أرشيف - غير مصنف
دروس من الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت
محمد تامالت
لندن
انتهى فصل آخر من فصول الصراع بين العائلة الحاكمة والبرلمان في الكويت يشبه مع فوارق الحدة والالتهاب فصول الصراع التي كان يدور قبل قرون بين الملكية والبرلمان البريطاني، انتهى بانتصار مؤقت للحكومة وهزيمة مؤقتة كذلك للتيار السلفي-الإخواني وأصحاب النزعات القبلية.
الانتصار في هذه الإنتخابات هو انتصار عائلة ملكية تحكم البلد وفق نظام لا هو ملكي مطلق الصلاحيات ولا هو برلماني صرف، نظام أميري يتعايش مع “أحزاب سياسية غير معلنة” علاقتها مع العائلة الحاكمة تتراوح بين الشد والجذب. وتلك علاقة تتأثر خصوصا بالظروف الدولية العالمية والإقليمية، فإذا أمطرت السماء في بغداد أو الرياض أو طهران أو حتى في واشنطن حمل سياسيو الكويت مظلاتهم
ولو كانت ظروف الكويت وموقعها وصغر حجمها الذي لا يتعارض مع أهميتها غير ظروفها وموقعها وحجمها وأهميتها اليوم لكان من السهل وضع وصفة علاج سهلة تشبه الوصفات التي اعتمدتها باقي الملكيات التقليدية والملكيات الجمهورية من برلمانات معينة أو منتخبة صوريا ومن ديمقراطيات زائفة. كما أن هذا البلد لو لم يقطع كل تلك الأشواط الجبارة (على نقائصها) في مجالي حرية التعبير والتمثيل الشعبي لكان الركون إلى خيار الحكم الملكي المطلق أسهل عليه؛ أقول إنه أسهل ولا أقول إنه سهل، بالنظر إلى أن الضغوط في الداخل والخارج دفعت دول الخليج الأخرى إلى الشروع في اصلاحات بعضها صادق والبعض الآخر تحايلي لإشعار من يجب إشعاره بأن هنالك ديمقراطية ناشئة فيها
واليوم وكل المخاطر التي تحيط بالكويت من كونها اغراء بتروليا كبيرا للقوى العملاقة في المنطقة أو خارجها ومن وجود صراع خفي بين طائفتيها السنية والشيعية ومن تأثر بعض مواطنيها منذ الستينيات بالأفكار القومية والأصولية واليسارية؛ وكذلك، وهذا أهم شيئ، من عدم توصلها لحل حاسم ومقنع لمشكلة سكانها البدون وكذلك لمشكلة اختلال التوازن بين مواطنيها وبين القاطنين فيها من غير المواطنين. اليوم وكل هذه المخاطر تحدق بالدولة ينبغي التفكير في حلول عاجلة وتوافقية وحكيمة لأزمات مستقبلية لا يمنعها اليوم إلا حجم الثروة البترولية الكبير الذي يعطي الدولة هامشا أكبر للسيطرة على الوضع
وإذا كان منطق العائلة الحاكمة في تعاملها مع البرلمانيين أو رؤوس القبائل مفهوما من منطلق أن لكل طرف من الجانبين مصالحه التي يدافع عنها والتي قد يُسبقها أحيانا على مصالح عموم الشعب الكويتي، فإنه ينبغي ألا تستمر العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة توتر وريبة وحروب غير معلنة وإلا تكررت سيناريوهات سقوط الملكيات العربية في الخمسينيات والتي كان أخفها سيناريو مصر وأبشعها سيناريو العراق. فللأمير حق التعامل المباشر مع شعبه دون الوقوع رهينة للبرلمان أو لوجهاء القبائل وله أن يمنع قيام التكتلات السياسية على الاستغلال المصلحي للدين أو تحريف معنى الديمقراطية بفرض مرشحين منتخبين سلفا في اقتراعات قبلية يمارس فيها الترهيب والترغيب لكن عليه ألا يستمع للمنتفعين الذين تقوده نصائحهم للهاوية، نصائح مثل تجاوز التمثيل الشعبي والاستفادة من الجو العالمي الذي نشأ بعد أحداث سبتمبر وغزو العراق والذي تغلب عليه مظاهر التسامح مع الدكتاتوريات والتغاضي (المؤقت) عن أخطائها، تغاض يشبه ما كان يحدث مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه الله
إن الحوار المباشر مع الشعب والإستماع إليه وتشجيعه على قول كلمة الحق والمساهمة في صنع القرار بالإضافة إلى فتح المجال واسعا لتمثيل محلي أقرب إلى الشعب من التمثيل البرلماني يحمي الكويت وشعبها ومعها نظامه القائم من أي هزات قد تكون مميتة. كما أن التعويل على الصراعات الطائفية أو حتى الجنسية (تشجيع السلفية-الإخوانية أحيانا ثم دعم الإمامية الشيعية أحيانا أخرى أو تشجيع الرجال والنساء على التصويت لبني وبنات جنسهم)، كل تلك حلول جيدة لإطالة عمر العائلة الحاكمة لكنها حلول خطيرة لا تظهر أعراضها إلا بعد عقود فإن ظهرت انفجر الوضع بما لا يمكن استدراكه