هنيئا لإيران بغزلها .. وهارد لك لتجار سلعة الإرهاب !!!

وفاء إسماعيل
* كتب الكاتب ربيع الحافظ  مقالا في جريدة (المصريون) : بتاريخ 21 – 5 – 2009م بعنوان (قناة السويس .. من ممر مائي دولي إلى بركة أسماك ) تناول فيه خطورة إعلان وزير النفط والثروة المعدنية السوري عن التباحث مع إيران حول النفط والغاز وسكك الحديد، وبناء أنبوب غاز ونفط من إيران (حقول الأحواز) عبر العراق إلى سورية فشواطئ البحر المتوسط، يؤمل تنفيذه في القريب العاجل ، وأوضح الأستاذ ربيع الحافظ ان (الإعلان ينسجم مع تقارير نشرتها صحيفة Asia Times المتميزة في الشؤون الإستراتيجية في 14 أغسطس 2003 تحدثت عن تغييرات استرايجية قادمة على المنطقة العربية ستغير وجهها اللوجستي (شبكة المواصلات).
كما حذر الكاتب من خطورة هذا المشروع من انه سيحدث ثورة في مجال المواصلات وانه لن يحيل قناة السويس من ممر مائي دولي إلى بركة لتربية الأسماك فقط، بل سيختزل المسافة من أوربا إلى آسيا من 16,129 كم إلى 6,245 كلم، والزمن بـ 10-12 يوماً على الأقل، والكلفة بـ 20%، منهية بذلك احتكاراً استراتيجياً لطريق المواصلات، وجاعلة الممرات المائية العربية طرقاً التفافية طويلة، ستتراجع أفضليتها الملاحية على المدى المتوسط بحسب توقعات المتخصصين…كما ربط في مقاله بين الاضطرابات الأمنية المتسارعة في اليمن، وإعلان تنظيم القاعدة الذي وصفه بأنه مخلب إيران في المنطقة ـ تأييده لانفصال الجنوب اليمني عن صنعاء، ما يعني انتقال السيناريو الصومالي إلى اليمن، وانفلات السواحل اليمنية الطويلة، وتعاظم القرصنة في القرن الإفريقي، وصولاً إلى استحالة الملاحة عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
 
* وهنا نستخلص الإجابة على أسئلة كثير من المهاجمين لإيران الذين انتقدوا دورها في العراق ومحاولاتها مد نفوذها به مستغلة حالة الفوضى التي لحقت بالعراق بعد الغزو الامريكى وتواجد قوات الحلفاء الغربيين به ، فالبعض برر محاولات مد نفوذها بأنه رغبة في نشر المذهب الشيعي الذي تدين به إيران ، والبعض الآخر برره بأنه رغبة في إحياء المشروع المجوسي ، أو رغبة في السيطرة على العراق وإلحاقه بالإمبراطورية الفارسية كما كان في عهود ما قبل الفتح العربي الاسلامى ، وهى كلها مبررات لا تستقيم مع أهداف إيران الرئيسية والتي تحقق مصالحها الذاتية الاقتصادية والعسكرية والسياسية بعيدا كل البعد عن توجهاتها العقائدية أوالمذهبية ، فهذا المشروع ليس بجديد بل هو إحياء  لمشروع ” كابنست ” الروسي الذي كان يهدف إلى مد خط سكك حديدية تصل البحر المتوسط بالخليج العربي ، والذي حصلت روسيا على امتياز تنفيذه من الدولة العثمانية في نهاية القرن 19 م في فترة الصراع الروسي – البريطاني حول منطقة الخليج العربي ، والذي فشلت روسيا في تحقيقه نظرا للظروف السياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت ولهذا تخلت عنه بمجرد توقيع تسوية (1907م ) التي تم بموجبها تقسيم بلاد فارس إلى 3 مناطق : شمال بلاد فارس يخضع لروسيا ، وجنوبه لبريطانيا والمنطقة الثالثة في الوسط اعتبروها منطقة محايدة تفصل بين النفوذين البريطاني والروسي ، تلك التسوية التي تمت بوساطة فرنسية أنهت هذا الصراع الروسي البريطاني  حول منطقة الخليج ، وتحول الصراع إلى تحالف سمى في ذلك الوقت بالوفاق الثلاثي الذي جمع ( بريطانيا ، فرنسا بروسيا ) .
 
* وإذا حصرنا دوافع إيران لإحياء هذا المشروع والاستفادة منه للوصول إلى البحر المتوسط مباشرة سنجد أن الدوافع تنحصر في الأسباب التالية:
1 - رغبة إيران في البروز بقوة في المنطقة كقوة إقليمية يعمل لها ألف حساب من قبل جيرانها ومن قبل الغرب الذي تصور دوما أنها لقمة سائغة يأتي عليها الدور بعد احتلال العراق وتدميره على إعتبار أن إيران جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تهدف أمريكا تحقيقه لصالح إسرائيل لفرض سيطرتها وهيمنتها على المنطقة وتكون اليد الطولي للغرب في المنطقة ، فأرادت إيران أن تقلب موازيين الغرب لصالحها وتتحول إلى لاعب اقليمى له الهيمنة والسيطرة على منطقة حيوية بإحياء مشروع “كابنست ” الذي يسمح لها السيطرة والهيمنة على منطقة تمتد من أراضيها في إيران مرورا بالعراق وسوريا لتخرج مباشرة إلى البحر المتوسط ، وفهمت إيران أن تنفيذ هذا المشروع يتطلب ربط علاقاتها بروسيا والهند ففعلت دون اى تردد ولم تنظر لروسيا على أنها المحتل القديم لأراضيها ولا للهند على أنها العدو اللدود لدولة إسلامية هي باكستان ، بل نظرت إلى مصالحها المشتركة مع تلك الدول التي ستكون سندا لها والداعم الأول لها لتحقيق مشاريعها .. فأمن إيران كما هو مرتبط بأمن جيرانها من العرب أيضا مرتبط بأمن دول كبرى مثل روسيا والهند وأيضا الصين .
 
2 - رغبة إيران في توحيد الجغرافيا التي اكتسبتها من العرب كما قال الكاتب ربيع الحافظ بالسكك الحديدية اقتداءا ببسمارك الذي وحد الولايات الألمانية أيضا بالسكك الحديدية ، ولكن إيران لم تنس أن مشروعها هذا بحاجة إلى قوة عسكرية تحميه من الانهيار على يد اسرئيل والغرب ، فكان إصرارها على امتلاك برنامجها النووي ، وتسليح نفسها بأسلحة الردع التي تمكنها من التصدي لاى هجوم محتمل ، ولهذا كان تحركها تجاه سوريا وحزب الله في لبنان وحماس في غزة اكتمالا لذات الهدف ، فلماذا نلوم على إيران التي تخطط من اجل تحقيق أهدافها ولا نلوم على من لا يجيد قراءة الخريطة الدولية والواقع المزري الذي وصلت إليه امتنا نتيجة جهل حكوماتنا بالجغرافيا والتاريخ ؟
* لقد أثار اعجابى مقال الكاتب ربيع الحافظ خاصة في نهاية مقاله الذي تساءل فيه السؤال الكبير: حول ماذا تدور مؤتمرات ما يسمى بالأمن العربي المشترك؟ هل سمعنا مسؤولاً عربياً يحذر من هذه التهديدات التي تلتف حول عنق الأمة كالإخطبوط؟ هل رأينا زعيماً عربياً يعيد ترتيب أولوياته، ويعبئ شعبه على أساس هذه المخاطر، بدلاً من الحرب الشبحية ضد ما يسمى بالإرهاب التي استنزفت الطاقات، وكبلت الأيادي، وكممت الأفواه، وشلت مؤسسات المجتمع؟ هل رأينا برنامجاً في فضائية عربية يناقش هذه الملفات الخطيرة بعمق، يغوص إلى جذورها ويتعقب مآلاتها؟ هل هذا طبيعي؟
وهى أسئلة مشروعة لجهات فقدت مشروعية وجودها بيننا بعد أن أدى وجودهم في سدة الحكم إلى تدمير العراق بتحالفهم الغير مبرر مع أمريكا والغرب ضد العراق (اى إن كان المبرر) لان النتيجة كانت في الصورة التي نراها اليوم ..أبواق تنبح بالتحذير والتهديد والوعيد من امتداد النفوذ الايرانى ، في الوقت الذي تناسوا فيه النفوذ الغربي – الصهيوني ، دون التطرق من قريب أو بعيد إلى الأطراف التي  سمحت  بامتداد النفوذ الايرانى في المنطقة العربية ، وأنها هي نفسها تلك الأصوات التي تحذرنا منه اليوم .. فلولا السماح بغزو العراق ، ومعاداة سوريا وحزب الله وحماس ما كانت استطاعت إيران مجرد التفكير في الوصول للبحر المتوسط عبر العراق وسوريا ، ولولا تحالف بعض الأنظمة العربية  مع إسرائيل وأمريكا ضد حزب الله وحماس ما قبل الاثنين الدعم الايرانى ، فكيف لنا أن نتجاهل دور مصر مثلا فى حصار غزة ولا تلوم عليها .. في الوقت الذي نلوم حماس أنها تلقت الدعم من دولة إسلامية عضو فى منظمة المؤتمر الاسلامى التي تعتبر بيت كل المسلمين ؟ وكيف نلوم تحالف سوريا مع إيران ولا نلوم الجهات التي كنت لها العداء وتخلت عنها وعن قضيتها فى الجولان ، وفى قضية المحكمة الدولية الخاصة بقتل الحريري ؟ إن العراق كان البوابة الشرقية لحماية كل العرب ولإحداث التوازن بينهم وبين ماخلفها وحائط صد لكل تحرك يطال الشعوب العربية ..وهاهم دمروا تلك البوابة  ..كما أن سوريا وحزب الله وحماس هم مثلث الضغط على إسرائيل والغرب ، وضمانة لاسترداد الحقوق العربية وللتصدى لمشروع إسرائيل الكبرى ..وهاهم العرب بجامعتهم الهزيلة لايشغلهم سوى إخضاع سوريا وحزب الله وحماس للعباءة الصهيونية وشروطها التي تهدف لشل كل يد ترفع سلاح بوجهها وتمنع توغلها وتقدمها وهيمنتها وسيطرتها على المنطقة ..وهاهم العرب ينعتون كل مقاوم للمشاريع الصهيو- أمريكية بالإرهاب .. أليس هذا كله نقاط ضعف استغلتها إيران لصالحها ؟.
 
* إن كل دولة فى العالم من حقها ان تخطط إستراتيجيتها وتحدد أهدافها لحماية نفسها من الأخطار ومن حقها ان تسعى لإيجاد البدائل التي تحمى أمنها واقتصادها وشعبها .. وتلك عقيدة كل الدول بينما نجد معظم الدول العربية فقدت القدرة على التخطيط ووضع الاستراتيجيات لأنها ببساطة دول اتكالية ربطت نفسها ومصالحها واقتصادها، وأمنها  بمصالح قوى امبريالية، توسعية، احتلالية ، عدوانية ، عنصرية فجلبت الخراب والدمار والفقر والجهل والمرض لشعوبها ورغم كل هذا نلقى تبعات أفعالنا على الغير ونستمر فى الشجب والإدانة والتحذير والتهديد والوعيد دون ان يكون لنا موقف ايجابي واحد يعلن بصراحة وبوضوح أننا امة باتت محاصرة بين مشروعين ، متصارعين ، مشروع ايرانى ومشروع غربي صهيوني ، وانه حان الوقت ليكون هناك مشروع عربي يتصدى للاثنين كما تصدت بريطانيا من قبل لمشروع روسيا “كابنست ” بالتحالف معها وان كانت الكرامة العربية تأبى التحالف مع دولة إسلامية فالكرامة العربية والعقيدة والأخلاق والقيم تأبى أيضا التحالف مع الغرب المتصهين الذي قتل وشرد منا الملايين ودمر بلداننا وحولها إلى خراب ..فأين هو المشروع العربى الذى يحل تلك المعادلة الصعبة ؟
سلعة مكافحة الإرهاب ..مكاسب مادية للأنظمة وسموم تتجرعها الشعوب !!!!
* دعونا نتعلم لغة المصالح المشتركة التي هي أساس المعاملات الدولية اليوم .. ونترك الاتكالية التي هي دليل عجزنا ونتعلم الاعتماد على أنفسنا وقدراتنا والنظر إلى الخريطة العربية بنظرة ثاقبة .. متأملين بواطن الخلل ونحاول علاجها بالعلم والمنطق بعيدا عن التشنجات المذهبية والطائفية واللعب بورقة الدين ، وبعيدا عن التشبث بالمصالح الشخصية الخاصة وان ننظر للصالح العام ومحاولة إنقاذ الأمة من الأوحال التى غرقت فيها نتيجة سياسات خاطئة قاتلة  ونجيب على أسئلة ملحة وضرورية :
* لماذا تركنا العراق نهبا للصوص والخونة والعملاء من كل صنف ولون وللمحتل يزرع فيه الخراب والدمار ؟ وأين دور العرب فى تخليصه من كل تلك الموبقات ؟ ولماذا لاندعم المقاومة العراقية ضد كل المشاريع الغربية والإيرانية بدلا من دعم المالكي وعصابته وإضفاء الشرعية على حكومته التى لا تأتمر إلا بأوامر أمريكية ؟ أليس الوقت الحالي فرصة للعرب ان كان هناك عرب لإجبار اوباما على الانسحاب كليا من العراق كما وعد دون تفريط فى شبر واحد من العراق تقام عليه قواعد أجنبية مهما كان الهدف من تواجدها ؟
 
* ولماذا ترك العرب الصومال نهشا للأساطيل الأمريكية التى تحاصر سواحله ، وللغرب الذى يلقى بنفاياته السامة فى مياهه المستباحة  دون رادع قانوني أو انسانى وتوجه أصابع الاتهام فقط للقراصنة الذين استثمروا غياب الدولة والقانون والأمن وغياب الدورالعربى لتحقيق مصالح ذاتية بحتة ؟ لماذا تركنا الصومال وهو بوابة مدخل البحر الأحمر يغرق فى حروبه الأهلية وصراعاته الداخلية على السلطة وتعجز 21 دولة عربية عن حل مشكلاته وعن إنقاذ ملايين من الصوماليين من القتل والتشرد ومجاعة فتكت بأجساد أطفاله ؟
* وماهو موقف العرب من اليمن ومعاناته فى ظل حكم ديكتاتوري ظالم دفع شعب الجنوب للكفر بالوحدة وبالقومية وبالعروبة ويطالب الآن بالانفصال وكان الانفصال بات غاية أو هدف لإنقاذ الشعوب من عبودية الطغاة ؟ ولماذا لا نعترف بان الفساد وحرمان الشعوب من حقوقها في اليمن هو السبب الرئيسي لمطالبة الجنوب بالانفصال ؟ 
 
* إن تخلى العرب عن كل تلك القضايا لهو سبب كاف ومبرر قوى لإيران لتنفيذ مشاريعها وتقوية نفوذها أمام ضعف النفوذ العربى لجذب الغرب إليها كقوة إستراتيجية يتعامل معها الغرب بندية على خلاف تعامله مع العرب على أنهم الحلقة أو الطرف الأضعف الذى يتلق الأوامر وينفذها دون اى تردد حفاظا على مكاسب مادية تتلقاها بعض الأنظمة العربية والإسلامية مقابل تسخير قواتها الأمنية وجيوشها تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب ” تلك السلعة التى تتاجر بها الأنظمة وتتجرع سمومها الشعوب .. وحروب وادي سوات خير دليل على ذلك .. فلغة الإرهاب فجأة ظهرت على لسان الأنظمة لتشير إليه في فلسطين والعراق ولبنان والصومال واليمن وباكستان بعد الحادي عشر من سبتمبر ، وفجأة استفادت منها أنظمة غير شرعية خافت على مناصبها وكراسيها ، وفجأة التقطت إيران الخيط لتغزل به ثوبا يحميها ودرعا يقيها .. فهنيئا لغزل إيران !!!!
 
Exit mobile version