د. فوزان العتيبى
بالرغم من الحقيقة القائلة بأن تدمير الدرعية عام 1818 كان بناء على تعليمات السلطان، محمود، وأن محمد على نفسه، لم يكن مصريا فى الأصل، وأن جيشه الذى قام بعملية التدمير كان مؤلفا من الأتراك الأنكشارية وبالرغم من محاولات بعض الشخصيات المصرية، آخرها كمال حسن على، إقناع الأسرة السعودية بتلك الحقيقة، إلا أن تلك الأسرة رفضت الاستجابة لتلك المحاولات، وأنها – والكلام لحافظ وهبة، مستشار الملك عبد العزيز، وسفيره فى لندن- تحمل مصر والمصريين تبعة حملة إبراهيم باشا.
هذا وقد كان الوكيل البريطانى فى الكويت major Dickson يؤكد أن السعوديين يعتقدون حتى يومنا هذا بأن إبراهيم قد أعطى وعدا لعبد الله بن سعود، الذى أعدم فى الأستانة، بأنه لن يصاب بأى أذى، مع أن إبراهيم باشا، والكلام لا يزال لديكسون، قد أخبر عبد الله بن سعود، بأنه ليس فى ضرورة إلزام السلطان بضمان حياته، وذلك عندما اشترط عبد الله أن يضمن له حياته مقابل الاستسلام له.
وعلى أية حال، فإن تداعيات سقوط الدرعية على أيدى الجيش المصرى إبان حكم محمد على باشا ظلت تتوالى بإفرازاتها السلبية حتى تحولت إلى عقدة نفسية عبرت عن نفسها فى عدة صور، منها:
أولا: ترك الدرعية على حالها كما هو "حتى تبقى هذه الخرابات "شاهدة لما أتته أيدى الأشرار من أنواع الهمجية، والوحشية، مع ادعائهم الدين والتحضر" على حد ما عبر به أحمد على بن أسد الله الكاظمى مساعد مدير مدرسة الأمراء بالرياض، الذى هاجم مصر والمصريين فى كتاب بعنوان "يوميات الرياض" والذى تقوم بتوزيعه مجانا إدارة الملك عبد العزيز، والتى يشرف عليها الأمير سلمان، أمير الرياض، بهدف ترسيخ الكراهية ضد مصر والمصريين، والحض على الأخذ بالثأر، كلما حانت الفرصة، وهى عادة لا يدركها إلا من درس البيئة الصحراوية، واختلط وعايش أفراد الأسرة السعودية.
ولأن عملية الأخذ بالثأر، هذه، قد تستمر لعدة أجيال، وربما إلى الأبد، كما أنها تفوق إمكانياتهم الذاتية فإنهم سعوا إلى الالتصاق بالقوة الأعظم، بريطانيا (معاهدة 1915) ثم الولايات المتحدة (تصريح روزفلت فبراير 1943).
والواقع، فإن الملك عبد العزيز قد تمكن بمساعدة بريطانيا من تصفية الثأر مع الحجازيين لتعاونهم مع المصريين فذبح منهم 25.000 ( خمسة وعشرون ألفاً) فى نربة والحزمة وهم نيام (عام 1919) ثم ذبح 1.700 فى الطائف (1924) بما فى ذلك النساء والأطفال كما بلغ عدد ضحاياه فى جدة (1925) 25.000 حسب تقديرات مستشاره مستر فيلبى".
أما بالنسبة للمصريين، فلقد شهدت "منى" فى حج عام 1926 مذبحة ضد أفراد المحمل (100 بين شهيد وجريح) الأمر الذى دفع الملك فؤاد إلى منع إرسال المحمل والكسوة والصرة إلى أن مات عام 1936 ولدى زيارة عبد العزيز بن سعود لمصر (يناير 1946) قدم رشوة للملك فاروق مقدارها 200.000 جنيه ذهب، الذى يستخدمه كاستخدامه للسيف وبالفعل فإن فاروق، كما يذكر إبراهيم بغدادى، اتجه نحو الهاوية منذ ذلك التاريخ لكن عملية تصفية الثأر التاريخية قد تحققت على يد سعود وفيصل، فى الفترة من سبتمبر 1962 – يونيه 1967، حين عملا على استنزاف مصر ورئيسها عبد الناصر فى اليمن، اقتصاديا، وعسكريا، وكان الخامس من يونيه 1967عيدا، احتفل به أفراد الأسرة السعودية على مرأى من الناس.
ثانيا : لابد من الإشارة هنا إلى أن الحرمين الشريفين بالإضافة إلى عوائد البترول قد ساعدت الأسرة السعودية على تحقيق عمليات الثأر بنجاح منقطع النظير.
ففى حج عام 1962 عقدت رابطة العالم الإسلامى فى مكة مؤتمراً بهدف تكفير الرئيس عبد الناصر، على إثر صدور القرارات الاشتراكية، بحجة أنه شيوعى.
كما مكنت عوائد النفط الملك سعود من دفع الملايين من الجنيهات الإسترلينية والدولار لفصل سوريا عن مصر.
ولئن فشلت المحاولات الأولى (22 فبراير 1958) فلقد نجحت الثانية فى 28 سبتمبر 1961.
كما مكنت عوائد النفط تلك الأسرة من شراء الأسلحة والأفراد من كل أنحاء العالم لمقاتلة المصريين فى اليمن.
وعلى صعيد ذى صلة، فإن السعوديين حولوا كرة القدم إلى ساحة للانتقام الذى يدفعهم لدفع الرشاوى للحكام واللاعبين كى يحققوا الفوز على الفرق المصرية.
ثالثا : إضعاف النفوذ المصرى لصالح الأسرة السعودية وكانت البداية فى مؤتمر الخرطوم (28 أغسطس – 1 سبتمبر 1967) حينما قدم الملك فيصل مبلغ 50 مليون جنيه لصالح المجهود الحربى، بالاشتراك مع الكويت، وليبيا.
وما أن مات عبد الناصر حتى أخذ السعوديون يرددون معزوفة "خيرنا عليكم" مع أن مصر من عصر عمرو بن العاص حتى اليوم تقدم للحجاز كلما تستطيع من مساعدات مادية وعينية، ومما يؤسف له، أن الرئيس المصرى السابق أنور السادات قد أتاح لهم التمادى فى إهانة مصر.
ومما تذكره الوثائق الأمريكية أن فيصل الذى دفع فى مؤتمر الخرطوم هذا المبلغ الضئيل على مرأى من الشعب العربى كان يطالب الرئيس كنيدى 1962، ثم الرئيس جونسون 1964 سرا بوقف إرسال معونات القمح إلى مصر، ولئن فشل مع الأول، فإنه نجح مع الثانى، الذى كان قد قرر تدمير عبد الناصر.
رابعا : إخضاع مصر للنفوذ السعودى، عن طريق الجمعيات الشرعية والإخوان المسلمين فى مصر، أو الفرع الوهابى بها وهنا يحدثنا التاريخ كما تقول اوثيقة بريطانية رسمية صدرت فى(28 فبراير 1954) أن الملك سعود أبدى سعادته لما عرض عليه السفير البريطانى فى جدة Grafty Smith عرش مصر.
وبالفعل حضر إلى مصر يوم 20 مارس 1954 ومعه 19 أميراً وضغط على عبد الناصر للإفراج عن الإخوان المسلمين الذين اعتقلهم فى شهر يناير من نفس العام.
ووضع اعتماده على الرئيس محمد نجيب وعبد الرحمن عزام فى أجواء ما عرف بأزمة مارس أو بخبصة مارس التى انتهت بفوز عبد الناصر وفشل المشروع البريطانى.
وتكرر الموقف فى مارس 1956 لما قرر الرئيس أيزنهاور "إعداد الملك سعود" ليحل محل الرئيس عبد الناصر، الذى أفشل المشروع الأول بعد أن أصبح، بعد معركة السويس، بطلا قوميا والظاهرة التى تسترعى الانتباه هنا منذ إنشاء المملكة السعودية وحتى اليوم 2009 هى محاولة السعوديين شراء كل ما مكن شراءه فى مصر، من أراضى، ومؤسسات تجارية وغيرها.
خامسا: سعودة مصر ثقافيا ودينيا (الأخطر) فهناك محاولات جادة لسعودة المساجد بنشر الفكر الوهابى المتطرف وسعودة الأزهر، وترك المجال للمدعو "صالح كامل" للقيام بهذه المهمة.
أما فى المجال الرياضى، فحدث ولا حرج عن الدور المشبوه لآل سعود ويكفى أن نذكر هنا أن عبد الله الفيصل كان ولا يزال الرئيس الشرفى للنادى الأهلى.
وكان كمال أدهم رئيس شرف نادى الترسانة، وهناك تركى بن عبد العزيز، شقيق الملك الراحل فهد الذى يغدق على الفنانيين والفنانات بواسطة زوجته، هند الفاسى (زواج الممثلة صابرين خير مثال) وهناك السفير هشام ناظر، الذى يحاول استقطاب المثقفين، والفنانين ، والرياضيين بهدف إيجاد لوبى يعمل لصالح السعوديين والترويج لأهدافهم..
إن هذا الدور السعودى المشبوه ضد مصر سياسة وثقافة ورياضة وفن، يؤكد على حقيقة تاريخية مهمة وهى كراهية آل سعود لمصر دولة وشعباً منذ هدم محمد على باشا عاصمة الدولة السعودية الأولى الدرعية وإنهاء أسطورتها بقوة ووعى، وأيضا ثمة حقيقة أخرى أو قانون آخر تؤكده وقائع التاريخ المصرى المعاصر، وهو أنه كلما صعد الدور المصرى الإقليمى والعالمى ( نموذج الفترة الناصرية الأولى) هبط الدور السعودى إقليميا وعالميا، والعكس صحيح، هذا القانون لا يزال هو الحاكم حتى هذه اللحظة فهل تدرك أولى الأمر فى مصر ذلك أم أنهم لا يزالون مخدوعين فى آل سعود ودورهم المشبوه؟
سؤال قد تجيب عنه وقائع الأيام المقبلة.