومات من الجنوب بكامله». ويرى أن الحرب السرّيّة تبقى غالباً بعيدة عن الأضواء، وأن ما يعلن منها هو أقلّ بكثير مما يحدث في الواقع. ويشير إلى أن الطرفين لا يعلنان الكثير مما يحصل «لأن الحرب السرّيّة هي عمل تراكمي، ولا يمكن لأحدهما أن يعلن عن أسراره، بل يحاول البناء على إنجازاته والاستفادة منها بدلاً من التفاخر بها». ومنذ انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في أيار (مايو) ٢٠٠٠، لاحظ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) زيادة في معدّلات تجنيد العملاء من قبل «حزب الله» داخل إسرائيل. وتقول تقارير إسرائيلية، إنه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن تم الكشف عن أكثر من ٢٠ شبكة تجسّس. كما أن جهود «حزب الله» في تجنيد العملاء لم تتركّز على العرب في داخل إسرائيل فقط، إنما شملت السيّاح، والإسرائيليين أيضاً. فقد أعلنت إسرائيل أنها ألقت القبض على أحمد الأشوح، وهو سائح دانماركي من أصل فلسطيني، وحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات بتهمة إرساله من قبل «حزب الله» لجمع معلومات عن أهداف داخل إسرائيل.
 
وفي العام ٢٠٠١، حاول «حزب الله» الحصول على خرائط ومعلومات خاصة بتحرّكات قوّات الأمن الإسرائيلية على الحدود الشمالية مع لبنان، من اثنين من رجال الشرطة اليهود مقابل الكثير من المال. وقد تعاون الشرطيان الإسرائيليان، شمعون مالكا وإتيان رودكو، إلى أقصى مدى مع «حزب الله»، قبل القبض عليهما. ويقول الصحافي في جريدة «هآرتس» والمتخصّص بشؤون التجسّس والمخابرات يوسي ميلمان، إن «حزب الله» «يحاول دوماً إقامة علاقات ـ سواء داخل إسرائيل أو خارجها ـ مع صحافيين (عرب ويهود) ومع رجال أعمال إسرائيليين، وأحياناً من دون علمهم».
 
ويتهم «حزب الله» بالاعتماد في مواجهة إسرائيل على عمليات منظّمة لتهريب المخدّرات إليها، وقال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال جيورا أيلاند، إن الحزب يفهم معنى الحرب الحديثة أفضل من إسرائيل في بعض الأحيان. وتقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن حسن نصر الله يرغب في إغراق إسرائيل بالمخدّرات، وأنه هرّب عشرات الكيلوغرامات من الهيرويين إلى إسرائيل منذ حرب صيف العام ٢٠٠٦، سعياً إلى ما قالت إنه «تسميم» المجتمع الإسرائيلي.
 
ومن بين أحدث الموقوفين، إسماعيل سليمان الذي تقول لائحة الاتّهام الإسرائيلية إنه قدّم لـ«حزب الله» معلومات عن تحرّكات وحدات من الجيش الإسرائيلي في المنطقة التي يقطنها شمال إسرائيل. وذكرت لائحة الاتّهام أن سليمان التقى في شهر أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨، ناشطاً من «حزب الله» خلال تأديته مناسك العمرة، واتّفق الاثنان على أن ينقل سليمان للحزب معلومات أمنيّة حسّاسة.
 
وفي شباط (فبراير) ٢٠٠٨، أوقفت إسرائيل جندياً بتهمة التجسّس لحساب «حزب الله»، بعد الاشتباه بنقله إلى الحزب معلومات حول قواعد عسكرية مقابل مخدّرات. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧ أصدرت محكمة حيفا المركزية الإسرائيلية حكمها بالسجن لمدة ثلاث سنوات وسنتين مع وقف التنفيذ على فتاة من «عرب ٤٨» قالت المحكمة الإسرائيلية إنها تتخابر مع «حزب الله» بعد أن تم تجنيدها عندما كانت تدرس الطب في جامعة أردنية. وقد تمكّنت إسرائيل من كشف شبكات للعملاء قام «حزب الله» بتشغيلهم من بين سكان قرية بيت زرزير البدوية، وقد حكم على أحد سكانها عمار رحال بالسجن لثماني سنوات بتهمة التجسّس. وكان على رأس شبكة أخرى من القرية نفسها ضابط في الجيش الإسرائيلي برتبة عقيد هو عمر الهيب، الذي حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن لمدة ١٥ سنة بتهمة التجسّس. وقالت إسرائيل إن الوسيط بين «حزب الله» وهاتين الشبكتين شخص يدعى جمال رحال، وهو من القرية نفسها، وسبق أن خدم في الجيش الإسرائيلي كمتعقّب للأثر، وقد حُكم عليه أخيراً بالسجن لمدة ١٨ عاماً بتهمة التجسّس
 

زر الذهاب إلى الأعلى