تريم عمران تريم :هذا الرجل الذى عرفته عن بعد

دكتور ناجى صادق شراب

أجدنى مشدودا منذ وقت طويل أن أعيد واجدد ذاكرتنا حول رمز من رموز هذه ألأمة القومية وهو ألأستاذ تريم عمران الصحفى والدبلوماسى والمفكر والكاتب وصاحب النظرة القومية الوحدوية العربية . أعرف أن المسافة بين غزة والشارقة مسقط رأس هذا الراحل تقدر بآلاف الكيلومترات ،إلا إن مسافة التوحد الفكرى والقومى والثقافى لا تحجبها المسافات واعرف ان الكثير من الجهد قد بذل ويبذل لتجديد هذه الذاكرة عبر جريدة الخليج أو غيرها من الوسائل والبرامج ، ، لكن الواجب علينا جميعا أن نتواصل ونعمق ذاكرة هذه الشخصية الحية بعطائها وما تركته من فكر وقيم ومبادئ،فى كل مكان ولدى كل ألأجيال التى لم تعش ولم تتربى على أفكارهم وثقافتهم ، وهى مهمة ليست بالصعبة وليست بالسهلة ، لكننا أحوج إليها ألأن وفى هذا الزمن الذى تلتهم فيه الثقافات القطرية الضيقة كل الإنجازات الوطنية والقومية . هذه الرموز الوطنية والقومية لا يكفى أن نتذكرها فى مناسبات معينه تأتى مع ذكرى رحيلهم ، من خلال ندوة أو مؤتمر ، أو مقالة تكتب هنا أو هناك ، أو من خلال برنامج إذاعى أو تليفزيونى ، بل عبر وسائل تتسم بالديمومة ، لأن مثل هذ شخصيات ينبغى أن تبقى حية معنا ونحن نواجه التحديات والصعاب التى تواجه مصير أمتنا وثقافتنا ووجودنا الفكرى والحضارى . وأن نتناقلها من جيل إلى آخر حتى تبقى ألأمة حية و قوية بأفكار وثقافة أبنائها الذين حملوا أمانة مسؤولية الدفاع عنها ، وهذا من شأنه أن يخلق ويعد أجيالا متعاقبه تتوالد وتنشأ على فكر رواد أمتهم وهو ما يحفظ هويتهم القومية والوطنية ويحول دون إبتلاعهم فى ثقافات غريبة ، وسط هذه الموجات الثقافية الغازية والتى تستهدف قوة هذه ألأمة فى أبنائها .
لقد عرفت هذا الرجل منذ سنوات طويله ، فى الوقت الذى أنشأت فيه دولة ألإمارات أول سفاراتها فى الخارج فى مصر ، عندما عين سفيرا يمثل ويحمل رسالة بلده وهى رسالة الوحدة التى ترمز لها دولة ألأمارات ألعربية المتحده ، وهى مهمه ليست سهلة ، تحدياتها كثيرة ، ولا يصلح لها إلا إنسان يؤمن برسالة دولته ومؤمن بوحدتها ، وتحتاج إلى جهد كبير لتثبيت وجودها ورسالتها فى الخارج . مرحلة اقل ما يمكن ان يقال عنها أنها مرحلة التحديات ، وفى مثل هذه مرحلة تحتاج إلى رجال من أمثال ألأستاذ تريم عمران وهم من نمط رجال التأسيس والتحديات . وجدت أمامى شخصية صارمه حازمه قوية الحجة والمنطق تملء المكان الذى توجد فيه وتأسره بهدوئها وثقافتهاو ليس بقوة الشخصية ومن يملك السلطة والنفوذ ، ولكنه حمل معه قدرا كبيرا من الكارزمية المؤثرة التى تشد الأخرين عندما يتحدث عن هموم ألأمة وقضاياها ، ويشعرك أنك أمام إنسان يحمل هوية أمته كلها ، فهو عندما يتحدث يتحدث بلسان دولته وشعبه وأمته ، وليس بلسانه فقط ، لا يتحدث عن أمجاد وإنجازات شخصية بل يتحدث عن إنجازات شعب ، فقضية دولته هى قضية امته ، وقضية امته هى قضية دولته ، هذا الترابط بين القضيتين هو محور وأساس شخصيته ، وهذا هو النمط من الدبلوماسيين الذين نفتقدهم اليوم . وعرفته ثانيا ككاتب وصحفى من مقالاته الحية الصادقة التى لا تحمل رؤية ضيقة أو عنصرية أو مذهبية بل تخللتها روح الكاتب الملتزم المسؤؤول عن قضايا هذه الأمة ، فحمل فى كتاباته هموم هذه ألمة وهو كان فى غنى عن هذه الهموم وكان قادرا أن يحيا حياة بعيدة عن النكد السياسى ن لكنه إلتزام الكاتب المسؤول والمنتمى لأمته ، ومن هنا كان ما يكتبه يحمل كل المصداقية التى جعلت من هذه الشخصية شخصية تتجاوز حدود الوطن الصغير لتعيش مع كل أبناء هذه ألأمة من محيطها لخليجها . ولتؤسس لفكر ولقيم ما زالت حية وقوية وتجسدها جريدة الخليج التى مازالت تحمل إسمه إلى جانب إسم أخيه الدكتور عبدالله عمران تريم الذى ما زالت الصحافة والكتابة تشده إليها . وبهذه الجريدة المنافسة الملتزمة برسالتها ورسالة مؤسسها بقى هذالرجل حيا فينا وفى أمته .
أجدنى اليوم فى حاجة ان أكتب عن هذا اللإنسان لا من باب التمجيد أو التقرب ، بل من باب إحياء قوة هذه الأمة التى ننتمى كلنا إليها ونحمل هويتها ومن أجل قضاياها والدفاع عنها والتى قدم حياته لها ، ولا يمكن إختزال هذه الذاكرة فى الشخص نفسه ، بل إن إحياء ذاكرة هذه الشخصية يعنى الحديث عن الدولة التى ربت ورعت مثل هؤلاء ألأشخاص الكبار فى مماتهم كما فى حياتهم . الدولة التى عملت فيها منذ نشأتها وكان لى شرف متابعة تطورها والكتابة عنها وأن تكون عنونا لرسالة الدكتوراه التى حصلت عليها ، وهذا هو فكر القادة التاريخيين الذين صنعوا أمتهم أمثال صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان وبقية القادة ومن معهم من أمثال ألأستاذ تريم عمران .
نحن هنا فى غزه قليلون الذين قد يعرفون وخصوصا من الجيل الجديد يعرفون من هو تريم عمران وماذا قدم وماذا ترك من أفكار وقيم ومبادئ، ولهذا نحن فى حاجة لتخليد ذكراهم فى كل مكان عبر مكتبة أو مدرسة أوجائزه ، أو مركز تدريب يحمل أسمائهم ويخصص لنشر نفس الفكر والرسالة التى حملوها . لا شك أن ذاكرة هذا الرجل هى فى النهاية إحياء لذاكرة أمه بكاملها وبكل رموزها وقادتها من المفكرين والكتاب والسياسيين الذين ضحوا من أجلها ، وهذى هى الرسالة التى علينا جميعا أن نحافظ عليها فى ذكرى هذا الرجل .
دكتور ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية /غزه
Drnagish2hotmail.com
 
Exit mobile version