أرشيف - غير مصنف

إني أرى شجَرا

 
قمرٌ ضبابيٌّ
وذاكرة ٌ تضيْقُ
والبحرُ يقطـُرُ من سلال التّينِ في سَقْف ِالمسافةِ بيننا
مُرّا ً كرائحة ِالكلام ِعلى أراجيح ِ العتيقِ مِنَ اللغاتْ
وأنا الغريق ُ
لا الرّيح ُ تبسُط ُ كفّها لأيائلي العطشى
ولا غيم ٌ صديقُ
لبلابة ً
أتسلـّقُ السفليَّ ممتلئ المماتْ
في البحر ما يكفي .
لتنكسر النّصال ُ على حواف ِ الزّرع ِ
أو تمضي الأيائل ُ في غَيابته ِ
ويختنقُ الرّحيق ُ
قمرٌ ضبابيّ
وذاكرة ٌ تضيقُ
مِنْ أوّل ِالصّحراءِ
حتى صورتي في الماءِ
تكتملُ المرايا والصِّفاتْ ،
لا شيء ينهضُ من سُباتِ الوقتِ في جَسَديْ سوى
زغـَبِ الظلام على الرّفاتْ ،
الليل ُ يمضُغني ،
ويجرفني انْفِلاتُ الطين مِنْ حَلـْـق ِ الأساطير المدببة الجهاتْ
لكنني
من ضَحْكةٍ نسِيَ الزمان ُ حصارها
أسْرَجْت ُ أشرعتي
لتندملَ الجراح ُ
فقد يكونُ الماءُ ليس الماءَ في دَمْع ِ الفـُراتْ ،
من جثـّتي
سأفرُّ ثانية ً
ليزْرَعَني الغرابُ كما يليقُ
يا سيّد التاريخ ِ
يا أبت ِالذي ما زارَ قبري مرّة ً
هل ليلة ُ الحِنّاءِ تبدأ من دَمَيْ ؟
هلْ يَرْفعُ الزّرّاعُ قريتهمْ
على جثثِ الرّعاةْ ؟
هل أولُ التاريخ ِ آخرُه ُ
لتتبعني النّصال ُ أمام عينكَ يا أبي ؟
ودَمَيْ مِن الأزليّ يصرخ ُ
والشقيقُ هو الشقيق ُ
يا سيد التاريخ ِ
هلْ من طعنةٍ أسْمَيْتَنيْ ؟
هل كان ذئبُ الأرضِ ِ يَعْلمُ أنّ قُرباني إليك مَنِيّتيْ
فتَرَكـْتَني للذئبِ يومَ ترَكـْتَنيْ ؟
أطْلقْتَ شرياني على أبَدٍ
ومِنْ روحي بنيتَ سفينة ً
ونسِيتنيْ
فليكتب التاريخ ُ ما نسيَ الرواةْ ،
الميتون سيرجعون إلى الحياة ْ
في الكهفِ صوتُ دَمَي يناديْهمْ
أفيقوا
قمرٌ ضبابيّ
وذاكرة ٌ تضيق ُ
من أوّل ِ الزّمَنِ المُوزّع ِ في متاع الخيْل ِ
تتّضحُ السّماءُ على مرايا الزُّرْق ِ
تعبُرني المسافة ُ كالصّراخ ِ
أطلُّ من ثـَقبٍ بخاصرتي
على وجَع ِ المكان ِ
لأسأل المفقوءة العينين ِ
هلْ خلـْفَ الغمامةِ خيْلهمْ ؟
هل عادت الصحراءُ ؟
مَنْ تاهوا ومَنْ فاؤوا
ومن صَدَقوا ومن راؤوا
ومَنْ مِنْ رحلةِ التابوت قدْ جاؤوا
أطلُّ لألمِسَ الأطياف َ في المرآة ْ .
تكرِّر نفسها الأشياءُ ؟
أمْ تَهَبُ الدّماءُ خصوبة ً للحربِ كي تلِدَ الخيولْ ،
في الموت ما يكفي
ولكنَّ الضحيّة َ لا تميّزُ وجه َ قاتِلها
ولا تقِفُ الفصولْ
الأرضُ مثل سحابةٍ عَجْلى
تسيرُ ولا وصولْ .
” الشمسُ مُبْطِئةٌ
كأنّ السّبت َخلفَ النّهر يَكـْمُنُ”
قلتِ دامعة ً
وغيّبني الطريقُ
قمر ضبابيّ
وذاكرةٌ تضيقُ
سأفتّشُ التاريخَ
عن معنىً جديدٍ للنيازكِ
عن تعاليمِ الكواكب ِ للحبارى
حين يندهها الشمالُ
عن العلاقة ِ بين أنْ يأتي لقاتلهِ الغزالُ
مضرّجا ًبالخوف أو يمضي لتسرقه التلال ُ،
النّمْلِ
يُطلِقُ صَرْخَةَ َ اختبئوا
وما دَرَت النّمال ُ
مصيرَ صَرْختِها ،
أفتّشُ كيْ أرى الأبَدَ الذي ينّسلُّ من أيديْ الرّماةْ .
تهتزُّ من حولي الجبالُ
فكلـّما أشْعَلـْتُ في ليلِ الغراب حرائقي
ضَحِكتْ
كما ضحِكتْ من الشجر البعيد ِ
ومَزّقَتْ لغتي الرّمالُ
كأنّما كنعانُ ليس أبيْ
ولا عينا أريحا عُبّ عودتهِ
لتندلعَ البروقُ
قمرٌ ضبابيّ
وذاكرةٌ تضيقُ
تتلألئينَ كبذرةٍ في الحَرْث ِ….
يا زرقاااااااءُ
يا زرقااااااااااءُ
فانتبَهَتْ عصافيرُ الزّمان ِ، فزَقْزَقتْ :
( المرْءُ يعجَزُ لا المحالة ُ ) ،
فارجعي مِنْ بؤبؤ الصّوان ِ نرْجِسَة ً ،
تدورُ الأرضُ ،
لكنّ اليمامة َ وحْدَها
ظلـّتْ مُعلـّقةً على أبواب ِ( جَوٍّ)
تنْهَشُ الغِربان ُ عينيها
ومِنْ فمِها يسيلُ الشّعرُ أغنية ً
على وتَرِ النّجاةْ :
( إني أرى شجرا ً …)
أفيقوا
( إني أرى شجرا ً….)
أفيقوا .
*المرء يعجز لا المحالة : دويد بن زيد في وصيته لبنيه .
 
توقيع صلاح أبو لاوي

زر الذهاب إلى الأعلى