أرشيف - غير مصنف
السابع من تموز والتحدي المصري الفلسطيني
بقلم / سعيد موسى
((مابين السطور))
أزفت ساعة الحسم السياسي لطي صفحة الانقسام الفلسطيني، ولا اعتقد أن هناك مجال أكثر من التسويف لبعض شهور سوى المكابرة بعينها، فقد وصل الحوار الفلسطيني الفلسطيني، بكل ماعلق به من آثام وطنية ومعاناة جماهيرية عصفت بالنسيج الاجتماعي ووحدة الصف صمام الأمان، حتى وصل الانقسام ليكون أداة سياسية في يد كل أعداء الوحدة عربا وصهاينة وعجما، يتشدقون بالانقسام كل بعباراته كمبرر يخدم مصلحته والثمن، وطن ممزق ومواطن مُعدم وشعب تهدر كل حقوقه وحرياته، بل وصل الأمر إلى حدود تقديم معضلة الانقسام التي يحلو للبعض التغني بأنه ليس لها حل ويطيب لهم استدامة شطر الوطن الواحد ولا يفكرون للحظة واحدة أن ذلك من سابع المستحيلات، ومهما بلغت الوقائع الانقسامية على الأرض، فمن يقرأ كل المعطيات الحقيقية يعلم أن ذلك الانقسام بكل تداعياته التدميرية ماهو إلا زوبعة في فنجان،بحساب المصلحة الوطنية، وبكل الحسابات العربية والإسلامية والدولية هو زائل لامحالة، ولن يقبل هذا الشعب المرابط الثائر أن يكون مصيره كالخراف السائبة في إسطبلات الخلافات السلطوية مهما كان زيف المبررات.
لقد كانت جولة الحوار الخامسة هي الجولة الأخيرة، وقد وصل الحوار إلى نقاط التقاء وخلاف، وكان لابد من تدخل عربي قوي و إسلامي نزيه وحريص لرأب الصدع وتضييق فجوة الاختلافات، وصولا إلى نقاط التقاء وسط، وما يتبقى من خلافات جوهرية يحال إلى التحكيم الوطني حيث السلطة الحقيقية الثابتة في حال تعثر نيابة السلطات،انتهت جولة الحوار الخامسة وسبقها تنويه مصري بتفويض عربي إسلامي دولي، أنها الجولة الأخيرة، بان يتم اعتماد ماتم الاتفاق عليه، وما دونه يخضع لورقة المقترحات المصرية حيث الوقوف على مسافات وسط بين الفرقاء مساعدين وضامنين لتنفيذ ما اتفق عليه، وإلزام الفرقاء بموجب المصلحة الوطنية الفلسطينية، والمصلحة القومية المصرية، والمصلحة العربية والإسلامية، بتنفيذ ما تم طرحه من مقترحات مصرية، وحصيلتها تدفع صوب الخيار الفلسطيني وليس المصري، بمعنى مالم يتم الاتفاق عليه ويعتبر مستحيل التوافق، يتم تأجيله إلى مابعد استحقاق الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية، تلك الانتخابات التي ستحسم كل ماتبقى من هوة الانقسام المدمر، لان شعبنا مل من شعارات المناكفة الإعلامية ومصطلحاتها الهابطة والتي باتت لا تنطلي على أي مواطن فلسطيني، لان الخاسر بالانجرار خلف تجديد وتصعيد تلك الشعارات المبتذلة هو المواطن الفلسطيني في عموم الوطن، والمستفيد من إطلاقها هو من يسعى إلى تكريس الأمر الواقع المستحيل.
السابع من تموز هو قرار مصري بتفويض عربي إسلامي، كي يكون محفلا لتوقيع اتفاق مصالحة فلسطينية بتدخل وضمانات عربية باتت ملحة في حال تمسك كل طرف من الفرقاء بشروطه التي يعتبرها الحق المطلق ويعتبر الآخر الباطل المطلق، وقد بات الأمر ميئوس منه للتوافق المطلق، ولاجدال في أن مصر هي المتضرر العربي الأكبر من هذا الانقسام الفلسطيني، بموجب ماقدمته من عشرات آلاف الشهداء في قلب فلسطين وعلى خطوط التماس مع الاحتلال.
بكل الحسابات الوطنية والقومية، لقد انتهت صلاحية الانقسام، خاصة وأننا تركنا كل الخنادق السياسية والعسكرية في مواجهة المحتل باسم التهدئة والتسوية، وأصبحت البنادق توجه إلى الذات الوطنية، وهنا من العبث أن تترك الأمور لتجار الدم الفلسطيني من خارج فلسطين، لتصنف لنا من هو الحق ومن هو الباطل، ونشهد غيضا وتوترا كلما اقتربنا خطوة واحدة صوب المصالحة الوطنية الحتمية، فما عاد أي شعار غير شعار المصالحة له صدى ومصداقية، ومن يعيش داخل فلسطين يعلم أن الأغلبية الساحقة مع إنهاء شبح الانقسام والصراع الدامي جسديا وإعلاميا على سلطات رخيصة إذا ماقيست بطهارة قطرة دم فلسطينية واحدة، الانقسام واستمراره يخدم فقط الأعداء الحريصين على تكريسه بكل ثمن، ويخدم أصحاب المصالح الخاصة من جاه زائل وثراء باطل واستقراء جائر، فلم يعد هناك أي جدوى أو مبرر من الحفاظ على روح الانقسام، تحت مسميات ومبررات مضللة وخبيثة باتت مكشوفة لكل المواطنين، ومن يعتقد بان الانقسام نعمة يجب أن تستمر، وان الظلم عدالة يجب أن يكرس، فانه بأمر الله وآآهم ويمتطي أحصنة الخيال.
لا ادعي أن السابع من حزيران سيشهد نهاية النوايا المصرة على الانقسام، لكني اعتقد أن ذلك التاريخ سيكون بداية النهاية لكل مخططات الانشطار الوطني، ولا اعتقد أن أجواء ذلك التاريخ سيسودها ترك الحرية المطلقة للفرقاء ليقولوا هذا يعجبني وهذا لا يعجبني والسلام، بل لا اشك أن تدخلا مصريا قد يفسره البعض بالتهديد وبالتدخل في الشأن الفلسطيني على غير رغبة من يخدم الانقسام مصالحهم الحزبية والفئوية الضيقة، وسيكون الحضور المصري بدعم عربي إسلامي ودولي كذلك هو حضور جازم وصارم وحاسم إذا تطلب الأمر ذلك، من منطلق أن السلم الأهلي في فلسطين عامة وقطاع غزة تحديدا هو مصلحة مصرية إستراتيجية، ومن منطلق إسقاط لعب الأعداء بورقة الانقسام لخدمة مصالحهم وتبرير عدوانهم، لذا فان القيادات السياسية لجميع الأحزاب الفلسطينية وفي مقدمتهم قادة حركتي فتح وحماس، يدركون جيدا أن التدخل المصري والرعاية المصرية ستنتقل من مرحلة الحياد إلى مرحلة الانحياز ضد أي من مبررات الانقسام واستمراره حتى لو لشهر واحد، واعتقد أن القيادة المصرية أَطلعت القيادات الفلسطينية على خارطة انتهاء عهد الانقسام، وعلى الدور المصري والعربي المفترض والذي لن يسمح بأي حال من الأحوال بتجاوزه، ولن يسمح كذلك بمجرد الاعتقاد أن مصر ستنفض يدها نتيجة الحجج والمبررات التي يسوقها الفرقاء، بل إذا ماتطلب الأمر فرض الحلول والمقترحات العربية للمصالحة وإنهاء الانقسام وهذا له من الأدوات الحاسمة على غير مايذهب إليه تفكير البعض من قوة محرمة،فمن يستخف بصبر ومجهودات مصر سوف يخسر كثيرا، فلديهم كمصر بتفويض عربي، مايجعل الرافض للمصالحة والرافض لحق الشعب في انتخابات تشريعية ورئاسية مايفكر مليون مرة قبل أن يركب رأسه ويضرب بعرض الحائط الحق العربي في فرض الحلول وفق ما تقتضيه المصلحة العربية الفلسطينية، الجميع يعلم أن لا خيار أمامه إلا خيار المصالحة والاحتكام لوحدة الصف والعودة للشعب صاحب كل السلطات، ولا اعتقد أن أحدا سيدعي أن المصالحة الفلسطينية حاجة صهيونية، بل الانقسام والصدام هو مصلحة ليس للصهاينة فقط بل لكل الأعداء مهما تستروا خلف شعارات براقة كحق يقصد به عين الباطل.
وعليه فان السابع من تموز هو تحدي مصري بالدرجة الأولى، إذا ما ترك للفرقاء حرية الاختيار كل وفق شروطه، فلن يحدث إلا مزيد من الصدام والدموية والانشطار والقهر والانفجار، وتحت هذا السقف الانشطاري مزيدا من الهدوء والمسالمة مع الأعداء، ومزيدا من الاغتيالات والتهويد ، ومزيدا من الحصار اللعين القاتل، لذا أزف التدخل القسري العربي لإنهاء لعبة الانقسام العبثية الكارثة بكل الوسائل الممكنة، وفي المحصلة فان التدخل المصري بقوة ، ووفق المقترحات المصرية التي حظيت بمباركة عربية وإسلامية، فان أي من الفرقاء لن يتحقق له كل مايريد حسب شروطه، بل لا نشك لحظة واحدة بأنه كلما زادت جرعة التدخل المصري وبقوة منطلقة من مصلحة عليا، فسوف يعي الفرقاء أن لامجال للمناورة تغذية استدامة الانقسام، ولا يساورنا أدنى شك بان مصر العربية ستنجح بكل السبل في إخراج ذلك الانقسام من عنق زجاجة التعنت والانشطار، والنجاح في توحيد الشعار الوطني بعيدا عن تصنيفات الابتذال واللعب بوعي الشعوب البعيدة عن عمق المأساة الوطنية ولا تلامسها إلا من خلال بعض الاتصالات ومن خلال مايطلق على شاشات الفضائيات ، من قدسية الذات الحزبية ودنس الذات الوطنية المقابلة، حتى باتت فئات كثيرة من المثقفين تجد ضالتها في غرس سموم أقلامها في الجسد الوطني المثخن بجراح العدوان والانقسام، في حين أن الجسد الفلسطيني بحاجة إلى دعاة المحبة والوئام والسلام بعيدا عن شعارات التحريض وثقافة اللئام.
ربما المتغيرات العربية والدولية، ستساعد مصر وكل الخيرين في إنهاء ذلك الانقسام اللعين، الذي دمر نسيجنا الاجتماعي، واسقط كل قدسيات حرمة الدم الوطني، وافرز ثقافة لم نعهدها منذ نصف قرن من صراعنا العسكري الميداني مع الأعداء، حتى بات من أسهل وارخص القول إطلاق صفات التعميم بالتكفير والتكفير المضاد وبالعمالة لهذه الجهة ولجهة مضادة وبالخيانة العظمى والصغرى حسب ما تقتضيه مزاجية المصالح الفئوية الضيقة، كل هذا يخدم الانقسام والعدوان، الذي يجب أن ينتهي وفورا وأي تسويف أو تأخير إنما هو لصالح العدو الإسرائيلي وأعداء الوحدة العربية والفلسطينية، لذا سيستشعر قادة الفرقاء اليوم وليس غدا أن الستارة آخذة في الانسدال على مشهد الانقسام، حتى لو أقدم أي من الفرقاء على أي فعل يعتقد انه سيفشل الجهد المصري والعربي والإسلامي، فسيكون فقط زاد المأساة وسرع الضغط والتدخل لإنهاء الانقسام قبل أن تلامس الستارة خشبة المسرح الأسود الذي شهد، أسوء مراحل الانصهار الوطني الذي تحول إلى انشطار، أزف تجميده وصبه من جديد في بوتقة الوحدة الوطنية في مواجهة المتغيرات والتحديات العالمية، والى ذلك الموعد الذي سيشهد حتما العد التنازلي حتى لو تم تصعيد المواجهة الداخلية، فلن تفلح أي من المحاولات في ثني مصر المفوضة عربيا وإسلاميا وفلسطينيا بوضع حد لهذه الصفحة الوطنية السوداء، وستنجح مصر بإذن الله من إبرام تفاق وستكون على رأس الدول العربية ضامنة لتطبيقه وتنفيذه على الأرض منذ السابع من حزيران إلى الخامس والعشرون من كانون ثاني 2010 ، حيث الانتخابات التشريعية والرئاسية لإعادة ترتيب أوراق الوحدة الوطنية الفلسطينية، واستعادة سلامة النسيج ووحدة الشعب ووقف النزف الآثم أهم بكثير من توحيد الأحزاب وتقاسمها السلطات، ومطلوب من القيادة المصرية والعربية اأن تضع كل ثقلها الطوعي والإلزامي، لإنقاذ الشعب والقضية من جريمة استمرار الانقسام وتداعياته التي لم ولا ولن يحمد عقباها.