الإمام خامنئي: لن نقبل الاستقواء بالشارع أو بالخارج
الإمام خامنئي: لن نقبل الاستقواء بالشارع أو بالخارج
” إيران ليست جورجيا “
بقلم: زياد ابوشاويش
في خطبة الجمعة التي ألقاها السيد على خامئني مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بطهران وحضرها عدد هائل من المصلين إكتظت بهم باحة المسجد والشوارع الجانبية وتابعها ملايين المشاهدين في مختلف أنحاء العالم تحدث عن الشأن الذي يشغل بال أصدقاء الثورة الإسلامية وأعداءها على حد سواء، لكنها تشغل بال الشعب الايراني ونخبه السياسية على وجه خاص، وفيها قال الإمام أجوبة واضحة جداً وبلغة قوية ومتماسكة وبمنطق لا يملك المرء سوى الثناء عليه، أجوبة حاسمة على كافة الأسئلة المحيرة لنتائج إنتخابات هي الأكثر مشاركة من حيث العدد والأكثر إثارة من حيث الإعداد والتحضير والأكثر أهمية وخطورة من حيث التوجهات للمرشحين على مستقبل الجمهورية والنظام طوال العقود الثلاثة من عمره.
حسم الإمام مسألة النتيجة باستبعاده إمكانية التزوير فيما يزيد عن عشرة ملايين صوت هي الفرق بين الرئيس المنتخب أحمدي نجاد وأقرب منافسيه مير حسين موسوي وأكد على رفض فكرة سرقة الأصوات في ظل النظام الإسلامي الذي رسخ أقدامه في البلد بقيمه العظيمة ودماء شهدائه الذين سقطوا على درب الحرية وبناء الجمهورية وقال أن المرشد مثل كل الناس له موقف محبذ لطريقة وأسلوب مرشح ما لكنه لا يبدي هذا علناً ولا يسانده في مواجهة منافسيه الآخرين.
حسم الإمام أيضاً الموقف من المظاهرات والمسيرات في الشوارع والحارات للضغط على الحكومة والنظام لتغيير موقفه من النتيجة المعلنة للانتخابات ووصفها بالخاطئة وطالب بوقفها، وكذلك خطأ الرد عليها بمظاهرات ومسيرات مؤيدة للرئيس المنتخب وحكومته. وفي هذا الإطار نبه السيد خامنئي إلى وجود عناصر تخريب إندست في صفوف الشعب واستغلت هذه المسيرات والتحركات لإشعال النار والفتنة عبر التدمير للممتلكات العامة وإحراق المباني العامة والاعتداء على الدولة ورفع شعارات غير مقبولة، وأن هؤلاء مسنودين من شخصيات وقوى داخلية وخارجية وسيأتي اليوم الذي يتم فيه الكشف عنهم جميعاً، وأن أجهزة الدولة تعرفهم وتتابع تحركاتهم المريبة.
أكد على رسوخ النظام الإسلامي بديمقراطيته الفريدة، وأنه لا تراجع عن ذلك تحت أي ظرف لأن حرية الشعب وخياره الديمقراطي المجسد في الجمهورية الاسلامية هي قناعات عميقة وتستمد شرعيتها وعدالتها من الدين الاسلامي والايمان به وبالله وتجذره في روح الناس وعقولهم وكذلك روح وعقول الأئمة والشيوخ، وأن هذا الايمان هو سر قوة النظام الإسلامي وثورته المنتصرة في إيران، وقد تكلم بطريقة حازمة لا لبس فيها حول احترام القانون والمؤسسات الشرعية باعتبارها المرجعية للبت في كافة الطعون والمشاكل المتعلقة بالانتخابات وأنه لا فائدة من اللجوء لأي وسيلة أخرى لتغيير نتائجها، ذلك أن أي وسيلة أخرى ستمثل خرقاً للدستور وهذا أمر مرفوض ولن يكون.
تحدث الإمام عن مزايا العملية الانتخابية الديمقراطية ببعض مظاهرها الايجابية وكذلك عن سلبيات ما رافقها من أخطاء قبل وأثناء الحملة الدعائية والمناظرات للمرشحين سنأتي على تفاصيلها لاحقاً.
تلك كانت أهم النقاط الواردة في خطبة الامام المنتظرة، والتي حسمت الأمور ومثلت فصل الخطاب لكل الجدل والحراك الدائر في إيران والخارج حول مآل الصراع الدائر في إيران بين من يطلق عليهم الاصلاحيين وبين من يطلق عليهم المحافظين أو المتشددين، الحسم الذي أتى لمصلحة استمرار نظام ولاية الفقيه والخيارات الاستراتيجية للنظام والجمهورية الإسلامية واستطراداً للأسلوب الذي تدار به معركة الدفاع عن الثورة بما فيها مجابهة التهديدات الخارجية والداخلية.
وفي ثنايا الخطاب وأقسامه الثلاثة كما حددها الإمام سنجد تسلسلاً منطقياً متميزاً ومترابطاً بطريقة مدروسة تؤدي في النتيجة لوصول الفكرة والتوجيه بأكبر قدر من التأثير والتقبل من المستمعين، وتمثل ذلك في التمهيد الوجداني العميق وإثارة المشاعر الدينية الراسخة قبل أن يتحدث في القسم الأول الذي تناول فيه معاني ودلالات المشاركة واسعة النطاق وغير المسبوقة على صعيد الديمقراطيات في باقي البلدان بمن فيها الأكثر رقياً وتقدماً، حيث وجه الشكر الجزيل والامتنان العميق لجماهير الشعب الايراني ووصفه ببطل الملحمة التي جسدتها كثافة المشاركة وتفوقها منقطع النظير. وقد أشار في هذا السياق إلى أن الأربعين مليون ناخب إيراني ذهبوا لصناديق الإقتراع ليختاروا موقفاً سياسياً وبرنامجياً تم إيضاحه من جانب المرشحين وليس على قاعدة الميل العاطفي أو الانحياز لهذا أو لذاك على خلفية أخرى وبهذا أثبت الشعب الإيراني تميزه ونضجه.
وقال في تلخيص هذا القسم أن الانتصار والبهجة والاحتفال بالانجاز الكبير من جانبه ومن جانب محبي النظام ومؤيديه جرى على خلفية هذه المسألة على وجه الخصوص ذلك أن العملية مثلت ردأ على جملة التحديات الراهنة وتجلياتها في المنطقة وعززت الموقف الإيراني منها.
وفي القسم الثاني المرتبط بتحضيرات ما قبل الانتخابات بما في ذلك عمليات الدعاية وحشد الانصار، وفي إطارها المناظرات التلفزيونية والاشتباكات الحادة بين المرشحين فقد تحدث المرشد الأعلى عن مظاهر إيجابية وأخرى سلبية، ففي الأولى كانت الشفافية والوضوح وحرية الرأي من الجميع واهتمام الشعب بما يجري مع أعلى مستوى من التدقيق في البرامج والطروحات وحيث اختلاف الاسلوب وتنوعه يمثل مظهراً طيباً للتعددية والتنوع البرنامجي والأهداف المرجو تحقيقها من جانب هذا المرشح أو ذاك، لافتاً إلى أن كل المرشحين وبرغم هذا التنوع وهذه التعددية هم أبناء الثورة الاسلامية وأبناء النظام وكانوا جزءً من قيادته وتاريخه ولا أحد منهم خارج عباءته مشيراً لمحاولات الأعداء بث الشقاق والفرقة بين الشعب بالايحاء بغير هذا وأن هناك من المرشحين من ليس ولاءه للجمهورية الاسلامية ونظامها السياسي وهذا محض افتراء وأماني لن تتحقق.
وفي الجانب السلبي للتحضيرات قال المرشد الأعلى أن الحديث المسبق عن التزوير وتغيير النتائج كان أمراً خاطئاً واستطراداً فإن التهجمات على رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب حد اتهامه بالكذب لم يكن أمراً صحيحاً ولا محترماً وأن سوق الاتهامات على أساس الاشاعات والروايات الصحفية كان انحرافاً عن الخط السليم للديمقراطية الاسلامية، وفي المقابل فإن التهجم على المنافسين ووصفهم بالفاسدين والتشكيك في ذمتهم المالية والإشارة لذويهم بالخصوص لم يكن شيئاً صحيحاً أو مقبولاً تحت أي مبرر، وقد خص بالذكر تناول أحمدي نجاد لإسم السيد هاشمي رفسنجاني رئيس لجنة تشخيص مصلحة النظام وكذلك ناطق نوري القيادي البارز في الثورة بايران وقد أثنى الامام بطريقة ملفتة على الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ووصفه بالرجل النظيف والنزيه والثوري وكأنه يريد كسب الرجل لصف رؤيته للمعالجة حسب قناعتي الشخصية.
وفي ختام هذا القسم أكد على ما سبق أن أوردناه في عنوان مقالنا بأن أي تحركات مهما كانت واستخدام الناس والشارع للضغط على النظام والحكومة من أجل تغيير النتائج لن يكنب لها النجاح وأن الأوهام التي تراود البعض حول الثورة الملونة للتغيير يجب أن تتوقف وأن إيران ليست جورجيا أو غيرها وأن النظام الإسلامي بنظامه الجمهوري عصي على الكسر وعلى الجميع الالتزام بوقف النشاطات غير القانونية بما فيها مسيرات الشوارع وأن للمحتجين مكاناً يلجأون إليه لتسجيل اعتراضاتهم وطعونهم في نتيجة الانتخابات التي لن يغيرها كل هذا العنف وهذه الفوضى.
وفي القسم الثالث والأخير للخطاب توجه بالكلام للغرب ولكل من أسفر عن وجهه غير الدبلوماسي أو القبيح، أؤلئك الذي قاموا بتغيير خطابهم باتجاه التصعيد ضد الحكومة الايرانية بعد قيام الخاسرين في الانتخابات وأنصارهم بالاحتجاجات الشارعية والعنف القصدي الذي استخدمه بعض هؤلاء وبعض العملاء للتخريب. لقد أشار المرشد الأعلى لوزراء خارجية ورؤساء وخص أمريكا وأوروبا التي تحدثت عن قلقها على حقوق الانسان وقد سخر الإمام من تلك التصريحات وتلك اللغة ووصفها بالنفاق والكذب ونصح هؤلاء وخاصة وزيرة خارجية أمريكا ورئيسها بأن تهتم بشؤون بلدها وقال أن حقوق الانسان في أمريكا ليست أفضل منها في إيران وذكرها بواقعة حرق الفرقة الداوودية داخل أحد بيوتها بمن فيهم نساء وأطفال.
لقد وضع الإمام خامنئي تحدي المستقبل وبقاء الثورة وقيمها أمام الشعب الإيراني بذكاء يحسد عليه حين وصف بعض ما جرى بالمؤامرة الصهيونية الأمريكية وبأن الانقسام الحالي وما يرافقه من تجاوزات هو في خدمة أهداف معادية للإسلام وللجمهورية ونظامها، وأن أي تبرير لذلك غير مقبول في ظل التحديات المفروضة على إيران وخاصة في ظل موقفها المبدأي من إسرائيل وملفها النووي ودعمها للمظلومين في كل مكان من العالم.
وختم الامام بما بدأ ومحركاً عواطف وقلوب المستمعين الذين ذرف بعضهم دموعه تاثراً وخشوعا.