أرشيف - غير مصنف

العراق: حملات اعلامية واعلانية بمبالغ ضخمة لصحف ومنظمات (وهمية) لتطبيع الاحتلال الاميركي

تحاول جريدة (بغداد الآن) التي تصدرها القوات الاميركية في العراق وتوزعها مجاناً في التقاطعات والشوارع، اختزال الوضع العراقي بكل تعقيداته، من خلال صفحات النجوم واخر صيحات الموضة في بيروت والكويت، وهناك القليل من الاخبار عن الجنود الاميركيين الذين يبلغ عددهم الان في العراق اكثر من 130 الف جندي، هكذا تنظر صحيفة الواشنطن بوست لما تحاول هذه الصحيفة نقله عن العراق.
 
قالت صحيفة الواشنطن بوست ان الجنود والشرطة العراقيين فخورون، لان القنوات التلفزيونية العراقية وغيرها تتسابق بنقل اخبار حملتهم لتخليص الشوارع من الاسلحة ومطاردة المجرمين. ويبدو العراقيون من كل الطوائف موحدين بهذا التصور والمتابعة، كما تحاول الحكومة العراقية اشاعة هذا التصور. وتمتدح الصحيفة العملية الديمقراطية، وكل ذلك جزء من حملة الحرب النفسية الاميركية الهائلة للتأثير على سلوك العراقيين وتوجهاتهم . ويقول زياد العجيلي رئيس مرصد الحريات الصحفية، وهو يقلب عددا من بغداد الان: ((الملايين التي انفقت على ذلك هي تبديد للاموال))، ويضيف ((لااحد يقرأ ذلك)). وقد انفق المسؤولون العسكريون الاميركيون والمتعاقدون الاميركيون الملايين من الدولارات على الاعلانات والكتيبات والفترات الاذاعية والتلفزيونية في العراق خلال السنوات الست الماضية لتلميع صورة الجيش الاميركي، وتهميش المتشددين والترويج للديمقراطية ورعاية المصالحة. وقد صممت بعض الحملات لتشجيع العراقيين لقلب مواقفهم ضد المتمردين والتعاون مع القوات الاميركية وقوات الامن العراقية. وبعض الحملات الاخرى اظهرت القيم الديمقراطية والمصالحة الطائفية والكبرياء الوطنية . وفي بلد تجري القليل من الامور فيه بشكل جيد، وحيث قوات الامن لها سمعة متغيرة الالوان يبقى التوتر الطائفي كبيرا ، فقد بقي العراقيون يعزلون انفسهم بشكل كبير عن فيضان البروبغندا التي يعرفونها او التي يفترضون بانها تأتي من الحكومة الاميركية. وينفي المسؤولون الاميركيون الذين حاورتهم الواشنطن بوست تقييمهم وادراكهم لفعالية انشطة الحرب النفسية في العراق. وقال ريشارد هولبروك المبعوث الخاص للرئيس اوباما الى الباكستان وافغانستان ، امام المشرعين الاميركيين مؤخرا ، بان الادارة الاميركية تعمل على خطة للاتصالات الاستراتيجية لذلك الاقليم والذي يسحب ادواته من دروس العراق. وابلغ هولبروك لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الشهر الماضي : ((هذه منطقة خاضعة للمصادر، والخطة الاتصالية الاستراتيجية، التي تتضمن الاعلام الالكتروني والتلفزيون والاذاعة،ستتضمن خيارات حول افضل الطرق لمجابهة بروبغندا المتمردين والارهابيين)).
 
و بغداد الان ، ليست مصنفة بانها منشور للجيش الاميركي ، بالرغم من ان الجيش الاميركي يعترف بانها تصدر من قبل وحدة للعمليات المتعلقة بالحرب النفسية وتوزع بشكل حر على الجنود . والاعمدة التي تستند عليها اعداد المنشور متروكة في مدخل المنطقة الخضراء لكي يلتقط منها العابرون. والعناوين الرئيسة في الاعداد الاخيرة ، تزيد الترويج لقائد الشرطة الجديد في بغداد ، وتفيد بان تنفيذ الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة يتم بشكل مريح ، وتبرز الجهود في وزارة الداخلية لمحاربة الفساد . واوضحت صورة نشرت على الصفحة الاولى تاجرا عراقيا داخل احد الشوارع وكما يبدو محتجا . وتحت الصورة التعليق الاتي : ((قوات الامن تحمي حقك للتظاهر بشكل سلمي)). وتضمن عدد اخر ، مصورا كارتونيا يظهر متمردا مشوها يترك العراق حيث اللاجئون المبتسمون يعودون الى العراق. ويقول العجيلي:((هذا خطأ كبير ، والاشخاص المسؤولون عن ذلك ليسوا صحفيين محترفين انهم يفعلون ذلك بالطريقة نفسها التي كان النظام السابق يقوم بها في صحفه))، مشيرا الى الصحف التي كانت تمجد صدام حسين . وقال مسؤول عسكري اميركي اشترط عدم نشر اسمه، بان الجنود العراقيين في موقعه يسخرون من المنشور وهم اكثر اهتماما بالمنشور المستقل الذي تصدره وزارة الدفاع. وقال ذلك المسؤول : ((انهم يقولون انها صبيانية.. بغداد الان تقدم مصادر جيدة للوقود في نقاط التفتيش)). وخلال السنوات المبكرة للحرب ، كانت معظم الحملات الاميركية مرتبطة بشكل وثيق باهداف عسكرية محددة، مثل الطلب من الناس التعاون حينما يفتش الجنود بيوتهم. وفي السنوات الاخيرة من الحرب ، فقد اصبحت تلك الحملات اكثر تعقيدا واصبحت تخوض في الموضوعات العميقة التي تدخل في اطار الاهداف الاميركية التي تتركز في ترك العراق مستقرا وديمقراطيا .
 
وفي سنة 2004 ،انتشر فن اللف على فضائح تعسف سجن ابو غريب، ومجابهة التمرد، فقد رعت ومولت القوات الاميركية مشروعات للعلاقات العامة، لتحسين صورتها . واحد تلك المشروعات : مجموعة لنكلولن الموجودة في ارلغنتون ، تعرضت للهجمات لانها دفعت في عام 2005 لصحف العراقية لاصدار قصص مقنعة ومكتوبة من ضباط الجيش الاميركي . وقد اصدر ذلك المشروع الاتصالي حملة قال فيها المسؤولون العسكريون ، بانه مصمم لكي يظهر وكأنه كمبادرات عراقية الانتاج . وقال المسؤولون في البنتاغون ، بان تلك الحملات سمحت لهم لمجابهة مجموعات المتمردين والتي جعلت من وسائل الاعلام ارض المعركة الاساسية . وتصدر المجموعات المتمردة السنية والشيعية عادة افلام فديو تتميز بانتقاد الوجود الاميركي في العراق .
 
والبروبغندا التي صدرت من مجموعة تسمى جمعية عراق الغد ، منتشرة في كل مكان . ويقول الموقع الالكتروني – المتصف بالمكر- للمجموعة بانه ((مستقل وليس منظمة حكومية ، ويضم عددا من الاكاديميين ورجال الاعمال ، والناشطين والذين يشتركون في الاعتقاد الراسخ بالحرية والتقدم لكل شعب العراق)) لانه بكل بساطة (العين المراقبة) لكل المصالح العراقية.
 
ولا يضع اسماء اعضاء او عنوانا للاتصال به ، سوى عنوان بريدي عام على الانترنت . ويرفض الجيش الاميركي التعليق حول نسبة هذه المجموعة اليه. ويقول وميض عمر نظمي استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد: ((معظم الناس يعتقدون انها بروبغندا اميركية))، مضيفاً ان رسالة الامل والمصالحة السياسية هي من ضمن النيات ولكنها غير مرتبطة بالواقع العراقي . واضاف نظمي قائلا: ((ليس هناك كلام عن الفضائع التي ارتكبتها الشرطة المحلية او الاشخاص الذين قضوا سنوات في السجون)).
 
وقال اسعد ابو خليل استاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا ، بان الحملات تتعرض للسخرية في العالم العربي . وقال: ((ان لها نغمة فظة وقناعة محدودة ، والصوت المحدود مثل دعاية صدام الخاصة ، والعرب يستعملونها ايضا كمربط فرس ويترجمونها بوضوح من الانكليزية ، واحدها تنطوي على مضمون بحيث ترى الامر الواقع وكأن العراقيين هم من الغربيين والعلمانيين)). واحدى الحملات التلفزيونية التي انتجت في سنة 2004 تحت عنوان : ((يمضون ونبقى)) التي تصدر عن مجموعة عراق الغد تظهر خطا طويلا من العربات العسكرية الاميركية وطائرات الهليكوبتر تختفي في الافق ، ومجموعة صغيرة من الاطفال العراقيين يراقبون كما لو ان قوة عسكرية تختفي ، ولثوان معدودة قليلة ، فانهم يظهرون حذرين ، وبعدها يضحك الاطفال ويبدأون بلعب كرة القدم.
 
ويقول المحامي عبد الكريم احمد من صلاح الدين : ((كل العراقيين يعرفون بان هذه المنظمات مدعومة من قبل الحكومة الاميركية لتطبيع الاحتلال، واقول لجمعية عراق الغد: اذا اعطيت هذه الاموال للفقراء والارامل ، فان العراق سيكون رائدا في الرفاه الاجتماعي)) . وتذهب ملايين الدولارات الى جيوب المنتفعين من الحرب الذين يعتقدون بان النصر في العراق يمكن تحقيقه من خلال وسائل الاعلام والتي تستخدم التحركات من تحت الارض.

زر الذهاب إلى الأعلى