أرشيف - غير مصنف
الأحواز قضيتنا المنسية
زكريا النوايسة
ثمة من يقول إينما يكون الدم يكون العرب، فواقع العرب الحالي لا يبتعد عن هذه المقولة كثيرا ، بدءا من فلسطين مرورا بالصومال وليس انتهاءًًًً بالعراق المتشظي ، ولبنان الذي ما أن يخرج من حمام دمٍ حتى يدخل في دوامة من التجاذبات السياسية التي يُخشى أن تفضي إلى لبننة جديدة قوامها الطائفية التي من أهم مفرداتها الإنقسام وليس سوى الإنقسام، وفي ظل هذه الفسيفساء العجيبة أين موقع قضية شعب تعداده خمسة ملايين عربي ما زال يرزح تحت احتلال مراوغ مخادع ؟ولكن دون عناء سنصل إلى جواب أن قضية هذا الشعب الأحوازي العربي تقبع في زوايا النسيان العربي التي تتكدس فيها الكثير الكثير من الأحلام والأمال بزمن عربي يحترم نفسه.
وقد يلقي أحدهم اللوم على الأحوازيين أنفسهم لأنهم لم يبذلوا الجهد الكافي لتقديم وشرح قضيتهم في المحافل العربية والدولية ليتم التعاطي والتعاطف معها عربيا ودوليا، وربما يرى البعض شيئا من الصحة في هذا الطرح ،ولكن علينا أن لا نغفل عن السبب الأصيل الذي جعل من هذه القضية مهمشة ومنسية بالرغم من المعاناة والقهر والاستبداد والتطهير العرقي الذي يمارس عليه ، وهذا السبب يظهر جليا في علاقتنا غير الطبيعية وغير المبررة مع الاحتلال الإيراني ، والصورة التي نرسمها له في أذهاننا على أنه جار يسعى إلى الإسهام بحل قضاياتا القومية ، ونسينا وربما تناسينا أن هذه الدولة تحتل منذ قرن أرضا عربية وتمارس عليها أبشع أنواع الفرسنة.
وحتى نكون منصفين فإن ما يتعرض له الشعب الأحوازي ليس مرتبطا بإيران الجديدة ،فالمعاناة طويلة ومستمرة ،ولكن ما جعل الأمر أكثر قسوة ووضوحا في هذه المرحلة ، هو طبيعة النظام في طهران الذي يطرح الكثير من الشعارات البراقة الكاذبة في الشارع العربي والتي أخفى وراءها وجهه القبيح الذي يعرفه الأحوازيون جيدا وترى ملامحه في البحرين والامارات وهو أكثر ما يكون وضوحا في لبنان المكبل بتقيته وأكاذيبه.
ويذكر الأحوازيون أن مشاركتهم ومساهماتهم الكبيرة في الثورة على النظام الشاهنشاهي ، كانت تندرج في مسيرة الخلاص من هذا النظام الدموي ، وحرصا منهم على بناء إيران جديدة تتفهم آمالهم وأحلامهم الوطنية ، خاصة أن النظام الجديد طرح شعاراته مبكرا للدفاع عن المظلومين والمحرومين وتأكيده على مبدأ العدالة الاجتماعية وغيرها من شعاراته الثورية الكثيرة، وقد شجعت هذه الأجواء ممثلي شعب الأحواز لطرح مطالبهم وبحدها الأدنى ، حين قام الشيخ محمد آل شبير الخاقاني بزيارة الخميني في العام 1980 لطرح فكرة الحكم الذاتي لإقليم عربستان ،فما كان من الخميني إلا الإصرار على ذات المواقف القديمة التي كان يتبناها النظام السابق ، وإمعانا في الإستهانة بهذا الشعب وهويته رفض رفضا قاطعا التحدث مع الشيخ بالعربية بالرغم من إجادته لها ، معللا ذلك بالحفاظ على لغته القومية ، وهذا يظهر لنا زيف الإدعاء السائد بأن إيران تسعى إلى الحفاظ على القرآن ولغته.
ويُأخذ على الأحوازيين تعدد مشاربهم السياسية وافتقادهم لمرجعية موحدة ينطلقون من خلالها للتعريف بقضيتهم ، وتستغل إيران هذا التعدد والتشظي لإبعاد الأنظار عن معاناة هذا الشعب وإظهارها على أنها ليست إلا نتيجة لتمرد سياسي وعرقي على الدولة ، وهو ذاته ما تقوم به اسرائيل في الشأن الفلسطيني مستغلة انشغال أصحاب القضية بأحلامهم وطموحاتهم الصغيرة.
وستبقى الأحواز كما هي فلسطين جرحا غائرا في الجسد العربي ، لن تنمحي آثاره إلا إذا استطاع العقل العربي أن يفيق من سباته ، ويدخل في مراجعة قاسية لكثير من المفاهيم والمواقف والمسلمات التي بات من ضروريات الوجود أن نبحث فيها بعيدا عن إرث الهزيمة التي طالما جعلت هذا العقل حبيسا لها.