د.مدين حمية
الاستراتيجيا وكل ما يبتدعه العقل الانساني من فنون القتال وخطط الحروب، كلها تشكل المحرك الأساس للجيوش في ميدان المعارك، ومعيار نجاح الخطط والفنون الحربية، إما أن تؤد إلى الإنتصار أو الهزيمة.
الآن ثمة مؤشرات على أن هنالك إستعدادات ميدانية لخوض منازلات كبيرة، بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة، وبين إيران وحلفاءها من جهة أُخرى، وهناك من يتطلع إلى اقتراب المنازلة وعلى ضوء نتائجها يحدد مساراته. لا سيما على صعيد العديد من دول المنطقة.
وإذ كانت المنازلة واقعة لا محالة، لا بد من بعض التساؤولات الموضوعية لتحديد زمان هذه المنازلة. علماً أن كل طرف على دراية بالخطط والتجهيزات والإمكانيات العسكرية للطرف الآخر، لكن هناك قطبة مخفية لا يدركها الأميركيون، وهي، إذا ما كانت إيران تمتلك صواريخ ذات رؤوس نووية قد تكون حصلت عليها بعد إنهيار الجدار السوفييتي. وهذا يعني أن الإصطدام بين الجانبين قد يكون مؤجلاً، إلا إذا قامت “إسرائيل” بعمل ما ضد إيران واستدرجت أميركا.
ثمة نقاط قد نتوصل من خلالها إلى إدارك حقيقة الأمور..
تفيد المعلومات أن “إسرائيل” قامت بتجهيز أكثر من خمسين موقعاً لإطلاق الصواريخ البالستية وأن الصواريخ أصبحت معّدة للإطلاق. وأن عدداً من الغواصات النووية الإسرائيلية متواجدة الآن بالقرب من إيران.
القواعد الأمريكية المحيطة بإيران باتت مهيأة للحرب، كما الغواصات النووية الأمريكية والفرنسية والبريطانية والأساطيل البحرية العسكرية المتواجدة مقابل إيران في حالة استعداد للحرب.
صواريخ الباتريوت المزروعة في قطر والبحرين والكويت والسعودية ومصر والعراق والأردن وأخرها الكيان الصهيوني.
يعتقد المراقبون أن خطاب المهادنة الذي يعتمده أوباما حيال إيران ربما يكون خدعة تسبق قرار الحرب، وذلك في محاولة لاحتواء أية اثار فظيعة، كتلك التي حلت بالقيادة العسكرية الأمريكية جراء الحرب على أفغانستان والعراق ولبنان وما يجري الأن في باكستان.
يرى المراقبون أن الحسم الروسي في جورجيا كان بمثابة رسالة للغرب، لكن هذا لا يلغي أن الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة أمام مشكلات كبيرة، منها الدور السوري في المنطقة وحلفه الإستراتيجي مع إيران، التمدد الأصولي الأسلامي، قوة حزب الله في لبنان الذي أصبح بدوره سيف مسلط على “إسرائيل”.
عدم الإنتهاء من إقامة القاعدة الأكبر للقوات الأمريكية في الأردن (جبل المريشح) الذي سيجهز أيضا بصواريخ بالستية.
عدم الإنتهاء من بناء القاعدة النووية الأمريكية في إريتريا.
المصاعب المتفاعلة مع كوريا الشمالية.
بناء على ما تقدم يمكن استخلاص الآتي:
تضع إيران القواعد الأميركية المتواجدة في المنطقة كأهداف عسكرية، في حين يشكل تواجد الغواصات النووية محور رصد كبير من قبل إيران. وفي المقابل تدرك واشنطن حجم القوة الصاروخية التي تمتلكها ايران، وتعلم جيداً بأن الصواريخ الايرانية قادرة على تدمير معظم القواعد الأمريكية بما فيها القواعد العسكرية العربية والإسرائيلية. كما وتدرك واشنطن اللجوؤ إلى حرب برية ضد ايران ستكون له عواقب وخيمة.
إذاً ما هو السنياريو الذي قد يحدث؟
هنالك سيناريو واحد فقط لا غير وهي ضربة نووية محدودة لبعض المدن الإيرانية، وهو شل القدرة العسكرية للقوات الإيرانية، لكن هذا السيناريو مستبعد نتيجة احتمال امتلاك إيران صواريخ نووية قادرة على ضرب أوروبا والبلاد العربية، ولذلك، لن تقدم أميركا وحلفائها على عمل غبي كهذا وهي تعلم بأنه يرتد بكارثة إنسانية قد تفوق كارثة الحرب العالميتين الأولى والثانية.
وإذا كان قرار الحرب على ايران أمراً مستبعداً، فهذا لا عدم وجود سيناريو بديل، فقد تشن الحرب على النفوذ الايراني في المنطقة، أي ضد ما تسميه أميركا واسرائيل أذرعاً ايرانية في لبنان وفلسطين وسوريا. وفي طليعة القوى المستهدفة حزب الله في لبنان.
ليس خافياً أن هناك حملة كبيرة تشن ضد حزب الله، وهي بدأت في الاعتداء على سلاح الاشارة في لبنان في 5 ايار 2008، ومن ثم بما سمي “خلية” حزب الله في مصر، إلى تقرير مجلة دير شبيغل الألمانية إلى التقرير الإعلامي عن اكتشاف “خلية” لحزب الله في اذربيجان. ما يعني ان حزب الله مُعرض لهجوم أممي من قبل الغرب، وقد تكون “اليونيفيل” واحدة من أدوات هذا الهجوم، إذ يتم وضعها بسرعة البرق تحت أُمرة حلف الناتو فتصبح قوات اطلسية، وذلك تكراراً لسيناريو 1982الإجتياح وقوات متعددة الجنسيات، وهذه ربما تكون نقطة بداية الهجوم على إيران وعلى سوريا وعلى إعادة تركيا الى الموقع القديم.
إن الغرب يعمل على تقويم الأمور ضمن حدود المقارنات الممكنة، ولا يريد التهور، خصوصاً بعد الدروس البليغة التي تلقاها جراء حربي أفغانستان والعراق. وذلك عملاً بقول وكما الماريشال بيتان: “عقيدة الحرب كائن مستمر، وعلينا أن نغذيه بالتجربة ونعطيه الحياة بالحس الدقيق وبالحقيقة”.