أرشيف - غير مصنف

جمال مبارك يستغلّ «حرب الخنازير» لترويج صورته كمنقذ للفقراء

ما العلاقة بين «حرب الخنازير» التي تجري على أرض مصر هذه الأيام، وبين تهيئة الأجواء لجمال مبارك لخلافة والده الرئيس حسني مبارك؟ السؤال الغريب طرحه أكثر من مراقب لتطوّرات الأوضاع في مصر.. وقد يعتقد الناظر إلى الأمور بعفويّة، أن لا علاقة بين الأمرين لا من قريب ولا من بعيد. لكن من يراقبون دقائق الأمور على الساحة المصرية، سيصحبونك في جولة تغوص في أعماق ما هو ظاهر، وتربط بين «حرب الخنازير» وتوسيع نفوذ جمال مبارك وخطّة التوريث؟!
 
 
أغرب مشاهد الذعر الذي تثيره السلطات المصرية من أنفلونزا الخنازير، هو قرار الرئيس إعدام كل الخنازير ـ أكثر من ٣٥٠ ألف حيوان. والأغرب هو مشهد دفن الخنازير حيّة وردمها بالجير الحيّ واستخدام مواد كيميائية لقتلها!..
 
مع أن المرض، وفاقاً لمنظّمة الصحّة العالمية، لا علاقة له مباشرة بالخنازير.. ولا تنتقل عدواه بأكل لحومها.. ولكن بالتلامس بين البشر المصابين بهذه الأنفلونزا.
 
لكن الهيستريا نشرتها السلطات المصرية وإعلامها، بطريقة لم تحدث حتى في المكسيك البلد الذي ظهرت فيه أنفلونزا الخنازير وانتشرت، ومع ذلك لم يصدر رئيسها ولا برلمانها قرارات بذبح كل الخنازير.
 
المحلّلون يرون أن هذه الهيستريا تمّ تصعيدها لشغل الرأي العام عن المشكلات الحقيقية التي تواجه النظام المصري على كل الصعد: ضياع دورها السياسي الدولي، تفاقم أزمات الديون والتدهور الاجتماعي والاقتصادي، تزايد ظواهر الفساد وتفشّيها، عجز النظام عن الوفاء بالعلاوة الاجتماعية، وهي الزيادة السنوية في الأجور.. زيادة موازنة الدفاع عند النظام الحاكم (تتضاعف ميزانية وزارة الداخلية بينما تخفض ميزانيّات التعليم والصحّة). وهنا يأتي دور جمال مبارك، الأمين المساعد للحزب الحاكم وأمين السياسات، الذي يقرّر تشكيل لجنة عليا برئاسته لمتابعة عمليات مواجهة مخاطر انتشار أنفلونزا الخنازير والطيور. ليكون جمال هو منقذ الجماهير.. كما تصوّره الحملات الدعائية التي تنظّم له لزيارة القرى الفقيرة وتطويرها.. للترويج له كنصير للفقراء ومنقذ لهم.
 
ويقول رئيس تحرير جريدة «صوت الأمّة» المستقلّة سيد عبد العاطي: لم يكن الوريث جمال مبارك في يوم من الأيام ناصراً للفقراء والمستضعفين في مصر، كما يحاول الاعلام الحكومي تصويره لنا، فهو ينصر المليارديرات وكبار رجال الأعمال الجدد أمثاله فقط، والدليل أن شلّته ليس من بينهم أديب أو شاعر أو مفكّر أو مناضل أو عالِم أو أستاذ جامعة أو مثقّف، هو وشلّته من أثرياء البلد وهواة مص دماء المصريين.
 
ويبدي سعيد عبد الخالق رئيس تحرير «الوفد» اليومية المعارضة، دهشته من تصدّر تصريحات جمال مبارك حول أنفلونزا الخنازير مانشيتات الصفحات الأولى للصحف الحكومية، ويقول: فوجئنا بذلك، فتصريحات أمين لجنة السياسات تحتلّ ستة أعمدة في صحيفة وخمسة أعمدة في صحيفة أخرى، وتتناول وباء أنفلونزا الخنازير، وهذا ما يدفع بالقارئ الى تساؤلات عديدة، وخصوصاً إذا قرأنا تحت تصريحات جمال مبارك، خبراً على عمود واحد في الصحف القومية الثلاث: «مبارك يوجّه كلمة لقمّة الطاقة الأوروبية».. هذه التطوّرات الغريبة تدفع بنا إلى التفكير في اتجاهات أخرى وضرب أخماس في أسداس!
 
 
 
من الأزمة إلى الكرة
 
الكاتبة الصحافية في جريدة «الفجر» المستقلّة سحر الجعارة، تفسّر هذه التطوّرات، فتقول: جمال مبارك يحكم البلاد من الباطن!.. لا ينتظر رفضك أو قبولك، ولا يعطّله رفض جماعة الإخوان المحظورة له، أو يعجّل به الرضا الأميركي.
 
جمال يتصدّر المشهد السياسي، من الأزمة الاقتصادية العالمية إلى كرة القدم.. وجوده يلغي كل من حوله ـ باستثناء رئيس الجمهورية والسيدة قرينته ـ والده ووالدته. جمع كل صلاحيات الحكم في قبضته بعد تصفية مراكز القوى داخل الحزب الحاكم. إنه يلغي كل من حوله، ليس لأن حضوره طاغ بل لأن أعضاء المطبخ السياسي يدركون أنه لم يعد الوريث المحتمل، بل الشريك الفعلي في عملية الحكم.
 
«الشخص الذي يتوقّع كثيرون أنه سيخلف والده في الحكم»، هكذا وصفت فضائية «سي إن إن» الأميركية جمال مبارك في تقديمها للحديث الذي أجراه معه فريد زكريا وأثار ارتياباً شديداً، لأن الحديث لم يتناول القضايا المصرية الداخلية، ولم يوجّه الصحافي الشهير سؤالاً عن التوريث أو حقوق الإنسان أو المعارضة في مصر.. أو مستقبل الحكم والأزمات الداخلية العاصفة. ويعلّق على هذا رئيس تحرير «المصري اليوم» المستقلّة مجدي الجلاّد، بأن هناك اتفاقاً جرى قبل الحديث.. ويتساءل: السؤال الذي يفجّر مليون علامة استفهام: إذا كان جمال مبارك أو من يرتّب له، قد اشترط أو طلب عدم التطرّق إلى القضايا الداخلية، فلماذا لم يرفض وصف زكريا له بأن «جمال مبارك يتوقّع أن يكون الرئيس المصري المقبل»؟.. إلا إذا كان هو ومساعدوه يرون أن خلافته لوالده في حكم مصر ليست من القضايا الداخلية؟!
 
ويعلق الجلاّد: يبدو أن كائناً جديداً يتشكّل الآن بعبقرية، ولم يبقَ سوى مكعّب أو اثنين لتكتمل الصورة، وتتحدّد ساعة الصفر.
 
ويقول: أعادتني هذه الواقعة الخطرة الى ما قاله لي سياسي بارز شديد الاقتراب من نظام الحكم: «إن إطلاق نظرية التوريث منذ سنوات عدّة، واستحواذها على قدر كبير من الجدل والحوار، بل والمعارضة، أمر لا يغضب النظام على الاطلاق»!
 
 
 
رؤية إسرائيلية
 
آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في الحكومة السابقة ألقى محاضرة في أيلول (سبتمبر) الماضي في معهد أبحاث الأمن الإسرائيلي، تناول فيها رؤية إسرائيل للأوضاع في سبع دول عربية، منها مصر التي قال في خصوصها كلاماً كثيراً يعتمد على رصده لأزماتها الاجتماعية والاقتصادية منذ كان رئيساً للشاباك (جهاز أمن إسرائيل).. وقال إنها أزمات تصنّف من النوع غير القابل للحلّ، وإن سياسة الرئيس مبارك لم تعالج الخلل الموجود، مما أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة تموز (يوليو) ١٩٥٢: أقلّيّة لا تتجاوز ١٠ في المئة تتحكّم في السلطة والثروة، وأغلبية ساحقة تعاني الفقر.
 
وقال: إن أميركا وإسرائيل تحرصان عبر هيئاتهما التمثيلية المختلفة (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على مساندة حملة جمال مبارك للفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري، ودعم أنشطته المختلفة، الاجتماعية والثقافية، ليكون أكثر قبولاً من والده في نظر المصريين. وإن عيون البلدين مفتوحة على ما يجري في مصر، وأنهما ترصدان وتراقبان، كما أنهما مستعدّتان للتدخّل من أجل كبح جماح السيناريوات التي ستكون كارثيّة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب. وهذه السيناريوات هي:
 
< أولاً: أن تتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وتفقد الحكومة السيطرة على الموقف، مما قد يفضي إلى اضطرابات تمكّن الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة.
 
< ثانياً: أن يحدث انقلاب عسكري بسبب سوء الأوضاع العامة، تقوده عناصر شابّة طموحة تركب الموجة وتستولي على السلطة.
 
< ثالثاً: أن يعجز خليفة مبارك عن مواجهة الأزمة الداخلية، مما قد يجرّ البلاد إلى الفوضى والاضطرابات، وفي هذه الحالة قد يكون الخيار الأفضل أن تجرى انتخابات عامة تحت إشراف دولي، تشارك فيها حركات أكثر أهميّة من حركة «كفاية»، مما يؤدّي إلى ظهور خارطة جديدة للتفاعلات الداخلية.
 
 
 
تنقصه الشعبية
 
أما الدكتور أيمن نور الذي نافس الرئيس حسني مبارك في انتخابات الرئاسة الأخيرة في العام ٢٠٠٥، وحقّق المركز التالي له بفارق أصوات كبير، وسجن بعد ذلك بشهور، فيرى أن نجل الرئيس لا يحظى بشعبية في الشارع المصري.. وإنني مستعدّ لمنافسته على منصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة في العام ٢٠١١ إذا أمكنني التخلّص من حظر الترشيح.
 
ويضيف أيمن نور: وفاقاً لتكهّناتنا وحساباتنا لن يكون هناك توريث في مصر، لأن جمال مبارك لا يحظى بأدنى درجة من القبول السياسي لدى الشعب المصري. والحقيقة هي أن الحضور السياسي لجمال مبارك مستمدّ من النفوذ السياسي لوالده. ولكننا لا نستطيع أن نسلّم بأن سيناريو التوريث قد انتهى، إلا أن مساحة مقاومة الناس له تزداد.
 
ولا يتوقع السياسي المصري المعارض الذي أسّس حزب «الغد»، وقضى أكثر من ثلاث سنوات في السجن بتهمة يقول إنها ملفّقة لغرض سياسي، أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة نزيهة، وسيكون مبارك ساعياً الى فترة رئاسة سادسة إذا قرر خوض هذه الانتخابات.
 
الصعود إلى الهاوية
 
عبد الحليم قنديل المنسّق العام لحركة «كفاية» يحلّل تطوّرات ظاهرة صعود جمال مبارك، ويبدأ بالقول بأنه يظنّ أن طريقة صعوده بذاتها، فيها مقتل الخطّة كلّها ـ خطّة التوريث ـ فالإبن يصعد ـ في الظاهر ـ من نصر إلى نصر ـ لكنها انتصارات التكتيك المصنوعة التي قد تنتهي الى هزيمة استراتيجية في الطبيعة، فقد أدخل كمّاً إلى النخبة السياسية الحاكمة بالنفوذ المباشر للأب، وهو ما اعترف به الإبن بصراحة في لقاء مع التلفزيون الحكومي، بأنه لم يكن في وسعه الصعود المباشر لمناصب حزبية لو لم يكن إبناً للرئيس.
 
ويرى قنديل أنه رغم كل شيء، فهناك إشارات ظاهرة الى عدم الرضا الكافي على عملية دفع جمال مبارك للرئاسة التي ـ كما يرى ـ تتعجّلها السيدة سوزان مبارك، والدته. وهناك دوائر حسّاسة تبدي قلقها من شراسة رجال جمال مبارك وفسادهم، وكلّهم من مليارديرات جماعة البيزنس، والمارينز الثقافي والسياسي.. واندفاعهم قد يهدم المعبد الأمني

زر الذهاب إلى الأعلى