أرشيف - غير مصنف

صلاح المختار وصيد العصافير

د. وسام جواد
أطل السيد صلاح المختار بمقالِه " ملاحظات حول موقف البعث والمقاومة من الانظمة العربية " ليُنظِر على هواه ويتفلسف كما يراه باسلوب, يبعث على الاستغراب ويكشف عن عدم استيعاب البعض للتغييرات الحاصلة, وعجزهم عن التعامل مع الواقع بعقلانية, تكفل إيجاد الحلول لإنهاء المأساة,التي ألمت بشعبنا .   فبعد المقدمة العصماء لابن خلدون العصر وعميد الفكر حول " صيد العصافير" أسهب في الكتابة عن "المُحددات" والملاحظات حول موقف البعث والمقاومة ( باعتباره قائدا ميدانيا لامعا فيها.. ) من الأنظمة العربية .
المحددات الثلاثة للموقف القومي والوطني
" رغم ان البعث ونظامه الوطني في العراق كانا ضحايا تأمر دولي – اقليمي وعربي رسمي الا ان البعث قبل الغزو والبعث والمقاومة المسلحة بعد غزو العراق لم يضعا الانظمة العربية في نفس سلة امريكا وايران والكيان الصهيوني، وبغض النظر عن طبيعة وهوية هذه الانظمة وطنية كانت او تابعة للغرب، لعدة اسباب مبدأية وستراتيجية وتكتيكية تعد قواعد بداهة في العمل الوطني العربي. "
أولا, لا يحق لأحد التحدث باسم المقاومة الوطنية العراقية باسثناء القيادات المناضلة في فصائلها. واذا كان السيد صلاح المختار مخولا من قبل فصيل ما, فليتحدث باسمه وليس باسم المقاومة .
ثانيا, تدل المؤشرات على ان البعث ونظامه لم يكونا سوى وسيلة لتآمر عربي-إقليمي-دولي لتحقيق الغاية في السيطرة على ثروات العراق وضرب معالم النهضة والتطور الاقتصادي والعلمي فيه وأن ضحية هذا التآمر هو الشعب العراقي بكل مكوناته باستثناء الخونة والعملاء .
ثالثا, وضع الكاتب أمريكا وإسرائيل وإيران في "السلة" وتجنب وضع الأنظمة العربية المعروفة بمواقفها الدنيئة تجاه العراق وقضايا الأمة فيها,أثناء تسوقه السياسي . ولعلها المتاهة وليست البداهة  في العمل الوطني والقومي حين يُغض النظر عن الأدوار الخطيرة للأنظمة المرتبطة بالولايات الصهيونية المتحدة واسرائيل, ويُجارى من وقف مع الأعداء وسهل لهم تنفيذ مخططاتهم الاجرامية في العراق ولبنان وفلسطين على حساب قضايانا الوطنية والقومية .

من يطارد عصفورين يفقدهما معاً
المحدد المبدأي
"مبدأيا الانظمة العربية كانت ومازالت تحكم اقطارا عربيا مستهدفة وليست ساحات هدوء واستقرار، كما العراق وفلسطين، بمخطط التقسيم والشرذمة الصهيو- امريكي – ايراني، لذلك فان اي جهد معاد لها يخلط عمدا، او خطئا، بين طبيعة النظام والقطر الوطن الان يقوم على عدها عدوا رئيسيا تجب محاربته، بكافة السبل وبالاتفاق مع اي طرف دولي او اقليمي، يقود حتما الى التامر على وحدة وهوية القطر الذي تحكمه وليس على نظام الحكم فقط، لان من يحرك هذه السياسات ضد انظمة عربية منذ مطلع الثمانينيات ليس القوى الوطنية العربية، كما كان الحال قبل ذلك، بل العدو المشترك ( امريكا وايران والكيان الصهيوني)، وهذه الاطراف لها اهداف معادية للامة العربية كلها وللهوية العربية بكاملها وليس لنظام معين بعينه سواء كان وطنيا او عميلا."
يستمر التكرار في مقال المختار حول بعض الأنظمة المجرمة واعتبار أي جهد معاد لها هو خلط  متعمد أو خطأ يجب محاربته لكونه يقود الى التآمر على وحدة وهوية البلد وليس على نظام الحكم فقط, وكأنه لم يستوعب حقيقة أن العراق كان مستهدفا بغض النظر عن النظام,الذي مرر فرص إيجاد المبررات لشن العدوان الهمجي على العراق, نتيجة سياساته المرفوضة مع القوى الوطنية في الداخل وحروبه في الخارج .
إن على السيد صلاح المختار أن يعي بأن النظام الوطني ( أي نظام في العالم ) يفقد مصداقية وطنيته حين يقتل ويعذب ويسجن ويشرد أبناء شعبه, وأن الأنظمة,التي تنفق على السلاح لا للدفاع عن الوطن, وانما لتوجهه الى صدور المواطنين هي أنظمة فاشية لا بد من إسقاطها. ولا يجوز الربط  بين ما حصل للعراق وما يتوجب فعله تجاه الأنظمة الفاسدة, بمعزل عن هويتها وجنسيتها . ويتوجب على الشعوب أن تأخد على عاتقها مهمة التخلص من هذه الأنظمة دون تدخل أطراف خارجية, أو الإستعانة بقوات أجنبية, كما فعلت الزمر الرخيصة, التي سمت نفسها بالمعارضة العراقية في الخارج, قبل العدوان على العراق .

"ان تجربة غزو العراق تثبت ان العمل ضد نظام معين لا يمكن فصله عن تدمير وحدة ذلك القطر.."
 يتعارض هذا المنطق مع الواقع لعدم جواز تعميم تجربة إحتلال العراق وإسقاط  نظامه على باقي الدول. فقد شهد العالم مرارا على سقوط أنظمة عنصرية ودكتاتوية ومستبدة في دول عديدة, دون أن يمس ذلك وحدة أراضيها .
"وليس ممكنا لاي وطني ان يقبل بغزو وطنه لمجرد التخلص من نظام سياسي، وبما انه منطق القاصرين فان تقرير مصير الوطن والامم لا يجوز ان يكون من مسؤولية القاصر والمتخلف بل يجب عزلهما بحزم كامل كما تفرض دروس تجربة غزو العراق. وعلينا ان لاننسى ابدا ان الكيان الصهيوني تبنى منذ تأسيسه خططا لتقسيم الاقطار العربية على اسس عرقية وطائفية، وهو امرمعروف جدا حتى لابسط الناس.."
نعم, لا يمكن أن يقبل الوطني بغزو بلاده, بل ليس وطنيا من يقبل بذلك. ولكن منطق التستر المشبوه والدفاع المبطن عن بعض الأنظمة, ذات المواقف المخزية تجاه العراق وسوريا ولبنان وفلسطين, هو أكثر ضررا وطعنا بالقضية من منطق القاصرين والمتخلفين .
     
المحدد الستراتيجي
"اما ستراتيجيا فان الموقف من الانظمة العربية يتحدد في ضوء طبيعة الصراع ولقد وضحنا انه صراع هوية ووجود بين الامة العربية كامة وبين العدو المشترك امريكا وايران والكيان الصهيوني، وصراع الهوية هذا شامل لكل شيء ولا يستثنى منه شيء، فانتصار العدو المشترك يعني ذبح الامة كلها من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي، واخضاعها للاستعمار الدولي الامريكي والاستعمار الاقليمي الايراني الصهيوني، ونظرة واحدة لحالة الاقطار العربية تؤكد ذلك. "ويجب ان لا نهمل حقيقة خطيرة جدا وهي انه في كل هذه الفتن الطائفية المصطنعة يطل راس الافعى الفارسية بارزا وكبيرا وانشط من الراسين الامريكي والصهيوني اللذان يعتمدان كليا على ايران في اشعالها ونشرها وادامتها".
أيُريد الكاتب برأس الأفعى الايرانية أن يخفي رؤوس الأفاعي الرقطاء في الكويت والمجلجلات في الجزيرة وثعابين الاناكوندرا في مصر؟ أم أنه يعتبر سمومها أقل خطرا منها على كيان الأمة ؟. ألا يعلم بأن الأفاعي وإن اختلفت في النوع والجغرافية ( أمريكية-صهيونية-إيرانية-تركية-عربية ) تظل خطيرة, اذا ما لسعت ؟.
"ان الضرورات الستراتيجية العقلانية، وليس نزعات الثأر العاطفية واتجاهات الانتقام وتصفية الحسابات العربية الحمقاء، تفرض علينا تبني ستراتيجية توحيدية عربية شاملة تقوم على الدفاع عن الهوية العربية، اولا وقبل كل شيء، وحماية المصالح العربية العليا واحباط مخطط التقسيم واسقاطه الى الابد. وهذه الستراتيجية تفرض حل او تأجيل او تجميد الصراعات العربية – العربية دون نسيان طبيعة التناقضات بين الانظمة العربية على مستوى اجتماعي وسياسي وايديولوجي، فالمطلوب ان نكون احياء ولدينا هوية راسخة كي نصارع الانظمة الفاسدة من اجل العدالة الاجتماعية، اما ان نكون امواتا في قبورنا فان العدالة الاجتماعية لن تتحقق ابدا لان الموتى لاحقوق لهم سوى الدفن والترحم على ارواحهم."
لولا تحكم نزعات "الثأر العاطفية واتجاهات الانتقام وتصفية الحسابات الحمقاء" بعقلية بعض القيادات, التي لم يعمل النظام السابق على غسلها, لما حدثت الكارثة. أما مسألة الدفاع عن الهوية, فانها تتطلب من الشعوب العربية الحفاظ  والتأكيد عليها, ولا يجوز لهذا النظام أو ذاك, أن يدعي الدفاع نيابة عنها . ولا مجال للحديث عن العدالة الاجتماعية مالم ترتقي الشعوب سُلم الوعي السياسي والاجتماعي والديني, الذي تحاول الامبريالية والصهيونية والخونة والعملاء كسره, كلما سعت الطلائع التقدمية الى إرتقائه .
المحدد التكتيكي
" تكتكيا، واذا افترضنا ان صراعاتنا مع الانظمة العربية ضرورية، فان الحكمة تفرض تأجيل صراعات معينة من اجل كسب صراعات اخرى اهم واخطر، لان فتح جبهات متعددة ليس سياسة حكيمة ولا واعية وتدل على جهل بابسط متطلبات خوض الحروب المعقدة، فاذا كنا الان نريد محاربة الكويت والسعودية ومصر والاردن وغيرها فهل نستطيع محاربة امريكا والكيان الصهيوني وايران ونحن غارقون في دم صراعاتنا العربية- العربية ومستنزفون حتى العظم؟"
لا أحد يضمر الحقد أو الكراهية لشعوب الدول العربية ( الكويت وشبه الجزيرة العربية ومصر والأردن ) والاسلامية ( إيران وتركيا ) سوى مرضى العقول, والمشكلة ليست في شعوبها وإنما في أنظمتها. وان القوى الخيرة والعقول النيرة في العراق لا تتمنى الا الخير والازدهار والرفاهية والسلام لشعوب هذه الاقطار وتسعى الى إقامة علاقات حسن الجوار معها. ولكن, هل يجوز السكوت عن تدخل أنظمتها باذكاء نيران الفتنة الطائفية والعنصرية في العراق ؟ واذا كان الجواب لا, فهل يعني ذلك اللجوء الى القوة وشن الحروب قبل أن تُجرّب لغة الحوار والاقناع مع من كانوا وسيبقون جيرانا لنا الى الأبد ؟.
يدرك الوطنيون عمق الفوارق بين إسقاط الأنظمة بواسطة شعوبها وإسقاطها عن طريق الاحتلال,الذي ترفضه حتى الشعوب المناضلة ضد أنظمتها. لذا,لا داعي للتخويف بالدم والذبح وقرع طبول الحروب الخاسرة,التي دفع الشعب العراقي أثمان فواتيرها الباهضة يا سيد صلاح المختار, وحاول ان تفكر بالسلام العربي- العربي وفي كيفية اجتياز سُبل تحقيقه, وتثبيت دعائمه, وانتشال شعوب الأمة من الغرق في دم الصراعات العربية-العربية,التي استنزفتها حتى العظم كما تذكر. وكُف عن الوعيد والتهديد بخوض صراعات فاشلة جديدة, لن تجد في سوحها هذه المرة, الا من سيضحك عليك .
فكر يا سيد صلاح المختار في :
كيفية تقديم العون لأسر شهدائنا الأبرار( 1.5 مليون شهيد ),الذين سقطوا أثناء العدوان وخلال سنوات الاحتلال الغاشم على العراق .
بلد, تبؤ المركز الأول في العالم بعدد اليتامى ) 4- 3 مليون طفل ) والأرامل ( 2.0- 1.5 أرملة ) والمهجرين ( 3-5 مليون عراقي ).
بتحرير أسيراتنا وأسرانا ( عشرات الألوف ) من معتقلات الاحتلال النازي وأعوانه .
بأجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات,التي حرمت ظلما من العيش الكريم بسبب الممارسات القمعية والصراعات العبثية .
بجيش العاطلين عن العمل ( مئات الألوف ) وازدياد نسبة الأمية وانتشار الأمراض الفتاكة.
تقديم العون للمقاومة العراقية الباسلة للتخلص من الاحتلال الصهيو- أمريكي وأعوانة وفق أطر وطنية, بعيدة عن التحيز الطائفي البغيض .
الإعتراف بأخطاء الماضي الفادحة, فالإعتراف بالخطأ فضيلة .
الدخول في حوار مع الأحزاب والقوى الوطنية الرافضة للاحتلال لبحث تشكيل وحدة وطنية, تقوم على التكافؤ والتنافس الوطني الخلاق لخدمة الشعب,لا التنافس الحزبي الضيق,ألذي مورس خلال العقود الخمسة الماضية .

"وهنا يجب التذكير بان الانظمة العربية، بغالبيتها، عاجزة عن خوض صراع رئيسي دفاعا عن عروبة الامة، الامر الذي يفرض على القوى الوطنية التقدمية ان تبادر هي الى قيادة المعركة وتغذيتها وادامتها والتمسك بمسار تحرري لها، يضمن في ان واحد المحافظة على الوجود والهوية العربية ودحر العدو المشترك من جهة، وتهيئة البيئة الصحية لقيام وضع عربي تقدمي وحدوي عام من جهة ثانية."
شكرا للتذكير بعجز غالبية الأنظمة العربية على خوض الصراع الرئيسي وما يفرضه الأمر على القوى الوطنية التقدمية لقيادة المعركة لدحر العدو. ولكن, فات صلاح المختار ان يتكرم ويبين كيف يمكن للقوى التقدمية ان تتمسك بالمسار التحرري وهي مكبلة الأيدي ومعصوبة الأعين ومكممة الأفواه بفعل سياسات وممارسات الأنظمة الدكتاتورية والفاشية, التي يكرر ويكرر تأجيل الكفاح الوطني لاسقاطها ؟.

"اننا اذا طاردنا عصفورين بنفس الوقت لاصطيادهما معا نفقدهما معا، كما يقول مثل عالمي كان نتاج تجارب طويلة, و( عصفورنا ) الذي يجب ان نطارده الان هو الاحتلال وليس غير الاحتلال، وعلينا ان نصطاده بكافة السبل وان نترك العصافير الاخرى من اجل النجاح في اصطياد عصفور الاحتلال."
أولا, العصفور لا يُطارد بل يُصطاد, إن حط  أو طار يا صلاح المختار !
ثانيا, وصفك للاحتلال وقواته النازية بـ "العصفور" سذاجة, تذكر بوصف الامبريالية بالنمر من ورق . ثالثا, غالبا ما يطير العصفور في مجاميع. واذا حط مع بقية "العصافير", فما المانع من التعاون على صيدها, بدلا من صيد عصفور واحد ؟.
أخيرا,عسى أن يصرف الكاتب بعضا من وقته لمراجعة ما يكتبه قبل النشر, لتجنب التكرار والأخطاء,التي لا تليق باعلامي ومقاوم وصياد عصافير .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى