أرشيف - غير مصنف

تعالوا نستعيد أبجديات القضية وجوهر الصراع

بقلم د/ رفعت سيداحمد
مع قدوم نتنياهو لسدة رئاسة الوزراء فى اسرائيل ،وصعود اليمين  وتسيد ثالوث (الجيش-اليمين-رجال الدين اليهود )للمشهد الاسرائيلى الحاكم، نحتاج الى اعادة فهم لاصول الصراع وطبيعته اذا كنا نريد استشرافاً حقيقياً لمستقبله،ووضعاً جاداً لسناريوهات الصراع المقبلة،خاصة ان النظرة العربية العامة الان للصراع على فلسطين وفى فلسطين اختزلته -للاسف- فى الصراع على غزة، ثم لاحقاً إختصرت قضية غزة فى مسألة معبر رفح ،وتتدريجياً ضاعت ابجديات القضية ومعالمها الرئيسية ومن هنا نحتاج ،الان وليس غداً الى اعادة تذكير الجميع-نخبة وحكاماً،الى طبيعة الصراع وجوهره فمن هذا التذكير تبدأ القراءة الصحيحة للمستقبل وسناريوهاته المتوقعة بعيداً عن الاوهام ،التى تضرب بالحقائق المرة عرض الحائط .
ان التاريخ ،يؤكد لنا، ان الصراع العربى الصهيونى لم يكن مجرد صراع على قطعة ارض او نهر ،اومدينة ،بل هو صراع حضارى ممتد، صراع له ابعاده ودوائره التى آن للسلطة الفلسطينية ،ولاصحاب المبادرة العربية للسلام التى لم تتحقق ولن تتحقق ان يدركوها وأن يعملوا فى ضوء منها ، لانه لافائدة من المسارالذى يسيرون عليه فى فهم وادارة الصراع .أن الصراع مع اسرائيل فى تقديرنا له ستة  ابعاد. مهما تبدلت الحكومات ،وتغيرت القضايا ستظل هذه الابعاد ،حاكمة للصراع ولمستقبله.. فماذا عنها؟
 
البعد الاول:- صراع دينى/سياسى:
نعلم ان البعض من المثقفين والسياسيين بل وحتى من مناضلينا لايحبون ان نقل بأن هذا الصراع فى احد ابعاده الرئيسية هو صراع دينى سياسى “ولكن ماذا تفعل وهى حقيقة اكدتها قصة الصراع واحداثه الدامية، أنه  فى احد ابعاده المهمة صراع بين المسلمين واليهود الصهاينة  وما زيادة الاتجاه الدينى والتمثيل الدينى فى قطاعات صناعة القرار الاسرائيلي الا دليل على هذا البعد الهام من أبعاد الصراع ، وهو بعد يقع فى داخله أهمية إنشاء إسرائيل الكبرى (من النيل الى الفرات- اسرائيل مملكة داود وسليمان ) وهى مملكة تعنى احتواء الانهار والابار  والمياه العربية داخلها مع صبغها بصبغة عقائدية دينية مؤثرة ولنتأمل المشهد السياسى الحاكم اليوم فى اسرائيل ومقولاته او سياساته التى تؤكد على هذا البعد الذى نتنساه نحن واحياناً يسخر منه البعض منا.
البعد الثانى:- صراع مصيرىوحضارى:
فالصراع بين الجسد العربى/ الاسلامى والكيان الصهيونى صراع حول مفهوم “البقاء أو الوجود” فالصراع لم يكن طيلة تاريخه صراع على قطعة من الارض او مدينة او ضفتى نهر فقط ، ولكنه وفق رؤى طرفيه: صراع حول”حق البقاء” وهكذا الصراع المصيرى الذى يفترض ان يكون بين نقيضين يتم الصراع بينهما والذى لا ينتهى هنا الا بفناء احد الخصمين حيث “فناء احدهما يعنى بقاء الاخر” ويصبح للفناء داخل الصراع المصيرى معانى مختلفة تبدأ بإزالة المعالم الاصلية للخصم من خلال الاستئصال الجسدى وتتدرج الى محاولة احتوائه حتى تستوعب وتذاب هذه المعالم وهكذا الصراع بين “الامة العربية” بتراثها ومعالمها الثابتة وبين الكيان الصهيونى ،الصراع هنا لا يقبل بديلاًَ اخر(الفناء) او (البقاء) وكل عمليات التوفيق التى تمت منذ عام 1948 م وحتى اليوم2009،باءت جميعاً بالفشل وسوف تحكم هذه “النتيجة” منطق العمليات المقبلة لانها تنطلق من ادراك لم يفهم-او يفهم ولكنه يفتقد لعنصر المواجهة والقرار المستقل-لهذا الوجه المصيرى للصراع يضاف الى “مصيرية الصراع” “حضاريته وقوميته” فالصراع مع اسرائيل ليس صراعاً بين الفلسطينيين والاسرائيليين فقط وليس صراعاً على فلسطين فحسب وكما يتصور البعض خطأ فى سلام الحسابات والمواقف الخاطئة التى عكستها بوضوح المواقف العربية تجاه الحروب (1967-1973-1982-1991-2000-2006-2009 ) وانما الصراع فى جوهره هو صراع بين الامة العربية الاسلامية وبين اسرائيل الدولة العبرية –الصهيونية التى تكونت فوق جزء استراتيجي فى الشمال العربى انه صراع بين الاسلام والعروبة كأيدولجية وهوية للجسد العربى وبين هذا الكيان الدخيل والعدوانى ولعله “قدر” الامة العربية كما قال جمال عبد الناصر من قبل ثم اكدها لاحقاً د.فتحى الشقاقى واحمد ياسين وحسن نصرالله وغيرهم وهو حتماً ليس مسألة (اختيار) لان اسرائيل تعى هذا جيداً وهنا ممكن الخطر- اننا لم ندرك بعد مصيرية وحضارية وقومية الصراع بل ونخشى هذا الادراك ومن هنا كانت ضرباتها المتوالية كل عشر سنوات تقريباً لانهاك الجسد والفكر العربى والاسلامى .
 
البعد الثالث:-صراع اقتصادى:الصراع العربى –الصهيونى فى بعد آخر هو صراع اقتصادى فأسرائيل فى حقيقتها الداخلية وبنائها الاقتصادى ليست سوى رأس الحربة للشركات متعددة الجنسية وللدول الغربية وأمريكا تحديداً،و الامة العربية والاسلامية بثرواتها الطبيعية التى يحتل النفط مقدمتها تمثل التربة الخصبة لانتعاش هذه الشركات، وهنا منشأ الصراع- على هذا المستوى- إذ يمثل النفط العربى وغيره من الثروات مطلب صهيونى قديم منذ اول كشف بترولى بالمنطقة فى ايران والعرق والسعودية والذى اخرجته شركات دولية متعددة الجنسية مع مطلع هذا القرن وكان يمولها ويؤسسها عناصر يهودية امثال روتشيلد!!
فالصراع بهذا المعنى يسمى صراعًا حول الاطماع الاقتصادية لاسرائيل فى المنطقة اكسبتها التطورات الجديدة فى الاقتصاد والصناعات الاسرائيلية ابعاداً جديدة والحاحاً جديداً ،وهى الاطماع التى تتطلب بالضرورة مواجهة يترتب عليها استنزاف للقدرة وإهدار للامكانية العربية وهنا يتطور الصراع ويتضح ابعاده ويصبح على الامة العربية كى تبقى اقتصادياً ان تخوض صراعاً طويلاً معقداً متعدد الادوار والادوات مع الكيان الصهيونى .
البعد الرابع:-صراع حول الشرعية:
الشرعية التى نقصدها هنا وبعد حروب اسرائيل المتتالية منذ 1948 على فلسطين وحتى 2009 على غزة ،تعنى فى اوسع معانيها مصادر التبرير للوجود او الحركة،بهذا المعنى المفهوم قد يضيق فإذا به لايعدو الاساس الذى يستمد منه مصدر النشاط سبب حركته ولكنه قد يتسع فاذا به يضم ويحتضن كل ما يمكن ان يفرض نفسه على العقل او الوعى الفردى او الجماعى من مبررات لاستنفاد الطاقة فى اتجاه معين, بهذا المعنى شرعية الوجود الاسرائيلى “تلقى بنا فى متاهات عديدة بعضها تاريخى يرتبط بالعقيدة الصهيونية ابتداء من وجودها ومراحل تطورها وانتهاء بتحليل مستوياتها ووضعها التى اعلنتها حركات التحرر المرتبطة بذلك العصر وبعضها نظامى يعود الى الوضع اليهودى بصفة عامة والاسرائيلي بصفة خاصة من نطاق الوجود الدولى المعاصر وكذلك الوجود الوضعى للدولة العبرية والتى اصبحت تمثل قوة ديناميكية نظامية فى منطقة الشرق الاوسط ومن ثم لابد وان تملك نظرتها فى ابعاد مدلول الامن القومى, وهو المفهوم الذى يتناقض والامن القومى العربى ،ومن ثم يتوالد عن هذا التناقض تجاه الامن والشرعية وهذا الصراع الذى تتزايد حدته حين يقدر للجسد العربى ان يظل طيلة الفترة السابقة على حرب غزة 2009 لافظاً لهذا الكيان الصهيونى فى تياره العام وبالتالى ضارباً الاساس الاول البديهى لشرعية اى دولة اساس” الاعتراف القانونى”.
 
البعد الخامس:-صراع حول القدس:
والصراع العربى الصهيونى فى احد جوانبه الهامة صراع حول القدس كرمز ذا دلالة خاصة لدى طرفى الصراع فالقدس تمثل بالنسبة للطرف العربى الرمز لوحدة التاريخ الاسلامى والعربى ،والمنبع الذى التقت داخله الثقافة الدينية للمنطقة والرمز للصمود فى التاريخ العربى فى تجاه سلسلة الغزاة التاريخيين ،القدس هنا تتعدى الاطار الجغرافى “كمدينة الى النطاق التاريخي “كرمز” وهى بالنسبة للدولة العبرية تمثل رمزاً ايضاً ،رمزاً للرفض اليهودى وللحنين التاريخى للعودة الى عاصمة داود وسليمان ،كما تزعم الرؤية الصهيونية اذن: القدس اصبحت بهذا المعنى ذات وظيفة محددة فى الصراع فمنها بدأقبل عام 1948 واليها يعود بعد حرب عام2009 على غزة وقدوم اليمين الصهيونى المتمسك بها كاملة وبدون نقصان ولن يكف طرفى الصراع عن صراعهما ما بقيت هذه المدينة –الرمز بل وربما ان القدس قد اعطت غيابياً وبشكل ما لهذا الصراع زخمة ومضمونه المعنوى والقيمى .
 
البعد السادس:-صراع متعدد الدوائر:
والصراع العربى الصهيونى صراع ذو دوائر متعددة فهو صراع شرق اوسطى تدخل فيه اطراف غير عربية بدرجات متفاوته وفى مراحل مختلفة ونشير هنا الى ايران قبل وبعد سقوط الشاه وتركيا وربما اثيوبيا ،وهو صراع ذو دائرة اسيوية بما يعنيه من موقف محدد لقوى القارة الأسيوية والتى يأتى الموقف الصينى والهندى والباكستانى فى مقدمتها وهى مواقف بدأت تتغير لصالح العدو الصهيونى بعد ان كانت تميل الى الحق العرب فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى وجاءت كارثة كامب ديفيد 1979 وما تلاها لتضرب هذه الدائرة وتحولها الى خصم للحقوق العربية بعد ان تنازل صاحب الحق الاصيل عنها كما تعلم وهو صراع ذو دائرة افريقية ولعل فى الموقف الافريقي المواكب لحرب تشرين الاول /اكتوبر 1973 المؤيد للحق العربى ثم تراجعه التدريجى ليصبح لاسرائيل اليوم فى افريقيا 42 سفارة وقنصلية وذلك بسبب التفريط والضعف العربى من جهة ،والدأب الاسرائيلى على العمل فى هذه الدائرة من جهة آخرى لاعادة الدفء مع الافارقة ونسجل هنا  الدور الخطير الذى لعبه “الهستدروت” فى اعادة العلاقات المقطوعة مع دول هذه القارة الغنية بالثروات الطبيعية واخيراً فى الموقف المعروف لاسرائيل تجاه جنوب افريقيا وقضايا التمييز العنصرى بالقارة فى هذا جميعه ما يقدم الدائرة الافريقية للصراع خير تقديم بالاضافة للدوائر الاخرى .
*اذن الصراع العربى الصهيونى صراع معقد ،ذو طبيعة خاصة متشابكة الابعاد والمحاور والمستويات وهو لم يكن للحظة واحدة صراع حول قطعة من الارض ،او مدينة او نهر ،بل كان ولا يزال صراع مصيرى ودينى وصراع ،حول القدس ، حول حق البقاء ونوعيته ،ان المطلوب عربياً وبعد صعود نتنياهو ان نعيد كنخبة- على الاقل – قراءة طبيعة الصراع ،لعلنا بذلك نفهم واقعه ، ونستشرف مستقبله بجدية كافية،والله أعلم.
 

زر الذهاب إلى الأعلى