جريمة قلقيلية .. قراءة في مواقف الفصائل الفلسطينية
بقلم: فارس عبد الله*
أن جريمة قلقيلية ببشاعتها واستهدافها المباشر للمقاومة, ومجاهديها ومع أزيز رصاص أجهزة أمن السلطة ,الذي انغرس بكل حقد وإصرار ,في صدور المجاهدين السمان وياسين والباشا ,اتضحت السياسات التي توغلت فيها سلطة رام الله ,وحكومتها اللاشرعية بقيادة سلام فياض ,ذلك المستقل اسماً والمرتبط بالعمق بالأجندة الأمريكية والصهيونية ,ومن الطبيعي أن هذا الطارئ على المشروع الوطني ,يرى في قتل المجاهدين واجباً وطنياً ,ولن يعتذر للشعب الفلسطيني على الولوج في النفق المظلم ,الذي تحفره أظافر الشيطان دايتون بقوة ,وبمشاركة بعض الفلسطينيين وفى اعتقادهم أن الساحة ,في ظل الانقسام ملائمة للانقضاض على المقاومة ,والإسراع في سحب سلاحها ,وقتل المقاومين وإعدامهم تساوقاً مع المشاريع الخارجية ,في ضرب نقاط قوة الشعب الفلسطيني.
وفى ظل حالة عدم الاتزان ,عند بعض الفصائل الفلسطينية ستجد من يحاول القول, بأن ما حدث هو تداعيات للمشكل الداخلي ,وأن ما جرى هو أحد إفرازات الانقسام ,إلا أن فجاعة الجريمة وقسوتها وخطورتها على برنامج المقاومة, وهي السبيل الوحيد للشعب الفلسطيني في ظل استمرار العدوان الصهيوني ,بمختلف أشكاله على الأرض والإنسان والمقدسات في فلسطين المحتلة , قد جعلت من لبس ثوب الحيادية نوعاً من الاستخفاف ,بعقول الناس وهروباً إلى منطقة اللاوجود واللاموقف ,وهذا لا يستقيم مع حالتنا الجماهيرية المتفاعلة مع الأحداث والقارئة الجيدة للوقائع ,لذا تجد أن هناك من الفصائل التي تقترب شكلاً ,من تيار المقاومة أو كان لها تاريخاً نضالياً في زمن سابق ,وتحاول أن تتمسح بالمقاومة في أوقات المزاودة ,وتختفي عند لحظات المواجهة الحقيقية ,أو قول كلمة الحق في برنامج التنسيق الأمني ,قد يكون هناك عوامل متعددة لهذه المواقف ,منها الخوف على الميزانيات التي تصرف من السلطة والمنظمة لهذا الفصائل ,أو قد يكون هناك خلافاً فكرياً وعقائدياً مع مجمل فصائل المقاومة ,المتقدمة بالفعل المقاوم والحضور السياسي الممانع ,والمحافظ على الحقوق وفى مجملها ذات مرجع إسلامي ,فترى بعض الفصائل اليسارية , يصور نفسه انه فصيل المقاومة الأول , بل في لحظات يزاود في المواقف على رأس الحربة في المقاومة , ثم لا يجد حرجاً بالمشاركة في حكومة التنسيق الأمني , التي تشن حربها بدعم صهيوأمريكي على المقاومة ,وهذا حال الجبهة الديمقراطية وان ساقت المبررات الواهية, فان العورة السياسية أكبر في قبحها , من أن تستر بالكلمات والمواقف الهلامية.
لقد كانت مواقف فصائل المقاومة وتصريحات قياداتها , تستشعر الخطر على المقاومة التي تعتبر أهم عوامل الوحدة الفلسطينية ,وأن جريمة قلقيلية وما سبقها من إجراءات قمعية ومطاردات يومية ,لرجال المقاومة في الضفة المحتلة ,في إطار مشروع خارطة الطريق ورافدها الأساسي التنسيق الأمني ,وتبادل المعلومات الأمنية والمشاركة في المهمات القمعية للمقاومة ,وتسهيل تنقل قوات أمن السلطة عبر الحواجز الصهيونية ,التي تقطع أوصال الضفة وتشكل عائقاً أمام حركة المواطنين ,وهذا ما حدث في قلقيلية عندما رفعت الحواجز من أجل وصول اكبر عدد ,من قوات السلطة للمدينة للمشاركة ,في حفلة إعدام المجاهدين بالإضافة إلى اتخاذ العدو الصهيوني , من الاحتياطات ما استدعى محاصرة قلقيلية ,بقوة صهيونية كبيرة.
الجهاد الإسلامي تعرضت قواعده في الضفة المحتلة , للمطاردة ومقاوميه للاختطاف في ظل تطبيق خارطة الطريق ,ولقد أوضح “أبو القسام” أحد قادة الجهاد الإسلامي في شمال الضفة، في تصريح صحفي بتاريخ 31/5 وعقب جريمة قلقيلية ” أن عملية محاصرة قيادات من كتائب القسام في قلقيلية ,إنما ينّم عن عمليات التنسيق الأمني الواسعة ,التي تجريها أجهزة السلطة لمحاربة المقاومة ,بالتنسيق الكامل مع مختلف أجهزة الأمن الصهيونية ,التي تعمل في ذات السياق للقضاء علي المقاومة ,وتجريدها من السلاح وأضاف “أبو القسام” أن عملية قلقيلية ,لم تكن الأولي من نوعها، وأن مناطق مختلفة من الضفة شهدت عمليات واشتباكات بين مقاتلين , وعناصر أجهزة السلطة كما حصل مرات عديدة , مع القيادي بسرايا القدس علاء أبو الرب ,وعدد من مقاتلي الجهاد وحماس في جنين ,ومناطق مختلفة وأنها لم تأخذ البعد الإعلامي المطلوب ,لسرعة العمليات التي كانت غالبيتها تفشل”.
وفى نفس المضمون جاء البيان المركزي ,لحركة الجهاد الإسلامي بتاريخ 31/5 أيضاً والذي وصف جريمة قلقيلية أنها نتاج لسياسات ,وممارسات خاطئة مارستها السلطة وأجهزتها ,وتطبيق حرفي لخطة خارطة الطريق ,التي يشرف عليها قادة أمريكان وصهاينة, وكشفت حركة الجهاد في بيانها بأن الأجهزة الأمنية ,سلحت وتدربت وأنفق عليها بإشراف صهيوني أمريكي مشترك ,أريد منها أن تقف في وجه المقاومة ,تطبيقاً لخطة خارطة الطريق ,إلا حركة الجهاد كما قال البيان ,كانت تراهن دوماً على أن تخرج القيادات الوطنية والحكيمة ,لترفض هذا الدور الذي يطلب من أجهزة أمن السلطة القيام به.
لجان المقاومة الشعبية كان لها ذات الموقف ,من حيث رفضها للتنسيق الأمني ومحاربة المقاومة ,معتبره أن ملاحقة وقتل المقاومين جريمة خيانة عظمى ,الشيخ أبو إبراهيم القيسي القيادي في لجان المقاومة الشعبية ,مؤكداً في تصريح صحفي بتاريخ 31/5 بعد وقوع فاجعة قلقيلية ,أن ما حدث هو النذير لمرحلة قادمة أخطر ,يراد منها القضاء على المقاومة تحت غطاءات مختلفة ,و ذرائع غير واقعية فحصار غزة و ملاحقة المقاومة في الضفة ,هي مسارات متلازمة تهدف لإضعاف المقاومة الفلسطينية ,و إنهاك قواها و إشغالها عن المشروع الصهيوني ,الذي يتقدم نحو القدس و نحو ما تبقى من أراض في الضفة, واعتبر أبو إبراهيم , إن دعم الرباعية الدولية مسموم ,لأن من أبرز استحقاقاته أن تلعب السلطة دور الحارس الأمني ,على دولة الاحتلال ,فهل تأكل الحرة من ثدييها ؟ و هل يأكل الحر من دماء أخيه ؟ و الله إن الموت جوعا لأرحم مما نرى ؟.
كما كان للناطق الرسمي للجان المقاومة الشعبية ,أبو مجاهد تصريحاً اتهم فيه الأجهزة الأمنية ,بأنها بهذه الجرائم أصبحت الوكيل للعدو الصهيوني ,في حربه على المقاومة الفلسطينية ,ومطاردتها وسحب سلاحها ,وصولاً إلى اغتيال مجاهديها بدماً بارد ,كما حدث في قلقيلية ,وأضاف أبو مجاهد بأنه لا يمكن القبول ,بمنح شرعية لأجهزة تعمل وفقاً لأجندة صهيونية أمريكية ,تحارب المقاومة ورجالها في ظل واقع الاحتلال بالضفة المستباحة.
وهناك مواقف أخرى لفصائل المقاومة ,وصلت إلى حد وصف أجهزة أمن عباس بنها جيش لحد ,كما جاء في بيان الجبهة الشعبية القيادة العامة ,رداً على جريمة قلقيلية ,وكذلك الجبهة الشعبية اعتبرت ,في بيان لمكتبها السياسي بتاريخ 31/5 أن ملاحقة المقاومة والمقاومين ,ومعها كل أشكال ومضامين التنسيق والتعاون الأمني ,مع أجهزة الاحتلال المجرم ودعت للتوقف الفوري ,عن هذه السياسة وتنحية رموزها ,وأضف إلى ذلك مواقف التشكيلات العسكرية ,لكتائب شهداء الأقصى مجموعات عماد مغنية ,وشرفاء فتح وفى جميعها تفرض سياسة السلطة في قمع المقاومة ,وتصفها بأنها ذات أجندة لا تخدم الصالح الفلسطيني العام.
أمام هذه التصريحات من الفصائل الفلسطينية المقاومة ,حيث استثنى المقال موقف حركة حماس ,باعتباره موقفاً واضحاً وأن حماس طرفاً مباشراً ,وقعت عليه الجريمة وان مقاتليها هم الضحية ,من هذا الاستهداف نجد أن معظم الفصائل الفلسطينية ,قد كان لها من القول في الأجهزة الأمنية في الضفة ,وما تقوم عليه من تنفيذ لخارطة الطريق واستحقاقها حرباً على المقاومة ,وملاحقتها والقضاء عليها وتبتعد بذلك عن المشروع الوطني ,باعتبار أن الوصاية على هذه الأجهزة للأمريكي والصهيوني ,وان التمويل والتدريب والتسليح والرعاية والحماية ,موفرة لها طالما بقيت على نفس المهمة في حربها المستمرة ,على المقاومة ورجالها في الضفة ,حتى أصبح المقاوم بين جيشين وقل عدوين ,عدواً أصيل وأخر تابع يتناوبون ,على ملاحقته ومحاولات الإجهاز عليه.
وأمام هذا الواقع الكارثي ,لماذا لا يكون هناك موقفاً حازماً ,من هذه السياسات والقيام بتعرية أصحابها , بشكل علني بعد إمعانهم ومجاهرتهم بالاستمرار بهكذا جرائم ؟! وهل يعقل أن تسكت الفصائل على قول كلمة الحق في أجهزة يقودها دايتون , تطارد وتقتل أبنائهم خوفاً على الوحدة المزعومة ؟! وهل تكون الوحدة مع من يسفه الشهداء ,ويحارب المقاومة ويستهزأ بثقافتها ؟! الوحدة تكون على البرامج الوطنية الموحدة ,وطالما تمسك فريق التسوية ببرنامجه ,وراهن على العدو وحلفائه الأمريكان ,فلا خير يرتجى منه ويقع على فريق المقاومة ,تعزيز وحدة والتوافق على أولوياته ,لإدارة الصراع مع المحتل الصهيوني.
إن الحرب في الضفة المحتلة ليس على حماس ,بل هي على كلمة المقاومة و أن استغلال البعض الانقسام الفلسطيني ,الحاصل طبيعياً في ظل تناقض البرامج ,وتطرف فريق التسوية في تبني شروط الرباعية ,وفرضها على فصائل المقاومة يستدعى إقرار برنامجاً وطنياً تتلاقى فيه ,كل القوى المؤمنة بالمقاومة من أحل تصويب المسار ,وعدم شرعنه التبعية للاحتلال , في ظل المواقف غير الحازم مع فريق التنسيق الأمني وسلطته من قبل بعض فصائل المقاومة ,كما يجب على البقية من الوطنيين والشرفاء في حركة فتح ,أن يستعيدوا زمام المبادرة في حركة التصحيح للمسار ,الذي يحاول البعض حشر حركة فتح فيه ,أو يتخذها غطاء وستار من أجل تنفيذ مشاريع ,تتنافى وأبجديات القضية الوطنية ,وليكن معلوماً أن لا حركة وطنية مرتبطة بعلاقات مع المحتل ,أو في حالة انسجام معه ,وأن الحالة الطبيعية أن يكون ,الكل الفلسطيني داعماً للمقاومة رافضاً للاحتلال ,لأننا لازلنا في مرحلة التحرر ومرحلة المقاومة ,مرحلة توحيد الجهود في مواجهة العدو ,وأن مكونات ومتطلبات هذه المرحلة ,لا يمكن أن تتلاقى وما هو عليه حال سلطة التنسيق الأمني ,التي تحتاج إلى دراسة وضعها القانوني والوطني والأخلاقي ,وتحديد طبيعة العلاقة معها بشكل ,يقطع حالة الارتهان للمشاريع التصفوية للقضية ,وان على الفصائل مجتمعة تقوية جبهة المقاومة ,سياسياً وعسكرياً وجماهيرياً وهذا ما تحتاجه القضية ,وهذا ما يجب التفرغ فلسطينياً لتحقيقه ,لما فيه من مصلحة مؤكدة للقضية والشعب .
كاتب وباحث فلسطيني