سحر الكلمات لا يغني عن الأفعال. قراءة في خطاب أوباما (ج2)

سحر الكلمات لا يغني عن الأفعال

قراءة في خطاب أوباما (ج2)

لم يقل أوباما أي كلمة إدانة للإحتلال الإسرائيلي للأرض العربية والفلسطينية والذي امتد لعشرات السنين ولا للأعمال الإجرامية والممارسات العنصرية التي ترتكبها سلطات الإحتلال بشكل يومي فيها، ناهيك عن موقفه الغريب في مؤتمر ديربان2 وانسحاب بلاده منه بأوامر إدارته وعدم المشاركة في المؤتمر لمجرد الخشية من تطرقه لهذه الممارسات اللإنسانية. لقد خلا الخطاب من أي إشارة لقرارات الأمم المتحدة وللشرعية الدولية التي يحلو للولايات المتحدة المريكية إشهارها في وجه العرب كلما تعلق الأمر بإدانة ممارساتهم وكلنا يعلم المعايير المزدوجة التي تتعامل بها امريكا في هذا المضمار. الخطاب خلا من أي كلمة حول جدار الفصل العنصري رغم قرار المحكمة الدولية بإدانته وبوجوب إزالته. تحدث الخطاب عن وقف الاستيطان ولكنه لم يضع أي موانع جدية لهذا الاستيطان أو يتحدث عن كوابح بما فيها قرارات المجتمع الدولي التي يحلو لأمريكا إشهارها في وجوهنا على الفاضي والمليان كما يقال.

لم يقرن السيد أوباما حديثه عن معاناة غزة والضفة بأي كلمة عن رفع الحصار والحواجز وغير ذلك من وسائل التعذيب التي تستخدمها إسرائيل للتنكيل بشعبنا الفلسطيني وكان يمكنه تقديم مبادرة للتنفيذ الفوري بالخصوص واعتقد كما الجميع أن إسرائيل وغيرها لن تجرؤ على رفضها.

تحدث عن ضرورة تقديم الفلسطينيين تنازلات مؤلمة من أجل السلام ولم يقل لنا ما الذي يمكن تقديمه بعد أن تخلى الفلسطينيون عبر ممثلهم الشرعي والوحيد عن 78% من وطنهم لليهود واعترفوا بحق دولة إسرائيل في الوجود وقبلوا بصيغة الحل العادل لمشكلة اللاجئين وحق العودة، أي قبول الصيغة التي تحرم الغالبية الساحقة من اللاجئين من العودة لوطنهم، فما الذي بقي لتقديمه؟ وعلى ضوء الخطاب فإن الذي يريده السيد أوباما ويقول عنه تنازلات مؤلمة هو أن يتخلى الفلسطينيون بشكل واضح وكلي عن حق العودة، وأن يتخلوا عن القدس الشرقية كعاصمة للوطن الفلسطيني أو الدولة المزعومة، وفي أحسن الأحوال القبول بالمشاركة الصهيونية في إدارة البلدة والإشراف على المقدسات الدينية وإبقاء المستوطنات والمستوطنين اليهود في القدس الأمر الذي يعني عملياً قبولنا بالتخلي عنها لإسرائيل. كما تعني التنازلات المؤلمة العمل كحارس أمن لحدود الدولة العبرية والقيام بكل الخطوات العملية لتامين ظروف حياة مستقرة لدولة إسرائيل بما في ذلك محاربة فصائل المقاومة وملاحقة المقاومين واعتقالهم حتى لو أدى ذلك لحرب اهلية بدأنا نرى نذرها في الأفق.

التنازلات المؤلمة تعني كما هو واضح من خطاب أوباما التخلي عن الأرض التي تحتلها المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية وإلحاقها بالكيان الصهيوني مقابل قطع أراضي في الجليل أو النقب وعلى حدود غزة، أي تبادل أراضي يجعل عملية التواصل للدولة الفلسطينية المتخيلة شبه مستحيل. التنازلات المؤلمة تعني تقاسم المياه الجوفية ومصادرها في الضفة وهو ما يخالف أبسط قواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي والعدالة التي تحدث عنها السيد أوباما.

وباختصار فإن التنازلات الفلسطينية المطلوبة هي من النسبة المتبقية من فلسطين ومما يمكن أن نسمية اللحم الحي للجسد والروح الفلسطينية وهو ما يجعل دعوة أوباما غير عادلة أو متوازنة على هذا الصعيد وعلى المعنيين أخذ ذلك بعين الاعتبار في التعامل مع إدارته الديمقراطية.

وفي المقابل وباختصار فإن التنازلات المؤلمة من جانب إسرائيا تبعاً لخطاب اوباما وبعد فهم المسألة في شقها الفلسطيني ترتبط بطموحات إسرائيل التوسعية والتخلي عن بعض هذه الطموحات وتقديم تنازل في بعض العناوين التي تخص الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية بالأساس، وعلى سبيل المثال قامت إسرائيل في اليوم الأول لاحتلال القدس الشرقية بضمها للدولة وتطبيق قوانينها عليها والتنازل المؤلم هنا أن تقبل إسرائيل بإعادة بعض أجزاء من القدس الشرقية للعرب وإبقاء إشرافهم على مقدساتهم في المسجد الأقصى وغض الطرف عن تسمية القدس ولو شكلياً عاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة. وقس على ذلك في باقي التنازلات المؤلمة من جانب العدو الاسرائيلي كما قصد السيد أوباما وفهمناه من السياق العام لخطابه المذكور، وهي كما تلاحظون لا تمت للتنازلات بأي صلة بل تقتطع من الحقوق الفلسطينية والأرض والمياه وغير ذلك لتقدم بعضها للشعب الفلسطيني بخلاف ما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة أو شرعة حقوق الإنسان وهي أساساً مكتسبات حصلت عليها إسرائيل بالقوة ونتيجة عدوانها في حزيران عام 1967 وليس من حقها الاحتفاظ بها وما مكنها من ذلك هي مواقف أمريكا بالذات واستخدامها حق النقض الفيتو لتعطيل القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بالخصوص.

وفي المحصلة الختامية لهذا العنوان وعلى ضوء ردود الفعل السلبية من المحافظين الجدد في امريكا وغيرهم من الذين يدعمون إسرائيل بمن فيهم نسبة غير قليلة من حزب الرئيس أوباما وعلى ضوء معرفتنا بمراكز القرار في الولايات المتحدة ومؤسسات الحكم فيها، وعلى ضوء ما ذكره الرئيس الأمريكي ذاته قبيل الخطاب وبعده يمكننا القول بدون خشية بأن إدارة أوباما وعلى الرغم من كل النوايا الطيبة لدى رئيسها و كذلك صلاحياته كرئيس منتخب لبلاده وفي النهاية على ضوء فهمنا لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل وعمق هذه العلاقة من مختلف الزوايا، أن هذه الإدارة غير قادرة على فرض حل عادل ومتوازن للصراع العربي الصهيوني وهي لا ترغب في فرض مثل هذا الحل رغم أنف إسرائيل ولن يصل الأمر حد الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع أو قبول اللجوء للشرعية الدولية والاحتكام للقرارات والقوانين الدولية.

يتبع

Zead51@hotmail.com

Exit mobile version