أرشيف - غير مصنف

القاعدة العسكرية الفرنسية في الإمارات “إحتلال بإحتفال “

بقلم : فارس عبد الله*
الإعلان عن افتتاح القاعدة العسكرية الفرنسية, في دولة الإمارات العربية المتحدة هو احتلال ,ولو تم ذلك بأجواء غلبت عليها الاحتفالات ,وارتسمت خلالها الابتسامات وعلامات الرضا ,على المشاركين في هذا الحدث الكارثة ,على مصير الخليج ودوله ,والتي أصبحت تعج بالقواعد العسكرية الأجنبية ,في عودة لمرحلة الوصاية والانتداب ,والتي طلقتها الشعوب الحرة طلاقاً بائناً لا رجعة فيه.
 
رغم كل ما قيل عن هذه القاعدة العسكرية ,وما أطلق عليها من تسميات كقاعدة السلام ,هي قاعدة للحرب والعدوان والتجسس ,على شعوب المنطقة وكما أنها تشكل دعماً استراتيجياً للكيان الصهيوني ,رغم أنف كل عربي ومسلم من خلال عمليات التجسس والمراقبة ,وإرسال المعلومات الأمنية للكيان الصهيوني ,كما أنها سوف تقوم بالمشاركة في حصار المقاومة الفلسطينية ,ولقد سمعنا بعد انتهاء الحرب على غزة ,كيف أن الفرقاطة الفرنسية رست مقابل شواطئ غزة ,من أجل منع ما قيل عنه تهريباً للسلاح ,فلقد اتضحت سياسات فرنسا المنحازة للكيان الصهيوني ,في ظل ساركوزي ذو الأصول اليهودية وأن فرنسا قد خرجت من ثوب الاعتدال , الذي كان يصبغ السياسة الفرنسية في فترات سابقة, وهذا ما يفسر افتتاح أول قاعدة عسكرية ,خارج فرنسا منذ إنهاء أخر قواعدها, في المستعمرات الفرنسية قبل أكثر من خمسين عاماً , في تدشين سياسة خارجية فرنسية جديدة , تقوم على التدخل في شؤون الدول الأخرى عسكرياً ,والمساهمة في إرباك منطقة الخليج وزيادة التوتر فيها وزيادة حمى التسلح ,والمستفيد من ذلك شركات السلاح الأجنبية ومنها الفرنسية أيضا ,وفى هذا السياق يأتي توقيع العقد ببيع 63 طائرة ,مقاتلة فرنسية متطورة من طراز “رافيل” ,لأبوظبي فور افتتاح القاعدة في 26 مايو / أيار ,ونسأل لو كانت هذه الأسلحة موجه نحو تحرير القدس , هل كانت فرنسا والغرب , ستسمح ببيعها للدولة العربية؟! .
 
القاعدة العسكرية الفرنسية في الإمارات ,تبلغ مساحتها 12 هكتار، ويمتد رصيفها البحري بطول 300 متر ,وتتكون من ثلاثة مواقع هي قاعدة بحرية في ميناء أبوظبي، وقاعدة جوية بها قمر صناعي مجهز ,لتقديم الخدمات للطيران العسكري الفرنسي ,في قاعدة “الدفرة”، وأنها ستضم 6 طائرات من طراز ميراج 2000 ورافيل ، كما سيكون بها قمر صناعي آخر، سيتم افتتاحه في سبتمبر المقبل ، إضافة إلى معسكر للتدريب على القتال في المدن وفي المناطق الصحراوية ,وتضم أكثر من 600 عسكري فرنسي , وكما أن موقع القاعدة جغرافياً ,يشرف على مضيق هرمز ومقابل للأراضي الإيرانية , والتي تواجه خطر التهديد بالعدوان الصهيوني عليها في هذه الآونة , مع رفض الغرب والأمريكان لمجرد حيازتها للتقنية النووية ,وتنتظر الفرصة للانقاضاض عليها ,وإفشال وإيقاف برنامجها النووي , لما في ذلك خدمة واضحة للكيان الصهيوني ,الذي يشعر بالقلق من مجرد حيازة إيران السلاح النووي ,حيث أعرب أكثر من 30% من مستوطني الكيان الصهيوني ,رغبتهم بمغادرة فلسطين المحتلة ,لمجرد امتلاك إيران تلك التقنية ,التي انفردت بامتلاكها الدول العظمى.
 
مع كل ما قيل من مبررات ,وما سيق من حجج لاستدعاء احتلال خارجي, بأجواء احتفالية وكأنه عيد الثورة أو التحرير ,ومن يعرف طبيعة الإمارات يعلم جيداً ,أنها بالموافقة على إنشاء تلك القاعدة العسكرية ,قد أصبحت بشكل فعلي تحت الوصاية أو الاحتلال العسكري الفرنسي ,كما أن هذه الخطوة سوف تثقل العبء على منطقة الخليج ,عسكرياً وامنياً وتنموياً ,وان الأطراف الخارجية الطامعة في خيرات وثروات المنطقة ,ستعمل على زيادة التوتر في المنطقة ,التي هي الأحوج إلى الاستقرار والهدوء ,ولن يتم ذلك بدون الحوار والتوافق مع دول الخليج قاطبة ,والعمل على حل جميع الخلافات والحديث بصراحة ,عن كل التخوفات التي يمكن أن تظهر بين الفينة والأخرى ,وهذا وحدة كفيل بإزالة كل ما من شأنه تعكير صفو الأمن ,في المنطقة المراد لها أن تصل إلى حد الانفجار ,في كل الاتجاهات ويتم التركيز على العنصر الطائفي والمذهبي لهذا الغرض.
 
والملاحظ في هذه الوقت ارتفاع وتيرة ,الترهيب والتخويف لدول الخليج ,من الخطر الشيعي مع أن دول الخليج العربية نفسها ,هي من دعمت أمريكا مالياً ,وغطت جميع مصاريف الحرب على العراق ,من أجل تثبيت نظام حكم شيعي عليه من الشبهات والاتهامات ,ما هي كفيلة بقطع العلاقات معه ,إلا أننا نرى العكس حيث يستقبل رئيس الوزراء العراقي ,ووزير خارجيته في كل الاجتماعات العربية والخليجية ,وتقام العلاقات الدبلوماسية الكاملة معه, ولم يطرح أحد من دول الخليج الخطر الشيعي القادم من العراق ,هل هذا لأن أمريكا راضية وداعمة للنموذج الشيعي في العراق ؟! وإلا فان قلنا بالخطر الشيعي فانه يشمل كل من يعتقد بالمذهب الشيعي ,بما في ذلك نظام الحكم الشيعي ,الموالى للأمريكان بالعراق المحتل ,وإذا كان الخطر شيعياً ,فانه لا يتغير بتغير الزمان والمكان ,وهنا نسأل أليس هذا الخطر كان غائباً عندما كانت إيران ,تخضع لسطوة الشاه برعاية أمريكية ؟! ,وقد احتلت الجزر الإماراتية في عهده ,وقبل وصول الثورة الإسلامية إلى الحكم في إيران .
 
وإذا كان التخوف العربي من ازدياد قوة إيران ,المهددة أمريكياً وصهيونياً والمحاصرة , منذ قيام ثورتها ,أليس الأولى أن يتم التخوف من المفاعل النووي الصهيوني ,وامتلاك العدو الصهيوني أكثر من ما يزيد ,على 400 رأس نووي وقنبلة هيدروجينية, وهو الكيان الغاصب المحتل لبلد عربي ,ويمارس التدنيس للمقدسات الإسلامية ,وفى مقدمتها المسجد الأقصى المبارك ,قبلة المسلمين الأولى ومسرى رسولهم الكريم ,ومع ذلك ترى النظام العربي الرسمي ,يبادر نحوه بمؤشرات القبول به والتطبيع معه ,وتوافق جميع الدول العربية على المبادرة العربية للسلام ,وما فيها من تفريط بحقوق المسلمين في فلسطين, أليس إيران الجار القديم والمقيم الدائم , أولى من الكيان الطارئ الزائل بإذن الله ,بهكذا مبادرة عربية تنظم العلاقات وتدعم لغة الحوار والتعاون ,ويتم من خلالها إزالة الشكوك ووساوس الشيطان والأمريكان .
 
وتكمن خطورة التحريض المدعوم رسمياً ,وعلى شاشات التلفزة وصفحات الجرائد, أن المذاهب واعتناقها أصبحت ,هي من يحدد جهة ومصدر الخطر والتهديد ,إن استمرار تلك الحملات الإعلامية التحريضية ,يعرض المنطقة لحرب طائفية ضرورس ,المستفيد منها هو الأمريكي ومشروعه الاستيطاني في فلسطين المحتلة, الممثل بالكيان الصهيوني وهنا يقع على العلماء والمفكرين والحكماء ,التدخل من أجل تعديل مسار التوجهات السياسية, المرتبطة بالأهداف الخارجية ,والبعيدة كل البعد عن مصلحة ومستقبل المنطقة ,التي يجب أن تتمتع بعلاقات حسن جوار وتعاون ,لان الإسلام جمعنا تحت مظلته الكبيرة ,وإلا فان مستقبل المنطقة لا يبتعد عن حروب طائفية , تقتل وتدمر وتقضى على مستقبل أجيال المنطقة ,وتتبدل الأولويات عند الأمة ,ويصبح الصراع الداخلي أولوية لذا البعض ,ونساهم بذلك من حيث ندري أو لا ندري ,باستمرارية احتلال فلسطين ,وبيت المقدس التي تعتبر قضية المسلمين المركزية ,والتي يجب أن لا يغفل عنها المسلمين حكام ومحكومين.
 
كاتب وباحث فلسطيني
 

زر الذهاب إلى الأعلى