كتاب الهندسة التحليلية
جميـل عبــود
التحقـت مُتأخرا عن زملائي الطلاب في السنة الجامعية الأولى قرابة الشهرين، وكنت قد تعرفتُ على شابّ في الفندق له نفس الظروف والهموم والمشاكل فأصبحنا أصدقاء، ثم انتقلنا معا إلى سكن الجامعة ، واخترنا غرفة تتسع لِشخصيْن وسكنَا سويا ً فيها .
هو شخصيّة ٌغريبة ٌ ذكية طموحة تائهةعلى استعداد أن يعمل ويُجيد في كل شيء إلا في الدراسة. في اليوم التالي ذهبنا الى المحاضرة الأولى، فوجدنا الطلبة منتظمين في دراستهم ، ولم نفهم شيئا من هذه المحاضرة لأنهم كانوا قد قطعوا شوطا ليس بالقصير من المقرّر الدراسي. بعد المحاضرة، تبين لنا وجوب شراء الكتب ومراجعة ما فاتنا من الدروس التي أعطيت من قبل حضورنا. ذهبنا إلى المكتبة واشترينا كل الكتب ما عدا كتاب "الهندسة التحليلية" فقد نفذ من الأسواق.
سألتُ صديقي عن الحل فأجابني على الفور: لا بدّ من سرقة هذا الكتاب، قالها بحزم وكأنه كان قد سبقني في اكتشاف المشكلة والتفكير في كيفية حلها، فسألته: وكيف يكون ذلك؟ فأجابني على الفور: يقوم كل طالب بحجز مقعده في المدرج وذلك بوضع كتبه في المكان الذي اختاره ليجلس عليه، ثم يذهب الطلاب لقضاء حوائجهم حتى يحين موعد المحاضرة، وفي هذه الأثناء سيقوم أحدنا برصد حركة الطلاب ويقوم الآخر بسرقة الكتاب المطلوب .
وفي اليوم التالي نفذنا الخطة بحذافيرها وأخذنا الكتاب من المدرج، ولم نحضر محاضرات ذلك اليوم فرحا ً بامتلاك الكتاب وخوفاً من اكتشاف السرقة.
لم يجد صاحب الكتاب كتابه، فسأل الحضور عنه فلم يجده، فتقدم بشكوى لعميد الكلية على الفور، فصُعقَ العميد من هوْل الكارثة، واهتمّ بها كثيرا ً لأنها تحدث لأول مرة في تاريخ الكلية ، وأعلن عن كتاب مفقود في جميع أنحاء الكلية.
أما صاحبي فبالرغم من تخطيطه ومشاركته في التنفيذ لهذه الجريمة فهو لم يسأل عن الكتاب أبدا ً، لأن الدراسة ليست هدفه الأول، بل كانت له اهدافا ً أخرى لم أعلمها حتى اللحظة، برغم مُحاولاتي الكثيرة السابقة منها واللاحقة لِمعرفتها، وفعلاً ترك صاحبي الدراسة دون أن يخبر أحدا ً.
أما أنا فأزلت اسم صاحب الكتاب، وكتبت اسمي بدلا ً من اسمه، وهكذا تحقق حُلمي بامتلاك كتاب " الهندسة التحليلية" ، الذي لم أجرؤ على اصطحابه معي للمحاضرة طيلة العام الدراسي، خوفا من تعرّف صاحبه عليه حتى ولو كتبت اسمي عليه ، فقد كنت أتركه في البيت، لمراجعة ما يصعب عليّ فهمه في المحاضرة.
الغريب في الموضوع أنني لم أفكر ولو لمرة واحدة بصاحب هذا الكتاب، الذي أعرف اسمه جيدا حتى لحظة كتابة هذه السطور، وبُودّي الآن – لو أستطيع – وبعد فوات هذه السنين، أن أعرف شيئا ً من ردّة فِعله حينذاك ، فهل ياترى نسيَ هذا الموضوع تماما ً أو تناساه أو لم ينسه مِثلي ؟ .
عندما تركني صاحبي قمت بتغيير سكني، وسكنت وحدي في غرفة لها شباك عال جدا ًفهو يُستخدم للإنارة فقط، ولا يُمكن أن يُفتح أبدا، ويوجد تحته رفٌ خشبيّ على طول واجهة الحائط، فقمت بوضع كتبي على هذا الرف مرتبة.
وفي أحد الأيام أجبرتُ على سفرِ مُفاجئ لمدة أسبوع، وخلال هذا الأسبوع أمطرت وأرعدت وأثلجت وتسربت المياه من هذا الشباك المحكم الإغلاق إلى رف الكتب، فأغرقت المياه كتاب "الهندسة التحليلية".
عندما رجعت من السفر وفتحت باب غرفتي، فوجئت بما حصل، فقد أصبح هذا الكتاب وما جاوره من كتب غير صالح للاستعمال، فهو قد غرق وأغرق معه كتابين من حوله.
وأخيرا ًإعلم بأنك إذا كنت تستطيع أن تأخذ شيئا ًً من أشياءغيرك، وبأيّ طريقة كانت وتحت أية ذريعة تتذرع بها ، فاعلم بأنه ليس بالضرورة أن يصبح هذا الشيء من ممتلكاتك مهما حاولت.
جميـل عبــود
آذار 2009