بقلم : منذر ارشيد
عندما كتبت (استقالة قلم) ذكرت من أسباب المقال إستقرائي للقادم من الأيام
وكنت راغباً في أن أتوقف عن الكتابة والسبب ” أن الواقع سوداوياً
وما عدت أطيق أن أبقى سوداوياً أمام كتاب يكتبون مبشرين مستبشرين وكلامهم ينثر الرياحين ويعطي صورة وردية لمستقبلنا رغم وضوح السواد.,كثير من القراء ملوا من خطابي المتشائم حتى أن أحدهم قال لي
(إشتهينا مرة تكتُب ما يُفرحنا..روح حل عنا )
أنا لست سوداويا ً وإلا لما كنت تقدمت خطوة واحدة ..!
ولكن من أين أخترع الأخبار السارة ..!
ما دام نداء الواجب يُحتم البقاء.. فليكن “ولكني لن أغير جلدي ولن أزيف خطي وما ينزف به قلمي , فمشاعري ليست خاضعة للمزاجية وشعوري ليس رهنا ً للأهواء ورؤيتي ما كانت ولن تكون مطية لأرضاء أحد حتى يصفق لي أو يُحبني .!
أكتب ما أراه وما أحسه وما أتوقعه ” ولا أفرض على أحد أن يأخذ بكلامي .
قلت قبل أسبوعين ما قلت , وكان السبب ( القادم من الأيام .!)
ولهذا فضلت الإنكفاء والصمت والإعتكاف ولكن رغبتي لاقت رفضاً
وبما أننا في هذه الأيام التي أخبرتكم عنها
(( الحصاد المر ))
وأي أيام أشدُ سواداً من هذه الأيام ..!
مرت أيام وأيام وما نحن فيه اليوم ليس إلا ما ثمرات أيام خلت وعلى مدار السنوات الماضية ” وهي مراحل كان يمكن معالجة تداعياتها في حينه , ولكننا تركنا العلاج في وقته حتى تراكم المرض واستفحل
لم أكن أعلم الغيب , ولكني حاضرٌ بكل ما تعنيه الكلمة
أيام كنت أرى مقدماتها كما قلت ليس علماً بالغيب لا بل من وحي التجربة والوقائع على الأرض ”وأهم من هذا وذاك إيماني بأن فوق كل ذي علم عليم ”
وهي عجلة الحياة (يومٌ لك ويومٌ عليك.. وكما تُدين تُدان “ومن يزرع الشوك يحصد الأسلاك الشائكة ” وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع)
وأن الله ليس بظلام للعبيد “ وأن الله يرى ويراقب ما يجري على الأرض
وهو لا يظلم الناس شيئا ً ولكن الناس أنفسهم يظلمون , ولنا في التاريخ عبرة “ وفيما ذكره الله تعالى لنا أكبر العبر
((الصرخة الأولى ))
كانت صرخة في عام 1998 وكتبت رابع مقال لي في بعد أوسلو وفي صحيفة القدس و تحت عنوان ( آآآه يا وطن) كتبت مستنكراً بعض السلوك ومنتقداً النهج الذي تنتهجه بعض المؤسسات ” والسلوك الشخصي لبعض المسؤولين” كان المقال حديث الشارع حينها وخاصة أن كاتبه مسؤول في السلطة وهو أمر لم يتعود عليه الناس ” مقال لم أبقي شيء من الممارسات الخاطئة إلا ووضعته فيه
استدعاني الراحل الشهيد أبو عمار وكان مقالي بين يديه
وأول ما بادرني بالسؤآل وهو يرفع الصحيفة التي كتبت فيها مقالي
وقد وَضعوا له علامات باللون الأصفر على بعض فقراته ”
قال أبو عمار : إيش هذا يا ابني .. معقول الكلام هذا .. إنت مسكرها على الآخر ليه .!
يعني حادثة هنا وحكاية هناك بتخليك تكفر في كل شيء ,وتسود الدنيا في وجه الناس .! حرام عليك
وكانت إحدى فقرات المقال (نحن بدل أن نبني دولة وكأننا نهدم مشروعنا الوطني بترك الفاسدين على رأس مؤسساتنا ..! )
لا بل قلت بالحرف الواحد ( كيف ندعي أننا نريد بناء دولة ونسمح لمن يحمل معاول الهدم ليهدموا كل طوبة يتم بنائها..!)
قلت : يا سيادة الرئيس نعم أنا أرى أياما ً سوداء قادمة لأن ما يجري لا يسر ولا يؤسس لمستقبل زاهر , بصراحة نحن نسيء للوطن “
قال : نحن في أول الطريق , وانت عارف أن البداية صعبة ” واخوانك كانوا ثوار, وحتى يتعودوا على المؤسسة عايزين وقت (المهم إننا نحن الآن في الوطن) ودا إنجاز كبير مين كان يحلم إننا راح نكون في وطننا .!
وتابع قائلاً..تفضل حضرتك إنت واللي مثلك إشتغلوا صح وسيبك من غيرك وبلاش تشائم , وأضاف ..ماسمعتش بالي بيقول بدل أن تلعن لون العتمة أشعل شمعة ..! روح أشعل شمعة يا ابني أفضل لك من الصراخ ” وقال وبشكل ساخركعادته المحببة ( ويا ريت توقف الكتابة في الصحف لأنك مسؤول “وسيبك من الصحافة ” ويا إما مسؤول يا إما صحافة ..!)
قلت : يا ليتنا بقينا خارج الوطن يا سيادة الرئيس وبقيت الناس تعيش على الأمل وبقينا في نظر شعبنا ملائكة “
وأضفت أما بالنسبة للكتابة يا سيادة الرئيس صدق إن كتابتي تفيدك أنت أكثر من أي كتابة من خارج السلطة
فقال : صحيح ” بس شوية شوية علينا ” دانت مطينها على الآخر .!
قال وأنا أهم بالخروج بعد أن المح لي ذلك (إنت عاطفي زيادة عن اللزوم )
قلت : أنا عاطفي صحيح ” ولكن قل لي بالله عليك كيف سيكون حالنا بعد أن يأتيك الأجل بعد عمر طويل ..! عدت إليه وعانقته وقبلته
قال وبنبرة جاده لا تخلوا من الحنو : لكل أجل كتاب..ولوقتها بيحلها الحلال “ بس إنت روح ولع لك شمعة.واشتغل زي ما بعرفك .
(( ممارسات سيئة جداً ))
تبع ذلك الكثير من الممارسات الأكثر خطورة على وضعنا الداخلي من خلال الاعتقالات والاسائات ونهب المال العام وغيرها من الأمور وأهمها إنفلاش القضاء وضياع حقوق المواطن
وكان من ضمن ما أثارني حينها إعتقال( إياد السراج ) ناشط في حقوق الإنسان, وقد تم دس مخدرات في درج مكتبه لتبرير اعتقاله .!
والذي تم دسه بأمر من النائب العام حينها (القدرة )
وكان من ضمن المواضيع أيضاً استقالة فايز أبو رحمة بسبب عدم تمكنه
من القيام بعمله جراء استقواء وزير العدل آنذاك بالرغم من تكليفه وبشكل استثنائي من قبل الرئيس الراحل وفي رساله وجهها له طالباً منه إعادة صياغة القانون والعمل به بشكل صارم بعد كل ما جرى من فوضى ولكن أبو رحمة لم يصمد أكثر من شهرين فكتب رسالة استقاله نُشرت في الصحف , بين خلالها مدى سوء إدارة وزير العدل والفوضى في القضاء وما واجهه من عوائق وضعها الوزير أمامه لدرجة أنه قطع خط الهاتف عنه , حتى بات لا يقدر على أن يبت في أي قضية
(رشاوي , قضايا قتل ,إختلاسات وسوء إئتمان وإعتداء على أراضي الدولة ) وأمور أخرى (وكأنه ممنوع العدل .!)
((ما الذي يجري هذه الأيام ..!!))
ومن يعتقد أنه حدث جديد طاريء فهو واهم أو مخادع أو ساذج .!
ما يحدث اليوم هو نتيجة تراكمية بدأت منذ بدايات السلطة أخذت مناحي عدة تبدلت فيها الظروف والأماكن والأهواء
فمنذ أوسلوا وبعد دخولنا إلى الوطن بدأت السلطة بتنفيذ الشق الأمني قبل أي بند آخر , وكنا أمام سباق مع إسرائيل لإثبات أننا الأكثر إلتزاماً وصدقاً ووفاءً ” طبعاً كنا الأوائل في سرعة التنفيذ “وإسرائيل تتسلى علينا بزيادة المستوطنات وتعميق الهيمنة
وكان جلياً وواضحاً أن الراحل أبو عمار ترك الأمر لقادة الأجهزة اللأمنية لتنفيذ كل ما يتعلق بهذا البند ( التنسيق الأمني )
وعلينا أن نتذكر جيدا ً أن جميع مسؤولي الأجهزة الأمنية كانوا من فتح
وكان الأمن الوقائي هو الجهاز الأكثر وجوداً ونفوذا ً وتنفيذاً
تم إعتقال مقاتلي وقادة حماس والجهاد إثر (عمليات في قلب الكيان ) تفجير حافلات ومقاهي ومطاعم
قدمت السلطة حينها أكبر عملية ضبط للوضع الأمني منعاً لقيام أي عمل ضد اسرائيل ’ ولكن هل تجاوبت إسرائيل وأعطت مقابل هذا الأمر ما يعطي ثمنا لهذا التنسيق ..! وهل رفعت حاجزاً أويسرت أمور السلطة.!
على العكس تماما ً فكان أن قامت اسرائيل بكل ما يعطل تقدم عملية السلام ولم تفي بإلتزاماتها وشنت حرباً على الشعب الفلسطيني وبعثرت الأجهزة الأمنية ولم نرى قادتهم الأشاوس إلا عبر الفضائيات يبروون عدم تواجدهم على رأس عملهم .!
ودائما الصغار يدفعون الثمن لأن الهدف ضرب المؤسسات وليس القيادات
فالقادة لا يخطؤون لأنهم يحفظون الدرس جيدا أما من يدفع الثمن الغلابا من المناضلين الذين لم يقرأوا الدرس جيداً ..والذين كانت أصابعهم على الزناد ضد عدوهم حيث ثقافتهم الوطنية لم تتزعزع حينها
اليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن وبعد كل ما جرى في الوطن من تداعيات وما حدث مؤخراً ,وقد انقسم الوطن إلى وطنين ,حماس في غزة تقود وتسود وربما أنها ضبطت كثيراً من الأمور الأخلاقية وكلنا يعرف ما كان من تصرفات لا أخلاقية بداية من مدير الشرطة وغيره من القادة الساقطين وانتهاءً بالخاوات والامتيازات والإستقواء والعشائرية النتنة ولكنها في الصراع مع فتح كتنظيم ” تتصرف بروح وثقافة الثأر بعيداً عن المنطق والشرع .. فأصبح كل شيء مباحاً ولا حصانة لأحد حتى لو كان نبياً ..! وهذا غير منطقي ولا أخلاقي
أما السلطة في رام الله فهي تعيد التنسيق الأمني وكأن التجربة الأولى كانت مجدية وقد أعطت كل ما تتطلبه المرحلة الأولى متجاهلين الثمن الباهظ الذي دفعناه كشعب وكأجهزة أمنية وقد دمرت اسرائيل كل المؤسسات الأمنية وغيرها بعد أن انجزنت مهمتها ولم تبقي حجر على حجر
((هل فياض هو السبب الآن ..!))
نسمع حملة الكبيرة على رئيس الحكومة سلام فياض وأنه الخائن والعميل والدايتوني وغيرها من الأمور
لست مدافعا عن أحد ولكن علينا أن نقول الحقيقة “ فسلام فياض“
ورغم أنه وكما يقال (رجل أمريكا ) إلا أنه لم يخترع التنسيق الأمني
والتنسيق الأمني سبق معرفتنا بسلام فياض ربما بعشر سنوات
فالتنسيق الأمني من أهم بنود إتفاق أوسلو وقد حفظناه عن ظهر قلب مع أول يوم دخلنا الوطن ورأينا كيف يركب الفدائي أو الجندي الوطني مع الجندي الإسرائيلي في سيارة واحدة (الإرتباط ) ورأينا الإجتماعات التي كان يعقدها مسؤولي الأجهزة الأمنية مع الجانب الإسرائيلي وكيف كان يتم اعتقال كل من يعبث بالأمن حسب نظر الإتفاق
وهذا يعني أن لا فياض ولا حكومة فياض هي من أسس لهذا الأمر
نعم اليوم هناك حكومة يرأسها سلام فياض وهو يقوم بتنفيذ كل التزامات السلطة بكل حرفية ومهنية عالية “
ولكن هل سلام فياض جاء مع قسم الولاء بأن يكون ثائراً مناضلاً مقاتلاً حتى تحرير فلسطين .!
يجب أن نتذكر أن فياض لم يكن يوماً فدائيا ولا مناضلاً يجوب جبال وسهول الوطن ” ولم يدعي أنه كان قائد للشبيبة ولم يدعي أنه شكل كتيبة باسم كتائب الأقصى “
وكما أنه لم يدعي أنه ذاك الأسير الذي حررها من الخليل حتى تياسير
ولنتذكر جيدا من أصبحوا يتغنون بالمقاومة من القادة الأمنيين هم من كانوا جلادي المقاومين ”
(( أحداث قلقيلية ربما فاجأت الجميع ..))
الآن ماذا يُقال عن أحداث قلقيلية .!
حماس ومناصريها يعتبرون ما يجري خيانة وإستهانة بدماء المجاهدين والمقاومين من أبناء شعبنا
ولكن بالمقابل أيضا هناك نسبة كبيرة من الناس يعتبرونه سيادة للقانون
وخاصة أن حماس هي أول من قامت بالتنكيل بابناء فتح في القطاع ويقال أيضاً (تنكيل مقابل تنكيل.. إعتقال مقابل إعتقال.. قتل مقابل قتل )
وهل هذا منطق مقبول ..!! غير مقبول ولا يمكن أن يقبله العقلاء .
إذا ً المسألة ما عادت مسألة قوتين أو حكومتين أو فئتين بقدر ما هو رأي عام (رأي مع هذا ورأي مع ذاك ) ويصطف حول الرأيين حشد جماهيري لا يستهان به “وهذا ربما يؤسس إلى صراع هو الأخطرمن نوعه و الذي من الممكن إن حصل لا قدر الله , فبعد أن يكون الخلاف فقط بين مؤسستا الحكم في غزة والضفة وهذا من السهل حله إن قررالطرفان .!
إما إذا وصل إلى خلاف شعبي ..! سينقلب إلى نزاع جماهيري شعبي
وسيدمر ما تبقى من أحلامنا في إنقسام شعبي جماهيري يصبح فيه الحل الأفضل للمواطن مغادرة الوطن “إلى ( الكارثة )
وربما هو من ضمن مخطط بدأت تظهر ملامحه في ما طرحه بعض الصهاينة بالوطن الفلسطيني في الأردن وكأن ما جرى في قلقيلية بداية لما هو قادم من خلق وقائع جديدة على الأرض
من هنا يُطرح سؤآل كبير كيف يمكن معالجة هذا الأمر ..!
وقد بات واضحاً أنه لا يمكن أن يكون هناك حلاً من داخل فلسطين“
لم يعد هناك كبار من أصحاب الرأي والشأن ولا تنظيمات قادرة
بعد أن تم تجريد الوطن من حكمائه الذين أصبحوا لا حول ولا قوة ولا حتى قيمة لهم وهو أمر تم العمل به منذ زمن (ثقافة خطبرة)
وبكل صراحة ما عاد هناك من هو قادر على حل هذه المسألة التي باتت تهدد مجمل قضيتنا الفلسطينية ”وربما هكذا يراد لها بعلم الكثيرين في العالم والعالم العربي
فأين العرب حكومات وشعوب وقبائل ..!
أين الجامعة العربية مما يجري ..!
مصر ما عادت قادرة في أن تكون القوة المؤثرة لوحدها
وهل مطلوب من الشعب الفلسطيني أن يقول يا وحدنا ..!
أم هل سيُترك ليقال .. فخار يكسر بعضه ..! والنتائج محسوبة سلفاً “
سؤآل أصبحنا لا نجد جواباً شافيا عليه
نسال الله اللطف