سحر الكلمات لا تغني عن الأفعال
قراءة في خطاب أوباما (ج3)
ثانياً / في العلاقة مع الإسلام والمسلمين بمن فيهم العرب
تحدث الرئيس الأمريكي عن سماحة الإسلام وضرورة قيام العلاقة بين بلاده والغرب عموماً مع العالم الإسلامي على قاعدة الاحترام المتبادل واحترام خيارات الآخرين وأشار بهذا الصدد إلى ان من قاموا بعملية الحادي عشر من سبتمبر(ايلول) في أمريكا لا يمثلون الوجه الحقيقي للإسلام وأن الدين الإسلامي غني بقيمه الإنسانية والحضارية وتطرق بهذا الصدد إلى جملة الانجازات العلمية المحققة في ظل الدولة الاسلامية وأن تاريخ المسلمين يحفل بالعطاء للإنسانية ولم ينس بالخصوص ذكر والده حسين أوباما الكيني من أصل إسلامي كما تكلم عن تجربته في اندونيسيا وكيف يتعامل المسلمون مع باقي الديانات بكثير من التسامح وأثني في خطابه على روح الإسلام وقيمه مستشهداً في ذلك بالعديد من الآيات القرآنية والوقائع التاريخية وقد كان الرجل مفعماً بالعاطفة والحماس وهو يلقي كلماته حول هذا العنوان مما جلب له النقد واللوم في الولايات المتحدة الأمريكية من بعض الغلاة والمتصهينين من حزبه وخارجه.
ولكن في المقابل وفي إطار الممارسة العملية نجد الاحتلال الأمريكي لدول إسلامية بالذات وهو ما لم يعتذر عنه أوباما في خطابه رغم إشارته له وخاصة ما يتعلق بالعراق، وكذلك تسمية دول إسلامية كمحور للشر ودعم العنف والإرهاب في العالم وإبقاء العقوبات على سورية وإيرادها كأحد داعمي الإرهاب في العالم وتحت ذرائع من نوع عرقلة مساعي السلام الأمريكية والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل وما إلى ذلك من اتهامات معلبة وفي ذات السياق تشخيص حزب الله والمقاومة اللبنانية والفلسطينية عموماً. كما أن غارات أمريكا الجوية وقتل المدنيين العزل في أفغانستان وباكستان كما العراق ما زالت مستمرة ووجد لها الرئيس الأمريكي مبررات أمنية أسماها الحفاظ على أمن أمريكا ومواطنيها بعد أحداث سبتمبر 2000.
وفي هذا الإطار رفض الرئيس الأمريكي نشر صور التعذيب في معتقلاته بالعراق وغيرها بعد أن قدم وعداً بنشرها والذي كان يمكن اعتباره اعتذاراً للمسلمين والعرب عن الانتهاكات ومس الكرامة الذي لحق بهم جراء هذه العمليات الوحشية في السجون والمعتقلات الأمريكية.
كما تقوم الإدارة المريكية بملاحقة كل من يقدم الدعم والعون للعائلات المستحقة لذلك وخاصة عوائل الشهداء والأسرى تحت ذريعة مكافحة الارهاب وتجفيف مصادر دخل المنظمات الإرهابية وهو ما يجعل ممارسة بعض الشعائر الإسلامية أمراً مستحيلاً كالزكاة وغيرها وقد أشار أوباما لذلك في معرض حديثه عن خطوات إجرائية يود القيام بها لتسهيل حياة المسلمين في بلده وفي العالم. وقبل أيام سمحت إدارة أوباما بالحكم على مواطنين أمريكيين من أصل عربي فلسطيني مسلمين بالحبس لعشرات السنوات بمن فيهم الأخ غير الشقيق للاخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على خلفية تقديمهم بعض المال للحركة. ويمكن اعتبار الموقف من إيران كدولة اسلامية ومن خطاب نجاد والموضوع النووي، أو ما يمكن تسميته بالقنبلة الاسلامية نموذجاً لممارسة عملية تصب في غير صالح ما تحدث به أوباما عن الإسلام والمسلمين. وهناك الكثير من الأمثلة التي تصب في التشكيك بصدقية ما ذكره الرئيس الأمريكي في خطابه حول هذا العنوان، ولكن وبكل موضوعية ونزاهة فكرية نرى رغم كل ما تقدم أن ما تحدث به الرجل يمثل في الشكل والمضمون نهجاً مختلفاً عن كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه في تناول هذا العنوان والتعاطي معه، ويمكن على هذه الأرضية التعامل بانفتاح مع إدارة أوباما فيما يخص التعاون والتواصل الحضاري والانساني والسعي لتوحيد قيم عظيمة مشتركة بين الديانتين المسيحية والاسلامية بهدف جعل العالم أكثر أمناً وسلاماً وللاحترام المتبادل وترسيخ قيم الحرية والعدل والمساواة والتسامح التي أرستها الديانتان الكبيرتان، كما العمل المشترك من أجل حرية أكبر في ممارسة الشعائر وحقوق المواطنة لغير المسلمين في الدول الإسلامية بطريقة سلمية وحضارية والعمل من أجل ذات الأمر للمسلمين في الدول غير الإسلامية واحترام حقوق الأقليات الدينية بالعموم وأينما وجدت مثلما إنهاء الاحتلال ومنح الحرية للدول المسلمة ووقف العدوان عليها.
ثالثاً / في مجال حقوق الانسان والديمقراطية والمرأة
إن الترابط بين هذه العناوين وثيق ولا يمكن فصل واحدها عن الآخر رغم أن الرئيس الأمريكي اعتبرها وتحدث فيها كعناوين منفصلة، وفي هذا السياق استشهد الرجل بتاريخ أمريكا ونضالها ضد إمبراطورية قوية ومهيمنة واعتبر حصول أمريكا على استقلالها ثمرة للسعي من أجل الحرية تماماً كما اعتبر النضال السلمي الذي خاضه السود في الولايات المتحدة الأمريكية عبر عقود طويلة من الزمن نموذجاً طيباً للسعي من أجل حقوق الانسان والمساواة والحرية أيضاً. أما في موضوع المرأة فقد ركز على المفاهيم التي تستند إليها نظرته والغرب عموماً لمنح المرأة حقوقها كاملة ومساواتها بالرجل. إن كل ما أورده أوباما حول هذه المسائل لا خلاف حوله وهو حديث يؤمن به الجميع سواء فيما يخص الديمقراطية أو حقوق الانسان أو المرأة، لكن ما يقلل من مصداقية الحديث في هذا المجال هو علاقة أمريكا بالذات مع بعض الدول والحكومات الاستبدادية بمن فيها الدولة المضيفة التي يعتبرها البعض نموذجاً سيئاً لكل هذه العناوين بما في ذلك قصة حقوق الأقباط في مصر التي ألمح إليها أوباما في معرض خطابه حول الحرية الدينية والتعامل مع غير المسلمين في المنطقة.
إن تغيير لغة الخطاب تجاه الحكومات غير الديمقراطية والتعامي عن الممارسات اللاديمقراطية وغير الانسانية والتغاضي عن خرق حقوق الانسان لمجرد أن هذه الحكومات وهذه الدول على علاقة جيدة بالولايات المتحدة ولارتباط بقائها واستمرارها باستمرار المصالح الأمريكية يفقد الولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما جزءاً كبيراً من مصداقية خطابه بالخصوص وعليه فإن التعويل على مساندة الولايات المتحدة للقضايا الجوهرية المرتبطة بالديمقراطية وممارسة حقوق المواطنة في البلدان البارزة في مخالفتها للقواعد الديمقراطية وشريعة حقوق الانسان لا تستند لأرضية صلبة ولا يمكن الاعتماد على مساندة جدية وسلمية لأي سعي ونضال من أجل ذلك في هذه البلدان والولايات المتحدة تكيل بمكيالين أو أكثر في هذا العنوان وإسرائيل نموذج كبير بالخصوص.
وبعد هل يمكننا القول أن ما تناولناه قد أوفى الزيارة والخطاب حقهما من التحليل والتقييم؟
الجواب المنطقي: لا. غير أنه يمكننا بإضافة بعض المسائل والحقائق إكمال الصورة عما أراده الرئيس الأمريكي من وراء زيارته والأهداف التي يمكن تحقيقها للعرب والمسلمين وللولايات المتحدة الأمريكية ونبدأ بتوقيت الزيارة الذي ترافق مع مناورات عسكرية إسرائيلية هي الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني وهو توقيت ذو معنى واضح ولا يمكن أن يكون التزامن مجرد صدفة. الزيارة بدأت بالسعودية بعد أن كان مقرراً زيارة مصر فقط وإلقاء الخطاب من القاهرة وهذا التغيير جاء بناءً على نصيحة مستشارين مقربين من الرئيس الأمريكي واستجابة لضغط المملكة ووزنها الاقتصادي وفي المحصلة لمصلحة الولايات المتحدة والتوازن في موقفها وتقييمها لدول المنطقة.
الزيارة والخطاب في المجمل جاء لخدمة حشد الدول العربية والاسلامية في مواجهة إيران والضغط عليها من أجل تليين موقفها في موضوع الملف النووي وجاءت لغة الخطاب المرنة بالخصوص في هذا السياق، كما أن سعي الولايات المتحدة لتشكيل تحالف مناهض لإيران في المنطقة كان ضمن استهدافات الزيارة والخطاب الذي ترافق مع المناورات الإسرائيلية كما أسلفنا. وفي المحصلة العامة للتقييم والتحليل فقد كان الخطاب أفضل ما يمكن عمله لتجميل صورة أمريكا في نظر العرب والمسلمين وحقق نجاحاً ملفتاً لابد أن نعترف به، كما كان من أنجح حملات العلاقات العامة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن التطور الإيجابي في موقف الولايات المتحدة تجاه الحقوق العربية والذي نقر أنه تطور حقيقي لكنه لا يصل إلى حد الالتزام الأمريكي بتنفيذ القانون والشرعية الدولية التي تعيد حقوقنا كاملة وترغم إسرائيل على الانصياع لها، ويبقى كما أسلفنا في بداية المقال حول كيف نرسم سياستنا وبرامجنا وعلى أي أساس حيث لو توفرت لنا الإرادة والتصميم على نيل حقوقنا وحفظ كرامة أمتنا ورسمنا برامجنا انطلاقاً من مصلحة هذه الأمة واستناداً لقدراتها واستعداد الناس الكبير والظاهر لتقديم التضحيات من أجل بناء مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا اللاحقة فإن كلمات السيد أوباما الفصيحة وبلاغته الملفتة في تسويق رؤية أكثر إنسانية وأكثر عدالة لحقوق الآخرين ونحن منهم لن تكون مجرد كلمات طيبة ووعود تذروها رياح المصالح والضغوط داخل أمريكا وغيرها بل ستتحول إلى أفعال تسعى لاسترضائها حفاظاً على مصالحها واتقاءً لغضبتها تجاه مواقف وممارسات تكيل بمكيالين تجاه قضاياها حقوقها.
Zead51@hotmail.com