عُمْرَة العُمُر

جميـــل عبـــود
استمعت الى مُذيع أحد محطات البث الإذاعية وهو يطرح  مسابقة للجمهور، جائزتها عمرة مجانية سمّاها  "عُمرة العُمُر". في الحال قفز إلى ذهني أن هذا المذيع سيخاطب شخصاً فقيراً  معدماً لا تسمح له حالته المادية بزيارة المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة، وبهذا تكون هذه المحطة قد ابتكرت طريقة جديدة لأعمال البر والإحسان من غير مَنّ ولا أذى. وإذا بالمذيع يعرض مسابقته الجليلة طالباً من كل مالك سيارة تحمل رقما ًيحتوي على  رقمين من أرقام إذاعتة الغراء أن يتصل به ليدخل في قرعة ليفوز بهذه العمرة.
أكاد أجزم أن كل من كان يطمح في عمرة مجانية ولا يمتلك سيارة قد فوجئ وانتكس وقام بتغيير مُؤشر الراديو عن هذه المحطة مخاطبا ًنفسه بالقول : "حسبيَ الله ونعم الوكيل".
أما من هو مثلي لا يريد أن يدخل القرعة، حتى لو كان يملك أكثر من  سيارة، فقد بقيَ مُستمعا ً لهذه المحطة لمتابعة أحداث هذه العمرة.
اتصل مُستمع فاضل بالمذيع الأفضل قائلا: "السلام عليكم"، فردّ عليه المذيع قائلا ً: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، فقال المُتصل : "إني أحبُك في الله يا أخي فلان"، فأجابه المذيع: "وأنا يأخي والله إني لأحبك في الله أيضا ً " .
 سُررت من هذا الحوار الذي يقوم على المحبة في الله بين مُستمع ومُذيع، وقررت مُتابعته على الهواء مُباشرةً بل فضلته على موجز لأهم الأخبار العالمية.
قال المتصل: "يا أخي فلان معظم المستمعين لإذاعتكم هم من سائقي سيارات الأجرة الذين يمكثون في سياراتهم عشر ساعات على الأقل، وبحكم طبيعة عملهم هم أكثر الناس استماعا ً لمحطتكم، ومعظم هولاء السائقين – كما تعلم أو لا تعلم لاأدري – هم فقراء الى الله تعالى ولا يملكون سياراتهم التي يعملون عليها. فإذا فازت سيارة من تلك السيارات فسيأخذ مالك السيارة هذه الجائزة، ولا يستفيد منها السائق الذي يكون قد اشترك في هذه المسابقة، لهذا نحن نطمع بتغيير شروط المسابقة بحيث تصبح " يفوزبالجائزة  مالك السيارة أو سائقها".
ردّ عليه المذيع قائلا: "يا أخي في الله بإمكانك أن تأخذ تنازلا ً من مالك السيارة يُفيد بفوز السائق إذا فازت سيارته بالعمرة".
لم أستطع السكوت وفضلت عدم الإتصال بالمذيع خوفا ً من تشتت الحوار، وحاورت نفسي بنفسي مُوجها سؤالا إلى المذيع، ومن أدراك أن مالك السيارة سيعطي الجائزة لسائقها عِندئِذ؟
تذكرت مُوزع الصدقات في رمضان الذي  كان يقف على شرفة في الطابق الثاني والناس من تحته ينتظرون طلته البهيّة، فيأتي ويرمي نقوده من على الشرفة الى الناس الواقفين على الأرض، ليتخاطفوها بأيديهم وأرجلهم وصدورهم .
وعندما رأيت هذا المنظر كان السؤال الأول ، افرض أنك أحد هؤلاء الناس وسقط على رأسك دينار، وجاء أحد واختطفه،  فهل سيكون هذا الدينار لك أم له ؟ وأما السؤال الملح فكان ؛ هل يصبح من اختطف هذا الدينار سارقا ً؟ والسؤال الأكثر إلحاحا ً :هل هذه النقود التي التي رميت على الأرض تعتبر صدقة لصاحبها ؟.
تخيلت السائق المسكين الذي يعمل بمرتب عند مالك السيارة عندما يترك عمله ويتوجه إلى بيت المالك قائلاً : "أنا قدّمت رقم سيارتك للفوز في "عمرة العمر" فاكتب لي تنازلا ً عن هذه العمرة إذا فازت سيارتك". عندها، سيتهم صاحب السيارة سائقه بلوثة في عقله، وسيقوم باستبداله بسائق آخر ولو بعد حين .
أما إذا كان السائق ضامنا للسيارة، وذهب عند صاحبها ليتنازل له عن العمرة، فيكون قد أضاع ساعة على الأقل من عمله، وبالتالي سيقلّ دخله ويتهمه صاحب السيارة بخفة العقل، وسيقول له اذهب واشتغل أفضل لك من الشكوى آخر النهار من قلة المردود المادي .
بربكم أية عمرة هذه التي ستسبب وجعا ًلرأس صاحبها، وتهدده في رزقه وتتهمه في تلوث قادم في عقله قبل الفوز بها؟
يقولون بأن الأغنياء لا يصاهرون إلا أنفسهم خوفا على ثروتهم ، وأصبحت أخاف عليهم أن يحتكروا عمل الخيرلأنفسهم أيضا ، ويبقى الفقير على حاله.

جميـــل عبـــود
آذار 2009
 

Exit mobile version