الرئيس الأسد : نحن المسؤولون عما لحق بنا

 

الرئيس الأسد : نحن المسؤولون عما لحق بنا

قراءة في مضمون خطاب الرئيس الأسد أمام مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية

بقلم : زياد ابوشاويش

في كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في دمشق وأشاد بها جميع من استمع إليها من الحاضرين أوضح سيادته أن مسئولية الانحدار الذي وصلت إليه أوضاعنا كعرب ومسلمين تقع على عاتقنا وقال " إذا كنا اعتدنا أن نحمل الآخرين مسؤولية ما نحن فيه من انحطاط وهو صحيح في جانب منه بسبب السياسات معدومة الأفق فلاشك بأنه من الضروري أن نقف مع ذواتنا في مراجعة صادقة لكي نكتشف مباشرة بأننا المسؤولون عما نحن فيه في المقام الأول ". ورغم أن التدخل الخارجي يلعب دوراً مهماً كما أوضح سيادته إلا أن مسؤولية الخروج من هذا المنحدر والضعف الذي يعتري عالمنا ومكانتنا هي مسئوليتنا ولابد أن نمتلك الإرادة والشجاعة للتقدم إلى الأمام لتغيير واقع مهين يجري فرضه علينا من قبل الدول الغربية، واقع يتم فيه تسخيف قيمنا الحضارية وتصويرها بأحط التوصيفات وإلصاق التهم الجزافية بنا على خلفية عقيدتنا التي يجري تقديمها باعتبارها حاضنة الإرهاب والدافعة إليه، كما يجري الخلط المتعمد بين المدافعين عن حرية أوطانهم وشعبهم والإرهابيين الذين غذتهم تلك الدول ومولتهم للإساءة لنا وقال بهذا الصدد " فإذا كان ديننا يعامل بالإساءة أو بالازدراء فلأننا ببساطة سلمنا الغير قرارنا. وبالتالي مصيرنا وسمعتنا وصورتنا الخارجية وبالتالي هو من سيحدد العقيدة التي تناسبنا. وتابع الرئيس الأسد: "فإذا تحدثت تعاليم هذه العقيدة عن مقاومة المحتل واستعادة الأرض فهو إرهاب.. وإذا تحدثت عن قول الحق فهو خروج عن الإجماع الدولي.. وإذا تمسكنا بتعاليمها فنحن منعزلون نعيش خارج عصرنا ".

لقد انطلق الرئيس الأسد في كلمته الجامعة والجريئة كالعادة من قيمة أساسية تتعلق بالمساواة بين الدول والشعوب وبحق كل أمة في اختيار طريقها بحرية تامة كما عقيدتها، وكيف تمارسها مع الاعتزاز بالحضارة الإسلامية التي حاول شانئوها الحط من قدرها أو أنها طارئة على التاريخ، ومبشرين بصراع الحضارات كما أشار سيادته في خطابه أمام المؤتمرين وقال بالخصوص " لقد ترافقت هذه التطورات بحملة محمومة على الإسلام بهدف تشويه صورته كمرجعية حضارية وعقائدية لشعوبنا وعلى المسلمين بهدف عزلهم والحط من شأنهم وكأنهم حالة شاذة على الساحة الدولية أو جسم طارئ على المسرح الحضاري والإنساني ".

لقد تحدث الرئيس الأسد في كلمته بوضوح وشفافية عن مشاكل عالمنا الإسلامي واصفاً المرحلة التي يمر بها بالحرجة والصعبة وأوضح أن التعقيدات كانت دائماً والتعديات كذلك لكن الفترة الراهنة تتميز بازدياد حدة المواجهة مع جملة من التحديات والتعديات تستحق من كل الدول الإسلامية التفكير بعمق وجدية في كيفية تحقيق الشعار الذي ينعقد تحت سقفه هذا الملتقى الهام وهو رفع وتيرة التعاون والتنسيق بين دول المؤتمر الإسلامي لمواجهة هذه التحديات وفي ظل أزمة إقتصادية دولية خانقة فرضتها علينا الدول ذاتها، وأكمل سيادته:" اجتماعكم وحواركم في هذه المرحلة الحرجة التي يشهدها العالم بشأن تفعيل تضامن دولنا في مواجهة التطورات السياسية والاقتصادية الراهنة يشير إلى حيوية منظمة المؤتمر الإسلامي ووعيها للتحديات التي تواجه دولها وبالعلاقة غير المرضية التي تقوم بين بعض بلدانها، كما يشير إلى إدراكنا لأهمية الروابط التاريخية التي تجمعنا والتي توفر لنا أرضية مناسبة لتحقيق المزيد من التعاون والتكامل في شتى الميادين، وخاصة أن السنوات القليلة الماضية حفلت بتطورات سياسية واقتصادية واسعة أصابت العالم وزعزعت استقراره كانت الدول الإسلامية في مواجهة مباشرة لتداعياتها إما كطرف أو كهدف ". وهو ما يعني تحميل الدول الإسلامية تبعات أزمة لا يد لها فيها من الأساس.

إن تسليم قرارنا للغير سيعكس نفسه كما قال الأسد ازدراءً واستخفافا بنا وبعقيدتنا ولذلك حرص سيادته على استنهاض همم المسلمين والعرب بالحديث عن الإرادة التي تصنع صورة محترمة للأمة بين باقي الأمم كما التركيز على المضمون الحضاري والقيمي لعقيدتنا وحق الدفاع المشروع عن النفس والأوطان وليس التلهي بالشكليات التي يرغمنا أعداؤنا في كثير من الأحيان على التمسك بها والدفاع عنها وخلق قضايا كبرى منها بشكل متعمد. وتساءل سيادته في معرض الحديث عن كيفية الدفاع عن عقيدتنا وقيمنا بالقول " فكيف ندافع عن عقيدتنا ونحن غير قادرين على الدفاع عن رأينا أو قرارنا أو أوطاننا؟ وكيف لا نهاجم في ديننا ونحن نهاجم في كل شيء آخر على المستوى المادي والمعنوي؟ بل كيف ندافع عن عقيدة لا نطبق ما تندبنا إليه من وحدة الصف ووحدة الموقف.. من قول كلمة الحق في وجه متغطرس؟ أو في الدفاع عن الشرف والكرامة في وجه الغاصب؟.. ذلك أن هناك بديهيات لا جدال فيها ". وفي ذات السياق كان الحديث الصريح منه عن رفض أي حلول تفرض علينا من الخارج وبأن واجبنا يقتضي أن نفصل ما يناسبنا من الحلول على مقاسنا على حد تعبير سيادته " فنحن نرفض بكل تأكيد أن تفصل الحلول في الخارج لكي تطرح علينا جاهزة وما علينا سوى التنفيذ، فهذا النوع من التفصيل لن يناسب مقاسنا ولا ذوق شعوبنا، ولذلك فالفشل مصيره ".

وفي الإطار الوطني الخاص بكل دولة أشار الرئيس إلى أن تحصين أي توجه لا يكون إلا بالحرص على تحقيق المصلحة الوطنية عبر تقوية ذواتنا بالاقتصاد والعلم والبحث العلمي وتطوير وسائل العيش والمنعة لبلداننا تجاه أي محاولة للتدخل أو الهيمنة على مقدراتنا.

لقد تضمن خطاب الرئيس مجموعة هامة وكبيرة من العناوين الرئيسية والفرعية لقضايا العالم الإسلامي بما في ذلك قضية الاستعمار القديم والحديث كما احتلال الأرض وشؤون المقاومة والعلاقات الدولية وغيرها من المسائل التي ستكون محور النقاش في المؤتمر وقد تحدث سيادته بإسهاب ووضوح حول عنوان المقاومة باعتبارها حقاً مشروعاً لن تتم المساومة عليه تحت أي ظرف وأن كل خلط بين المقاومة والإرهاب لن يجدي نفعاً ولن يجعل المقاومة فعلاً غير مشروع وأن سورية ستبقى تدعم المقاومة مهما كانت مواقف بعض الدول منها وأنها تشجب الإرهاب وتعتبره ظاهرة عالمية نتعاون جميعاً في مكافحتها وقال بخصوص المقاومة: "وكذلك السعي في مختلف الأوساط إلى تقديم المقاومة بصورتها الحقيقية كحركة تحرر لها قضيتها العادلة والتي تعبر عن إرادة أي شعب احتلت أرضه ". وقال حول ظاهرة الإرهاب: " الحقيقة أن الإرهاب ليس حالة أمنية بل هو حالة فكرية لها مظاهرها السياسية والأمنية وحتى الثقافية وهي لا تكافح بالتالي من خلال مكافحة المظاهر بل المضمون والأسباب ". وفيما يخص عملية السلام فإن الموقف السوري الواضح من خلال كل الكلمات والخطب التي ألقاها الرئيس الأسد على امتداد السنوات الماضية وآخرها أمام وزراء الخارجية للدول الإسلامية يعتمد صيغة الشرعية الدولية والحل العادل الذي يعيد الحق لأصحابه سواء تعلق الأمر بسورية وأرضها المحتلة أو فلسطين أو أي بلد آخر وأنحى سيادته باللائمة على إسرائيل في عرقلة جهود السلام في المنطقة وأوضح أن كل الحلول التي طرحت والمبادرات كانت تفشل بسبب التطرف الإسرائيلي وعدم احترام الشرعية أو القانون الدولي.

وفيما يخص الحكومة الصهيونية الحالية أشار الرئيس إلى تعقيدات وعقبات كبيرة أمام العملية السلمية بسبب هذه الحكومة على وجه الخصوص وقال سيادته : " هل يمكن لدولة أعاقت حكوماتها علناً وسراً إمكانية التوصل لأي اتفاق خلال العملية السلمية منذ انطلاقها وهي اليوم تختار على قمة هرمها أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخها أن تكون شريكاً لنا في عملية السلام؟ ". إن مثل هكذا حكومات في اسرائيل تشعل الحرب وتوتر المنطقة ولا تساعد بمواقفها العدمية على إنجاح أي مباردة تجاه السلام ونبه سيادته إلى أننا نواجه خطر حرب وتوتير في المنطقة ربما تفرض تغييرات لابد أن نستعد لها برفع وتيرة التعاون بين بلداننا والتنبه لكافة الأخطار المحدقة بروح التحدي والعزة الوطنية والاعتداد بقيمة الإسلام كعقيدة أساسية طبعت الحضارة الإنسانية على امتداد قرون طويلة من الزمن. وفي ختام كلمته حض الدول المشاركة على جسر الهوة فيما بينها ورفع منسوب التشارك الاقتصادي والاهتمام بالتربية والتعليم وغير ذلك من عوامل القوة والنهوض بالمجتمعات الإسلامية ولم ينه الكلمة إلا وهو يعيد التأكيد على استقلالية القرار المستند لرؤية ذاتية وليست مفروضة من الخارج لاستخدامه بالشكل المناسب والتوقيت المناسب أيضاً.

Zead51@hotmail.com

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version