أرشيف - غير مصنف
الجنسية الايطالية لشاليط ذروة الانحطاط الأخلاقي فى السياسة الأوربية
بقلم : فارس عبد الله*
الكيل بمكيالين في السياسة الغربية ,هو السمة البارزة للتعامل مع القضية الفلسطينية,فليس غريباً أن ترى الدول الأوربية, ترفض استقبال ممثلي الشعب الفلسطيني المنتخبين ,بدعوة أنهم من أصحاب المواقف " المتطرفة" ,وفى الوقت نفسه لا تمانع في لقاء الإرهابي ليبرمان,والذي نسف كل مفهوم لعملية السلام خلال تصريحاته المختلفة ,وتراها تعرض عن التعامل مع نتائج الانتخابات الفلسطينية,وما أفرزته من قيادة اختارها الشعب عبر صناديق الاقتراع ,ولا تتحرج بالتعامل مع نتائج الانتخابات الصهيونية ,وما نتج عنها من تشكيل حكومة يمينية متطرفة, وذات مواقف السياسية معلنة في عدائها لمفهوم السلام,والذي يترجم في هذه الأيام بمصطلح حل "الدولتين" , يعتبره الاتحاد الأوروبي أساس لإمكانية تسوية النزاع الفلسطيني الصهيوني ,ومع ذلك يغيب التوازن السياسي عند الأوربيين, في النظر لأطراف الصراع في الشرق الأوسط ,وتقف الحكومات الأوربية إلى جانب الإدارة الأمريكية ,في دعم الكيان الصهيوني والمحافظة علي وجوده ,ولو على حساب قضية شعب أخر ,يعاني ويلات الاحتلال من قتل وحصار وتهجير.
هذه السياسة الغربية ليس بالجديدة ,ولا بالمستغربة فمواقف دول وحكومات الاتحاد الأوروبي ,تقف إلى جانب الكيان الصهيوني من خلال العضوية في اللجنة الرباعية ,التي تفرض شروطها السياسية ,وتتدخل في تعطيل ملف الوحدة الفلسطينية ,من خلال شرط الاعتراف بالمحتل و تحاول فرضه على الفلسطينيين , بالتهديد بالحصار السياسي على الحكومة الفلسطينية ,ووقف تدفق المال السياسي المغمس بالذل والمهانة, إلى قنوات السلطة الفلسطينية ,إلا أن تطرف المواقف السياسية الأوربية ,في محاباة الكيان الصهيوني وصل إلى مرحلة تضرب فيها ,القيم الأخلاقية للمجتمع الأوربي ذاته ,فهل يعقل أن تقف الدول والحكومات الأوربية ,وهي بطبيعة الحال تشكل إرادة جزء كبير من المجتمعات الأوربية , إلى جانب كيان عنصري محتل يقع تحت سطوة آلته العسكرية المجرمة ,ملايين الفلسطينيين ويمارس بحقهم المجازر ,وأخرها الحرب على غزة والتي خلفت أكثر من 1400 شهيدا , أغلبهم مدنيين من النساء والأطفال.
ولقد وصل مستوي الانحدار في السياسة الأوربية ,أن يتسابق رجال السياسة والحكم فيها إلى تقليد ,الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط ,الأوسمة ومنحه الجنسية ,وهو القاتل الذي كان يقف خلف دبابته إلى أطراف مخيم للاجئين في رفح , يقصف الأبرياء من الأطفال ويحاصرهم فيمنع دخول الدواء والحليب إليهم ,وعندما يقع في الأسر خلال عملية عسكرية وفى موقع عسكري , تجد من يدافع عن قضيته من أرباب السلطة السياسية والدينية في أوربا , لماذا لا يسألون من أين أسر شاليط ؟!هل خطف من قلب مسكنه أو من بين أهله , كما يفعل الاحتلال الصهيوني ,خلال خطف آلاف الأسرى الفلسطينيين ,ولماذا لا ينظر هؤلاء الساسة إلى السبب من وراء أسر شاليط؟! ,وهل هو وحده من يقع في الأسر داخل فلسطين , وماذا عن الطفل يوسف الزق أصغر أسير فلسطيني ,والذي لم يتجاوز عمره العامان, فهل تحرك صرخات مئات النساء في الأسر الصهيوني ؟! وهل تلاقى آلام آلاف الأسرى المرضى في القيد الصهيوني ,من يهب لنجدتهم من المدافعين عن حقوق الإنسان في أوربا , أم أن لون دمائهم و بشرتهم ,لا تؤهلهم لان يقف المجتمع المتحضر معهم في محنتهم .
أن قيام رئيس بلدية روما ‘جياني المانو’ بمنح الجندي الصهيوني ,القاتل جلعاد شاليط الجنسية الايطالية ,تقديراً من روما وايطاليا لبطولته ومعاناته ,كما صرح بذلك حين مقابلته لوالد شاليط ,يعتبر قمة الوقاحة والعدوان بحق الشعب الفلسطيني ,وهل قتل الأطفال والاعتداء على المواطنين ,بقصف منازلهم بطولة يا حكومة ايطاليا ؟! أم هو العداء للمسلمين وتكريم كل من يشارك في قتلهم وإبادتهم ,وقديماً ارتكبت جيوش ايطاليا ,المجازر بحق الشعب الليبي المسلم ,وهي ترى بأفعال الجيش الصهيوني وشاليط ,استكمال لمجازرها القديمة بحق المسلمين, فالكفر ملة واحدة ,ولقد سبق لرئيس بلدية باريس ,وعضو البرلمان الفرنسي "كلود جاسكوين" ,منح الجندي جلعاد شاليط مواطَنةَ شرف بلدية باريس الفخرية ، وهو وسام فخري رفيع في فرنسا ,حتى أصبح تكريم القتلة عرفاً متداولاً فى أوربا التي تدعي دفاعها عن الحريات .
وكما نشاهد فالانحطاط الأخلاقي ,لم يصيب الطبقة السياسية الأوربية , وحسب بل هو أصيل في أعلى شخصية دينية , ارتكبت من الإساءة للإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام , وجاءت زيارتها لفلسطين المحتلة ,لتبارك الكيان المحتل الصهيوني ,بعد حرب شرسة ومجرمة قتلت الأطفال والنساء ,واستخدمت فيها المحرم من السلاح ,لتحاول تجميل صورة الكيان القبيحة والملطخة بدماء وأشلاء الأطفال, ثم ليكتمل القبح والانحياز للمجرم,من خلال لقائه بعائلة الجندي شاليط ,وتجاهل الألم والأوجاع لأكثر من 11 ألف أسير,يعانون فى زنازين العدو الصهيوني ,وكأن الأسير الوحيد فى هذا العالم هو شاليط , وإذا انتهت قضيته فلا أسرى ولا معذبين ,ومن هنا على مقاومتنا أن تأسر المزيد من الجنود الصهاينة ,لتبقي قضية الأسرى حاضرة فى أذهان العالم حين سؤالهم عن أسرى الصهاينة نجيب وأسرانا أيضا.
قضية الأسرى مركزية فى حضورها الفلسطيني, أو يجب أن تكون كذلك ,لذا فأن المطلوب من الهيئات والمؤسسات الشعبية والحكومية ,التي تهتم بشؤون الأسرى وغيرها من المؤسسات ووسائل الإعلام الفلسطينية , تحريك قضيتهم وإبرازها فى المحافل الدولية , فأن التقصير كبير فى مسألة الأسرى على الصعيد القانوني والإعلامي ,وهناك غياب واضح لقضيتهم فى المؤتمرات الدولية ,بالإمكان إظهار حجم المعاناة للأطفال الأسرى دولياً ,وهل يقبل العالم الحر أسرى حرب أطفال؟! والتركيز على الحالات المرضية من الأسرى المحرومين من العلاج والأسرى, وفى أي عرف أو قانون يحرم الأسير من الدواء إلا فى السجون الصهيونية , وكذلك معاناة الأسرى بشكل عام والذين لم يروا النور منذ عشرات السنين , من خلال تجسيد هموم الأسرى ,عبر صورة أو قصة أو تقرير أو فيلم وثائقي واقتحام كل الهيئات الدولية والمناسبات العالمية بمظلومية الأسرى ,لعلها تحرك لديهم بقايا الإنسانية فى قلوبهم ويتوقفوا عن الانحياز العمى للجلاد والقاتل.
كاتب وباحث فلسطيني