بونجو .. ابن بونجو!!

 د/ نصار عبدالله
مات بونجو .. وجاء بونجو!! … بونجو ابن بونجو !! …هذا هو ملخص الواقع السياسى المرير لنسبة مفزعة من دول القارة الأفريقية التى  مازالت تدعى أنها نظم جمهورية !! … منذ أيام توفى الحاج عمر بونجو رئيس الجابون مفسحا بذلك الطريق لنجله على بونجو وزير الدفاع لكى يتربع على كرسى السلطة … مات عمر وسوف يجىء على … حكاية متكررة فى ربوع القارة الأفريقية وفى بعض ربوع القارة الأسيوية أيضا !! .. الحاج عمر ( رحمه الله ) … هو أقدم الرؤساء الأفريقيين على الإطلاق ، إنه  أقدم من معمر القذافى نفسه حيث يسبقه فى الرئاسة بعامين كاملين ( تولى معمر القذافى الرئاسة عام 1969بينما تولاها بونجو عام 1967)…اثنتان وأربعون عاما تقريبا عاشها الشعب الجابونى تحت حكم الحاج عمر منذ أن تولى منصبه عام 1967 عن طريق التعيين .. نعم عن طريق التعيين!! ربما يتعجب بعض القرا ء الذين قد يخطر ببالهم أن الحكام لا يتولون الحكم  إلا عن طريق الوراثة أو الإنتخاب !! لكن هذا لا ينطبق على قارتنا السعيدة إذا أن بعض رؤسائها قد شغلوا مناصبهم عن طريق التعيين بمقتضى قرار من الرئيس السابق!! ، بطبيعة الحال فإن الرئيس الحالى لا يصدر قرارا بتعيين شخص ما رئيسا للجمهورية بدلا منه ، ولكنه يصدر قراره بتعيينه نائبا للرئيس ، وهذا ما يضمن له عمليا أن يصبح رئيسا لاحقا،  وأن يستمر فى الحكم (غالبا حتى لحظة وفاته ) ، حيث سيخلفه فى الرئاسة: إما نائب الرئيس ( إن كان هناك نائب للرئيس ) وإما واحد من أبناء إن كان له واحد من الأبناء فى موقع من مواقع القيادة العسكرية أوالسياسية . والواقع أن ما حدث مع الرئيس بونجو يشبه فى الكثير من جوانبه ما حدث مع الرئيس المصرى أنور السادات ، فكلاهما قد شغل منصبه عن طريق التعيين فى موقع نائب الرئيس ، وكلاهما قد خطر له أن ينشىء حزبا بعد أن تولى السلطة بالفعل ( فى كل بلاد الدنيا يصل الحزب إلى الحكم فيجىء بالرئيس إلا فى قارتنا السعيدة حيث يصل الرئيس إلى الحكم فيجىء بالحزب !!)، وكلا الرئيسين قد أسمى حزبه بالحزب الوطنى الديموقراطى ، وكلا الرئيسين قد أصدر دستورا ديموقراطيا ينص على أنه لا يجوز إعادة انتخاب الرئيس لأكثر من فترتين رئاسيتين متتاليتين ،  وكلا الرئيسين قد عدل عن هذا النص مع اقتراب نهاية فترة رئاسته الثانية ، واستبدل به مادة تنص على جواز إعادة الرئيس لمدد أخرى غير محددة العدد بدلا منها !! الرئيس أنور السادات  كان هو الأسبق فقد أصدر الدستور المصرى ( الدائم ) ، عام 1971 ثم قام بتغيير المادة المعنية  فى مايو عام 1980مع اقتراب نهاية فترة رئاسته الثانية حتى يضمن لنفسه فترة رئاسة ثالثة ورابعة وإلى ماشاء الله ، لكن اغتياله فى عام 1981حال دون ترشيحه لفترة رئاسية جديدة، ففارق الحياة قبل أن يجنى ثمار التعديل الدستورى الذى ما زال قائما إلى الآن !!، أماالرئيس بونجو فقد أجرى نفس التعديل على الدستور الجابونى عام 2003 ، وتشاء الأقدار أيضا أن يرحل بونجو قبل أن يستفيد من هذا التعديل الأخير، …صحيح أنه لم يكن محتاجا أصلا لا إلى تعديل الدستور ولا إلى الدستور ذاته بدليل أنه تمكن من حكم البلاد أكثر من ثلث القرن قبل إقرار تلك التعديلات ، لكنه فى سنوات حكمه الأخيرة بدأ يتعرض لضغوط دولية أجبرته على محاول تحسين صورته الديموقراطية ولو ظاهريا ، وقد بلغت تلك الضغوط ذروتها عندما بدأت الشرطة الفرنسية تجرى تحقيقات فى بعض وقائع غسيل أموال متهم بها ثلاثة من الرؤساء الأفارقة كان على رأسهم الحاج عمر بونجو( رحمه الله )
Exit mobile version