أرشيف - غير مصنف

حنين

بقلم : ميساء البشيتي

 
 
ليس ضعفا ً مني بالمعنى المقصود للضعف .. لكنه ضعف مكتوم .. ضعف بلا صرخات موجعة .. بلا دمعات منسكبة .. بلا آهات متحشرجة .. بلا مظاهر ضعف .. لكنه ضعف .
 
أخذتني لحظات ضعفي إلى تلك العتبة وكيف استجدتني ذلك الصباح ورجتني ألا أتركها وحدها وهي التي ألفت وقع خطاي صباح مساء ..
 
كنت أواعدها صباح كل يوم جمعة كما يتواعد الحبيبان ..
 
أصحو لها في الصباح الباكر وأنا ممتلئة عشقا ً وحياة .. أسري إليها قبل أن يداهمني تعب أو أرق
 
 أصافح صباحها بقبلة دافئة على الجبين .. أتفقد ورودها وأزهارها .. أتفقد أحواض الفل والياسمين .. أتفقد ثمار اللوز والمشمش .. أتفقد عناقيد العنب .. هل نضجت بما يكفي ؟
 
أمرُّ بأناملي مرورا ً ناعما ً على أوراق النعناع والزعتر .. أقطف ما طاب لي منها وأغمسه في كوب شاي أعددته لذلك الصباح .. أقطف حبات من زهر الياسمين المكللة بدموع الندى لأزين بها صحن فنجان قهوتي .. أرتشف قهوتي .. وأرتشف معها نسمات ندية تلفح وجنتيّ .. تصافحني .. تعانقني .. تطوقني بظلالها المنبعثة من أفياء دالية العنب و شجر اللوز والمشمش ..
 
تحضر إليّ قطة صغيرة أرقبها في كل صباح وهي تكبر .. لا أجد الوقت لملاطفتها ومداعبتها فأواعدها صباح الجمعة .. تأتيني وتجلس تحت أقدام طاولتي .. ألقي إليها بقطع من البسكويت في صحن الحليب .. تلعق فمها ثم تقترب من أقدامي .. تتمرغ فيهما وأنا .. بين مشتاقة لها ومتوجسة من إحدى خرمشاتها التي لا تنفك تترك أثارها على ساقيّ وأقدامي .
 
صباح كل يوم جمعة .. لا يزال شريط ذكراهم يمرُّ ببالي وأشتهيه .. صباح كل يوم جمعة يحملني الحنين إلى هناك .. إلى تلك العتبة .. الدالية.. شجرة اللوز .. أوراق النعناع .. أعواد الفل والقرنفل والعبهر .. والقطة ..
 
أنا ما زلت أشتاقهم وأحن إليهم .. هم هل ما زالوا يشتاقون ؟
 
 

زر الذهاب إلى الأعلى