قلت : سأشبـّه الدورالسوري في الشرق الأوسط بالجوكر ، لكنني إستدركت بأنّ الجوكر لا يستوحذ عليه في العادة سوى لاعب واحد في حين أنّ سورية موجودة ومفروضة على (وليس فقط مطلوبة عند) جميع اللاعبين الفرقاء ! . إذن : هي البصلة السورية ، سيدة كل المطابخ ! .
في أحدث التصنيفات المطبخية ، فما يسمى بالمطبخ الإعتدالي لا يستغني عن البصلة السورية ومثله المطبخ الممانِع وكذا المطبخ المتقوقع وأيضاً المطبخ المترفع عن تلك جميعها ! . كل هذه المطابخ تدرك الأهمية الذوقية والحيوية (والهضمية) الحاسمة للبصلة السورية في أي طبخة مقترحة . ولا شحة على الإطلاق في سوق الخضار ، فسواء كنتَ في السوق السعودي أو الإيراني أو اللبناني أو الفلسطيني أو المصري أو التركي أو القطري أو السوداني أو أي سوق شرق أوسطي ستجد البصل السوري يتصدر بقية الخضار .. وقبل ذلك طلبات الزبائن ! .
كانت البصلة السورية عماد الطبخة الناصرية (بالزّوء أو بالعافيه كما في اللهجة المصرية) على مدى سنوات النزوع القومي (رحمه الله) للوحدة العربية في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم قبل أن يحرقها الفرعون الساداتي بنيران كمب ديفيد . وبُعيدَ منتصف السبعينيات فصاعداً دخلت البصلة السورية رسمياً وبقرار من مطبخ الجامعة العربية كمشترك (جمعي ـ ردعي !) إلى قدور اللبنانيين على إختلاف طبخاتهم وأذواقهم الطائفية المتنافسة حد التطاحن الدموي في نفس الوقت الذي كانت تشكل فيه هذه البصلة أحد المقومات الأساسية لطبخة (جبهة الصمود والتصدي ـ 1977) المكونة من حلف إرتجالي ضد الطباخ التسووي أنور السادات ألــّفـه على عجل طباخو لبييا والعراق والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل أن ينفرط عقد هذا الحلف مع اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية لا لشيء سوى لأنّ الطبخة الخمينية إحتوت هي الأخرى على البصلة السورية (التآمرية) حسب التوصيف العراقي لها إثر احتراق الطبخة (الوحدوية) بين فــُصـّي البعث الواحد (1978) !. وطوال سنوات هذه الحرب (1980 ـ 1988) ظلت البصلة السورية موجودة أيضاً حتى في قدور الخليجيين وسواهم من الذين آزروا العراق في حربه ضد المسعى الإيراني لتعميم طبخة ولاية الفقيه الخمينية ذات النكهة السورية على سائر الموائد العربية ! .
في طبخة الإجتياح العراقي للكويت (1990) لعبت البصلة السورية دوراً حاسماً في مجرى الأحداث المطبخية . فحتى عشية حرب (تحرير الكويت ـ1991) ولأهمية البصلة السورية القصوى في أي طبخة شرق أوسطية ـ دولية لم ينفك صدام حسين يراهن حتى أول طلعة جوية ضد قواته في الكويت على إمكانية إدخالها في طبخته بهدف شق وحدة التحالف المطبخي بقيادة الماستر شـيف الأمريكي ، إلا أنّ البصلة السورية وبسبب من عدائها التاريخي التنافسي مع شقيقتها البصلة العراقية اللدودة آثرت إلا أن تطبع رائحتها على تلك الطبخة الدولية ، فكان أن إحترقت البصلة العراقية لتخرج مذذاك الحين من سوق التنافس المطبخي حتى إذا ما تفرّجنا على (عشاء مدريد التسووي ـ 1991) وجدنا البصلة السورية وقد تحولت إلى القاسم المشترك الأعظم لأطباق الشالوم العربي ـ الإسرائيلي ! . وهكذا وصولا إلى طبخة الغزو الأمريكي للعراق (2003) لم تبرح البصلة السورية قدور الجميع !.
إثر احتلال العراق ، راح الغزاة الأمريكان الطامحون إلى موسم قطاف مشمش (الشرق الأوسط الجديد) يصنفون البصلة السورية (كمدرّر للدموع !) فكلما سقط لهم جندي في بلاد الرافدين بكوا عليه ملقين باللائمة في مقتله على البصلة السورية (الحِشريّة ـ بكسر الحاء) وكأنّ بطون الأمهات العراقيات السومريات عواقر لا تنجب مقاومين مدرّرين لدموع المحتلين ! . وبوازع من هذا التصنيف الأمريكي الذي يتعدى العراق إلى لبنان وفلسطين المحتلة دأبت إدارة بوش عبثاً على إنتهاج سياسة عزل البصلة السورية عن المطابخ الشرق أوسطية ، ورغم أنّ هذه السياسة حققت ما عده جهابذة بوش نجاحاً لهم في لبنان بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريرى (2005) فخروج البصلة السورية (رسمياً لا واقعياً !) من هناك إلا أنّ مسلسل الإحباطات الأمريكية لم يتوقف حتى صعود باراك أوباما على تلة أنقاض الخرائب (البوشية) الحربية والإقتصادية والوجاهية والسُـمعوية الأمريكية في سائر القارات ! . وبدخول باراك أوباما من باب (التغيير) إلى البيت البيض تغيرت سياسة (العزل) ضد البصلة السورية إلى (الغزل) مع البصلة السورية لتجد هذه نفسها وقد تكرست أكثر من أي وقت مضى كمطلب جماعي حيوي لكل الأكلات الشرق أوسطية بقيادة الهامبورغر الأمريكي : الكبسة السعودية ، الملوخية المصرية ، المجدّرة الغزاوية ، المسخن الضفاوي ، المنسف الأردني ، الكباب التركي ، التشريب العراقي ، الفسنجون الإيراني … إلخ . وأمامنا قائمة وجبات مطعم (الشرق الأوسط المستجد !) خير دليل على محورية البصلة السورية ، ومن لا يعجبه ليجرب ويصوم ، فسـيفطر حتماً على … بصلة سورية ! .