أرشيف - غير مصنف

العولـمة ..ذلك الدين الجديـد!!

  بقلم حسين حرفــوش
لقد استطاع ذلك الدين الجديد .. المُزّيَّف كمن سَوَّقُوه ..أن يجذب إليه أفواجا من الناس ..سيطر عليهم تفكير الفراشة .. واقتنعوا بثقافة القطيع .. فاندفعوا مهرولين نحو تعاليمها .. التي خرجت من رحم ملوث ويكفي أن تقرأ ما جاء في توصيات    مؤتمراتها .. التي تركزت معظمها  في بلاد الشرق (الأدنى والأوسط والأقصى )من بكين إلى القاهرة … لترى كيف يدعو ذلك الدين الجديد في معظم توصيات تلك المؤتمرات إلى تقنين الشذوذ ..والأوضاع الشاذة ..حتى أن بعضهم في الغرب سن القوانين ويطالبنا بالالتزام بها وتنفيذها .. وإن بدا فيها شيئ إيجابي ففي طياتها ما جاء بما يخالف قيمنا وتعاليم ديننا .. ولقد سقطت في أول اختباراتها .. عندما رأينا ما كان مستهجنا من الجميع ..مقبولا لدى فئة ..وسمعنا بمآثم .. وجرأة   على تعاليم ديننا ..ومجتمعنا وثوابتنا .. فسمعنا ما يندى له الجبين .. ويكفي أن تسمع عن طالبة تتزوج بزميلتها في حرم المدرسة في يوم مفتوح .. ومحارم لم تعد بينهم حرمة ..ورجال افتقدوا الغيرة على أنفسهم وأهلهم وذويهم ..يرحم الله عولمة العصر الجاهلي الذي كان من قوانينها ما قاله عنترة العبسي :
 
وأغُضُّ طَـرْفـِي إنْ بَـدَتْ لي جَـارَتِي @ حتَّى يُـوَاري جَـارَتي مَـثْوَاها
 
إن الذين أدخلوا علينا ما يشين تحت مسمى برّاق وهو الحقوق الإنسانية .. وقالوا لنا    إنها العولمة .. وليس لنا أمامها حول ولا قوة .. ما هم إلا أتباع لتلك التعاليم ومروِّجون لغثِّها قبل سمينها .!! وانظر إلى ما جاء في القوانين التي تتعلق بالأسرة والطفل ..والتي خرجت من تحت عباءة العولمة .. تجد عجبا .. حتى أصبح من يستحق الرعاية بالتهذيب والتأديب .. مُـهَـذِّباً.. ومُؤَدِّبـاً..وتساوى الراعي .. مع الرعية .. والهدف أن يصبح الجميع غوغاء .. فبرزت على السطح سفاسف الأمور ..وتوافه المعاني لتكون مُـثلا وقيما وموضوعا للفن بأنواعه وللتربية في مجالاتها .. ..وأصبحت المثل العليا المستمدة من تراثنا وحضارتنا وديننا تخلفا ورجعية .. فاضطربت المعايير ..فأصبح ـ من خلال تلك النظرة .. مثلا ـ دور الزوج تجاه زوجته ..ضعيفا.. ودور الزوجة والزوج تجاه أولادهما أضعف .. والسبب هو اختلاف واضطراب المعايير .. التي جاء بتلك اللوائح والتعاليم التي وضعها بشر .. غفلوا عن هدي السماء وتعاليمها فهاموا وراء ادعاءات ..وشهوات ..وفلسفات..ولقد تأملت في الخلاصات .. (رغم جهلي وقلة خبرتي أمام السادة الجهابذة المؤمنين بها والداعين للاقتناع بمذهبها.. وجدتها تشيع ثقافة ..سأقول لك ملخصها في جمل قصيرة : (( ففي مجال السياسة .. تجاه القوي الظالم المفترى .. اسمع ونفذ))((وفي مجال الضرر الواقع عليك وعلى غيرك ..تألم ..وتكلم ..وتعجب ..))((وفي مجال المطالبة بحقك ..مسموح لك أن تتنازل .. وإذا تنازلت ..ســيتنازلون هم .. عن سقطتك الشنيعة ..!! فلن يعاقبوك على مطالبتك بحقك !!   ((وفي مجال الثورة والغضب على الفساد مهما كان ..بدءا من مجال السياسة .. حتى مجال التربية .. مسموح لك ..أن تدين السلوك.. وتشجب..فقط .. وإلاَّ!!))(( وفي مجال….وفي مجال … إلخ .. مطلوب منك .. أن تتألم .. أو تتأقلم .. !! ))
 
 سيداتي و سادتي …. لا أستطيع أن أقول نرفض العولمة ..لأنني موقن بأن لها بعض الإيجابيات ..ولذا أنا مع من يقول ((إن لأي ظاهرة سياسية او اجتماعية او اقتصادية سلبياتها وايجابياتها , فللعولمة جانب سلبي تنعكس فيه الآثار السيئة والمخاطر التي تهدد استقرار المجتمعات البشرية ,ولكن هي لا تمثل خطرا الا على الشعوب   الضعيفة والمتخلفه تنمويا و تفتقد لثوابت ثقافيه , اما التي تمتلك ثقافة وحضارة غنية فانها قادرة على الاحتفاظ بخصوصيتها الثقافيه وعاداتها وتقاليدها وتستطيع ان تتجاوز مخاطر وسلبيات العولمة..))..
 
لذا أقول للجهابذة الذين يريدوننا نرتمي ..فننتمي   ..إنهم بذلك يفقدوننا ثوابتنا وقيم حضارتنا .. وهنا أقول لهم إذا كان هناك انتقال فليكن معه اعتدال ..وإذا أردتم أن تنقلوا تعاليمها ..فعليكم أن تعقلوا وتفطنوا لما يفيد ..وما يضر من آثارها ..  
 
وإذا كان ولابد ..فمن المهم أن نحتفظ بهويتنا .. من خلال لغة .. وفن ..و تعاليم دين .. تربطنا بالمكان وتراثه .. والزمان وتاريخه.. أما الذوبان إلى حد ضياع الثوابت ..فهو من السفه ..فمن انسلخ من هويته وخصوصية تراثه ..من السهل أن ينسلخ من دينه .. وبالتالي إطاره القِــيَمِي ..والأخلاقي .. وهنا تكثر السقطات .. وتزداد العثرات .. وساعتها يتسع الخرق على الرّاقع
 
فلم لا ننتقي ما يفيد ونرفض بملء أفواهنا ما يضر؟! ويكون هذا منهج الساسة في قوانينهم .. وأهل التربية في مناهجهم ..ودعاة الإصلاح في منابرهم المسموعة والمقروءة والمرئية   ..؟!
 
فمن الجُـبن والسفه أن يوافق القادة ..ويصمت الأتباع ..وينحني الجميع إرضاء لدعاة الشذوذ .. الذين يدخلون بمسمى براق وهو الحقوق الانسانية ..
 
فيختلط الحابل بالنابل ..ويعرض الغث مع السمين دون انتقاء للمفيد وازدراء للمعيب والمخالف لتعاليم ديننا وحضارتنا وثوابتنا ؟!
 
سيداتي و سادتي.. يبدو أنني سأقع في المحظور.. وأغضب موالي العولمة .. وأخالف تعاليم ذلك الدين الجديد .. ويبدو أن الأغلبية ربما لن تتفهم موقفي عن قصد أو ربما دون قصد أو ربما مجاراة لتيار قد بدا قويا عنيفا ..
 
لذلك .. ســأكتفي .. بتوظيف بلاغتي في الحديث إلى أسود البراري ..وأسراب الطيور المهاجرة في الآفاق….وقطعان الغزلان في الوديان .. والأسماك والحيتان في أعماق البحار .. فهم على الأقل لن يتشدقوا بعبارات لولبية تؤكد صدق مزاعمهم
 
وتصب جام غضبها عليَّ وعلى أمثالي…أو شعارات من قبيل نتهادن بدل أن نتصادم ..
 
 ملخصا نصيحتي وتجربتي .. قائلا لهم .. يا سكان البراري والقمم والوديان ..والبحار والأنهار .. أيها الأحرار الشجعان ..عليكم أن تعترضوا .. وترفضوا .. ما يخالف ثوابتكم وقيمكم ومثلكم العليا التي ورثتموها من حضارتكم .. خير لكم من انحناءة .. بعدها ضياع .. ثم وقوع في الأسر والقيد .. ثم جُرحٌ أو ذبح   .. !!!
 
 
 حســـــين حـرفـــوش
 كاتب وشاعر مصري

زر الذهاب إلى الأعلى