أرشيف - غير مصنف

«السر التقني» في كشف شبكات التجسس خطوط «برْمجها الموساد» نُشرت في معاقل «حزب الله» و«ترنّ» على الحدود

يكاد لا يمر يوم في بيروت الا وتتصدر اخبار شبكات التجسس لمصلحة اسرائيل الاحداث رغم طغيان الحملات الانتخابية الصاخبة على الحياة السياسية وتقاطعها مع عناوين اخرى لا تقل اثارة كالحراك الاقليمي وانفلونزا الخنازير وما شابه.
فمنذ نحو 50 يوماً قفز ملف شبكات التجسس وعلى نحو مفاجئ الى دائرة الضوء ثم كرت سبحة المتعاملين وتساقطت حباتها الواحدة تلو الاخرى، في تطور «يومي» لم يخل من الاثارة مع الاعلان عن توقيف نحو 50 شخصاً حتى الآن.
اول «الخيط» كان مع العميد المتقاعد في الامن العام اديب العلم ولم يكن آخر السلسلة العقيد «اللامع» في الجيش منصور دياب، وبينهما عشرات الاسماء المتفاوتة في تورطها وأدوارها التي تراوح بين التنفيذية وجمع المعلومات والرصد.
غير انه وكعادة كل «القضايا» في بيروت غالباً ما تختلط الحقائق بالاشاعات ويدخل السياسي على خط الامني، الامر الذي يزيد من مصاعب معرفة الخيط الابيض من الاسود في المسائل المطروحة، فكيف اذا كان الامر يرتبط بشبكات التجسس.
مصادر معنية بهذا الملف، قالت لـ «الراي» ان ثمة اسباباً مهمة ساهمت في كشف شبكات التجسس بعضها سياسي – امني وبعضها الآخر تقني، فالتعاون الذي استجد بين فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي وأجهزة الامن التابعة لـ «حزب الله»، اضافة الى مخابرات الجيش مكّن من تحقيق هذا الانجاز «فعندما تغير الجو السياسي تغيّرت الوظائف وبدأ التعاون بين أمن الحزب وفرع المعلومات».
وفي تقدير تلك المصادر «ان في لبنان نحو خمسة آلاف من المتورطين في شبكات تجسس لمصلحة اسرائيل، وما اكتشف حتى الآن لا يشكل سوى رأس جبل الجليد»، لافتة الى ان بعض الشبكات تحت المراقبة وتوقيفها رهن باستكمال الأدلة»، ومشيرة الى ان الاجواء السياسية والتعاون بين الأجهزة باتا يوفران المناخ الملائم للمضي قدماً في هذا الملف الخطر.
غير ان المصادر عينها قللت من فعالية تلك الشبكات بدليل «انها كانت موجودة خلال حرب يوليو 2006 واستنفذت اسرائيل كل بنك اهدافها من دون ان تنجح في إلحاق اي ضربة موجعة بالمقاومة وحزبها، حتى انها – اي اسرائيل – اضطرت للقيام باعتداءات خبط عشواء عبر استهداف المراكز المدنية، موضحة انه لم يسجّل مقتل اي كادر في المقاومة، ورغم انه دُمرت بعض المكاتب لكن العدد الاكبر لم يدمر، في وقت كانت اسرائيل تستعين بالـ «M.K» وسواها. وهذا يعني – في رأي المصادر المعنية – ان ضرر تلك الشبكات كان محدوداً، ربما بسبب تحوط المقاومة.
وعندما تسألها عن اغتيال بعض المسؤولين في «حزب الله» علي حسن ديب وعلي صالح وغالب عوالي، تقول المصادر «ان هؤلاء كانوا كوادر عاديين وحركتهم الامنية كانت عادية وليست مموهة، فهم ليسوا من الكوادر الاساسية ولا هم عماد مغنية، لذا فان الوصول اليهم لم يشكل خرقاً من النوع غير العادي».
لكن ماذا عن «السر» الاكثر اثارة الذي قاد الى اكتشاف شبكات التجسس؟
رغم ان المصادر المعنية بدت متحفظة في كشف ما اشيع عن «سر تقني»، فانها تحدثت عن وجود نحو ألف خط خليوي اشتراها عملاء اسرائيل، وهي من بطاقات شركتي الهاتف الخليوي في لبنان «ألفا» و«أم. تي. سي» وتم نشرها في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي الجنوب، اي في المعاقل الرئيسية لـ «حزب الله» بعدما كان اخضعها الاسرائيليون لبرمجة بتقنية عالية عبر برنامج حاسوبي (SOFTWARE) بما يجعل انه كلما تلقى احد هذه الخطوط اتصالاً، «يرّن» عند الاسرائيليين على الحدود حيث يتجاوز الارسال اللبناني لأمتار، ما يتيح لهم رصد المكالمات ومن ثم غربلة «المهم» منها وإخضاعه للرصد والرقابة.
وقالت المصادر عينها ان نشر هذه الخطوط في مناطق وجود «حزب الله» كان القصد منه تسريبها في شكل عشوائي علّه يتم شراؤها من كوادر من «حزب الله» وعائلاتهم، كاشفة عن انه تم العثور على 200 من هذه الخطوط «المنسوخة» مع العميد اديب العلم الذي كان اوقف في العاشر من ابريل الماضي، مشيرة الى ان الاجهزة الامنية نجحت في كشف هذه الخطوط عبر «الذبذبات» حيث تمت العودة الى كل الاتصالات التي اجريت عبر هذه الخطوط التي استخدمها بعض المتعاملون وتحليلها.
واللافت ان في موازاة هذا الانجاز الامني جرت محاولات لـ «تشويهه» عبر رمي اشاعات مريبة عن تورط سياسيين واعلاميين ورجال دين في عمليات التجسس وهو الامر الذي نفاه في شدّة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، الذي قال في تصريحات له نشرت امس في بيروت «هذا الكلام مرتبط بأجواء انتخابية وهو يرتدي طابع المبالغة وبالتالي ليست هناك شخصيات سياسية او اعلامية او دينية ذات صلة بهذه الشبكات. ولبنان الذي يشهد تطورا غير مسبوق في الصراع العربي – الاسرائيلي وجّه ضربة قوية الى اسرائيل التي من مصلحتها ان تظهره مجتمعا منهارا فيما هو في الواقع مجتمع قوي صامد برجاله. وكل ما في الامر ان هناك ما بين 30 و35 موقوفاً من اصل أربعة ملايين هم عدد سكان هذا الوطن».
ورداً على سؤال، قال: أياً كان مصدر الاشاعات، فهو مشبوه وهدفه الإساءة، وأكرر لا يجوز ان نسمح لأحد ان يدخل قضية وطنية بزواريب اللعبة السياسية والانتخابية، وليس في التحقيق أي شيء من هذا القبيل، لا لشخصية سياسية أو إعلامية او روحية ودينية أو غير ذلك، لدينا عدد محدود من الموقوفين وقد سبق وتم الإعلان عنهم.
اما قيادة الجيش فوزّعت نشرة توجيهية على العسكريين، عنوانها «خطر التجسس الإسرائيلي»، ذكرت فيها: «إذا كان حجم الاختراق الإسرائيلي يبدو واسعاً إلا أن عدم كشف شبكاته ومحاسبة أفرادها، كان سيضاعف من خطره، كما كان سيطلق اليد الإسرائيلية للعبث بأمننا واستقرارنا ووحدتنا الوطنية (…) ومما لا شك فيه أن المناخ السياسي غير المستقر الذي عرفه لبنان في فترة من الفترات، شكّل بيئة صالحة أمام العدو للنفاذ إلى الداخل. إلاّ أنّ الحالات المذكورة تصبح عديمة الجدوى ما لم يتوافر لها بعض ضعاف النفوس الذين يتم تجنيدهم تحت تأثير الإغراءات المادية حيناً، والجنسية حيناً آخر، ما قد يؤدي إلى علاقات مشبوهة، يهددهم العدو بعدها بفضح أمرهم إذا توانوا عن تقديم الخدمات إليه. ويغيب عن بال هؤلاء أن العدو، في اعتماده على المكاسب التي يحققها بواسطتهم، لا يميّز في القتل بين عائلة العميل والعائلات الأخرى، ولا يفرّق في القصف والتدمير بين بيوت اللبنانيين جميعاً. وهو، مهما قدم لعملائه من خدمات شخصية، فإنهم لن يكونوا في نظره إلاّ خونة لا خير فيهم لا لوطنهم ولا لمجتمعهم ولا لأهلهم.
وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر ادعى امس على الموقوف زياد احمد الحمصي رئيس بلدية سعدنايل السابق في جرم التعامل مع العدو الاسرائيلي ودس الدسائس لديه ومعاونته على فوز قواته واعطاء معلومات عن مواقع مدنية وعسكرية وشخصيات سياسية وحزبية، سندا الى المواد 274 – 275 – 278 عقوبات.
واحاله على قاضي التحقيق العسكري الاول رشيد مزهر طالبا اصدار مذكرة وجاهية بتوقيفه.
كذلك ادعى القاضي صقر على العميد المتقاعد في «جيش تحرير فلسطين» الموقوف زياد خليل السعدي – لبناني من بلدة شبعا، وعلى امال شعيب وجورج حداد في الجرائم عينها سندا الى المواد التي تنص عقوبتها القصوى على الاعدام.
واحال الموقوفون مع الملف على قاضي التحقيق العسكري الاول طالبا اصدار مذكرة وجاهية بتوقيفهم.
 

زر الذهاب إلى الأعلى