ـ فى إبريل 2002 ألقى الرئيس الأمريكى جورج بوش الابنخطابا أعلن فيه تبنيه لمشروع إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية ، لكل منها مقوماتها وسيادتها وحدودها الدولية المعترف بها على أساس قرارى مجلسالأمن 242 و 338 ، ولكنه سرعان ما تملص وماطل فى تحقيق هذا المشروع ، ملقيا تبعة فشله علىالرئيس الراحل ياسر عرفات ، واصفا “شارون” بأنه رجل سلام ! ، دفعه الى ذلك حالة التشرذم العربى الأبدى ، ووطأة الضغوط الإسرائيلية التى ترفض هذا الطرح خوفا من تنامى قوة الدولة الفلسطينية المزمعة إذا دعمها العرب اقتصاديا وعسكريا فى المستقبل ، وبالتالى تصبح مصدر خطر جسيم على الدولةالإسرائيلية الملاصقة ، خطر ينقل المواجهة العسكرية مع العرب مستقبلا الى عمق اسرائيل الاستراتيجى ولو بالأسلحة الخفيفة ، الأمر الذى لن تقبله على اطلاقه الا مكرهة ، لا أمس ولا اليوم بالمناسبة ، خاصة بعدأن نجحت فى تأمين الجانب المصرى عسكريا باتفاقية كامب ديفيد التى أصبحت سيناء بموجبها منطقة منزوعة السلاح نسبيا تشكل عمقا تأمينيا استراتيجيا للكيان الصهيونىوتمنحه فرصة سبق التفوق القتالى والسيطرة الجوية والبرية ، سواء استمرت الاتفاقية مع مصر أو تم نقضها مستقبلا مع تغير الظروف أو النظم الحاكمة ، وكذلك فى ظل حالة الرضا بالأمر الواقع التى تشهدها الجبهة السورية منذ ما يقرب من النصف قرن !
ـ هذا المشروع .. الدولتان ، ضمن عدة نقاط هامشية أخرى ، أظنه سيكون هو نفسه محور خطاب الرئيس أوباما من القاهرة ان أراد الله تعالى ، حيث لا يختلف أحد على أن المشكلة الفلسطينية هى جوهر الصراع ” العربى والاسلامى ـالاسرائيلى ” ، وأن أى خطاب للعالم الاسلامى لن يكون ذا بال أو جدوى إذا لم يتطرق الىإشكالية الاعتراف بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف ، وبطريقة واضحة وصريحة مصحوبة بالإعلان عن جدول زمنى والتزامات محددة يتحملها الأمريكيون ، وآليات ملزمة للجانب الاسرائيلى لا يستطيع الفكاك منها أو الالتفاف حولها تحت أىمبرر أو زعم بعدم وجود شريكفلسطينى جاهز حاليا بإمكانه تحمل عبء المفاوضات فىحالة قبول الطرح الأمريكى ، شريك يملك قوة السيطرة على الفصائل الفلسطينية المتناحرةلقبول نتائج المفاوضات العادلة دون مزايدات ، وهو الأمر الذى كان الواجب والالتزام الوطنى يحتمه علىالفرقاء الفلسطينيين لتوحيد الصف والرأى أمام الإدارة الأمريكية الجديدة بدلا منالاقتتال ، على الرصيف ، بعيدا عن كيان دولتهم الموحدة المنشودة، والا فليتركوا التفاوض الى لجنة عربية اسلامية تضم رموز الأمة ، تتولى المهمة مع اسرائيل لحين حل خلافاتهم الداخلية والارتقاء الى مستوى حكم دولة !
ـ ولكن السؤالالذى يطرح نفسه الآن بشدة ، وربما بندم بعد ذلك ، هو ماذا أعد العرب والمسلمون فىمواجهة خطاب أوباما بصفته يمثل أكبر دولة على سطح هذا الكوكب ، تعبث أصابعها فى جميعأركانه شئنا ذلك أم أبينا ، رضينا أم امتعضنا ؟
ـ الإجابة لا شئ ! تفرغ مثقفوهم وكتابهم وساستهم لسفسطةتناول مدى صحة اختياره لمصر مكانا لالقاء كلمته بين مؤيد ومعارض ، وكأنه سيقول فى غير مصر غير ذلك الذى سيقوله فى مصر ! بينما كان الأجدىوالأولى أن يبادروا بكل أطيافهم السياسية والدينية الرسمية أو حتى البعيدة عن قوالب النظم والحكومات والتى صدعتنا بأنها الناقل الجيد لأراء شعوبهم وأمانيهم ، للتوحد وإعداد ورقة عمل قوية وناضجةتتضمن رؤيتهم الجماهيرية لحل الصراع مع إسرائيل ، وموقفهم من الاحتلال الأمريكى للعراق وأفغانستان ، وتصورهم عن أسس الاحترام المطلوب للتعامل مع أمريكا مستقبلا ، وضمانات وآلياتالتزامها لتحقيقه ، ويثبتوا أن لديهم القدرة على التوحد لفرض إرادتهم على الجميع ،خاصة ومن البديهى أن خطاب أوباما ، أو فلنسمه “خطاب نوايا لمستقبل العلاقاتالأمريكية معالعرب والمسلمين ” ، قد تعرضت مسوداته لكثير من التعديل والتبديلوالتغيير وفقا لمصالح اللوبى اليهودى المسيطر على العلاقات الأمريكية عموما ، رغمأنه لن يزيد فى أحسن حالاته عن كونه نوعا من ” البكش” السياسى والتلميع لأوباما نصير المقهورين على حسابنا !
ـ فمن السذاجة والعبط أن نصدق ، نحن العرب والمسلمون ، ما يظهره أوباما من تعنت ، لن يدوم ، نحو إسرائيل ! فهو أسلوب استهلاكى لتمرير المصالحالأمريكية بمزاجنا وعلى أقفيتنا ليس إلا ، فالسياسة والمصالح الأمريكية واحدة لمولن تتبدل ، وتأتى فى المقام الأول ذهب بوش أو جاء أوباما ، أو جلس على العرشالأمريكى عربى مسلم !
ـ الفارق الوحيد يكمن فى طريقة الأداء المسموح بها وتحت سقف محددللوصول الى الهدف ، أشبه بمنح حرية الاختيار لمن يرغب فى السفر من القاهرة الىالإسكندرية بين الطريق الزراعى أو الطريق الصحراوى ، ولكن تبقى محطة الوصولفىالنهاية واحدة ثابتة وان اختلفت سبل الوصول إليها ، وهذا هو الاختلاف الوحيدالذى لم يستطع ساستنا استيعابه منذ انهيار الخلافة العثمانية وظهور تقسيمات “سايكسبيكو” ، أعنى الاختلاف بين ادارة دولة مؤسسات كالولايات المتحدة ، بل وحتى إسرائيل ، لها أهداف محددة تسعى للوصول إليها من منطلق مصالح أمتها فقط لا غير حتى لو اصطدمت هذهالمصالح والأهداف بمصالح الآخرين ، وبين توليفة النظم العربية التى تتلون كالحرباءوفقا لمجريات الأمور وطبيعة البيئة المحيطة بها ولكن من منطلقات أخرى هى الزعامةالتاريخية وأنصاف الآلهة ، وإدارة الدول باسلوب مراكز الشباب أو طريقة ( مَاأُرِيكُمْ إِلَّا مَاأَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) ، حيث ينحصر الهدف فى كيفيةتأمين الكرسى لا مستقبل الأمة ومقدراتها ومقومات بقائها!
ـ هذا ما فعلته ، على سبيل المثال ، القوى التى دائما ما تتهم بالعبث فى مصالح الوطن والاستقواء بالأمريكيين ، أقصد الخطاب الذىوجهته المنظمات التابعة لأقباط المهجر بالتضامن مع الاتحاد المصرى لحقوق الإنسانالى الرئيس أوباما ليأخذه فى الاعتبار عند توجيه خطابه المرتقب ، انتقدوا فيهالمواد التى تتحدث عن الحريات الدينية فى الدستور المصرى ! بما فيها الحرياتالمفتقدة للبهائيين والقاديانيين وربما المثليين أيضا ! مستغلين تراخى النظامالمصرى ، أو النظم العربية لا فرق ، فى مواجهة مثل هذه الأمور بالغة الخطورة بالحسمالمطلوب ، خشية أنيصنفوا ضمن قائمة المغضوب عليهم من الإدارة الأمريكييةالمعنية جدا بحقوق الإنسان .. الأمريكى !
ـ فهل تُرى سيأتى أوباما بجديد ؟ لاأريد أن أبدو متشائما أو أن أطلق أحكاما أو أراء مسبقة تفتقد للمعلومات ، ولكننى أظن ، منطقيا ، أنهليس مطلوبا من الرجل أكثر من المبادرة بالإعلان عن صفاء نية بلاده نحو العالمالعربى والاسلامى ورغبتها فى التعاون المثمر المبنى على الاحترام المتبادل لتحقيقمصالح الطرفين ، ولكنه أبدا لن يطرح آليات محددة لتنفيذ ذلك ، ببساطة لأن الانتقال منمرحلة الكلام المرسل ” اللى بدون جمرك ” الى مرحلة طرح الآليات والفعاليات الملزمة ، ناهيكم عنتنفيذها ، يستلزم أصلا أن يكون الطرح والنقاش بين أنداد ، لا بين سيد وتابع ! وهو ماأنتم أدرى به !
ـ وبذلك تُلقىالكرة مرة أخرى الى داخل ملعبنا ، ويفوز الأخ أوبامابتعاطف كبير هو هدف خطابه الدعائى أصلا ، بعد أن يكون كَفّىَ ووَفّىَ وأدى ما عليه ، ثميعود الى بيته الأبيض انتظارا لتحرك عربى اسلامى موحد يتفاعل بقوة مع خطاب النوايا الذىطرحه ، أو ليجلس مترقبا ظهور ذلك النِدّ القوى الذى يحمل بين يديه آمال أمته العربيةوالإسلامية وأحلامها المشروعة ، يدينا ويديكم طولة العمر !
ضمير مستتر:
يقولتعالى:
{إِنَّ اللّهَ لاَيُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَاللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال}الرعد 11
علاء الدين حمدى