أرشيف - غير مصنف
تخاريف واقعية لحل القضية !!
علاء الدين حمدى
ـ بمجرد انتهائه من إلقاء الخطاب ، سادت وجوه العرب و” الفرقاء ” الفلسطينيين حالة من اليأس والإحباط ، وربما الشماتة عند بعضهم ، حزناعلى ما قال ، أو ما لم يقل ، الصهيونى “بنيامين نتنياهو” للدرجة التى ظننتمنها أنهم راهنوا على أنه سيعلن عن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريفبعد أن أصابه الذعر من ” الزغرة ” التى رمقه بها ” أوباما ” والتى لم يرهابالمناسبة إلا العرب ، طبعا لما هو معروف عنهم من اتساع الأفق ودقة الملاحظة وبعد النظر والرؤية على مسافات بعيدة ، ارث حكمائهم وجدتهم “زرقاء اليمامة” !
ـ لميزد “نتنياهو” عن إعادة ترديد كل الثوابت التى قام على أساسها كيانه السرطانى منذأعلنه “هرتزل ” عام 1897 ، وبترديد ممل لا جديد فيه ، اللهم إلا صراحته هذه المرة فى الإعلانعما بداخله صافعا دون مواربة ، ولسان حاله يقول حاسما فيما يشبه إعلانحرب ، هذه لائاتنا ، وهذا ما عندنا وليس علينا الاستماع لما عندكم ، ولسنا معنيينبرغباتكم ولا بمبادراتكم ” للصلح معنا ” ، فان شئتم أن تعيشوا ” الى جوارنا ” طيعين هادئين مؤدبين مهذبين وفقا ” للسلام ” الذى نفهمه فسوف ننظر فى الأمر ، وإلا فأنتموشأنكم ، وفى بحاركم العربية متسع لكم جميعا ، خطب فيكم ” أوباما ” أوغيره !
ـ فماذا كانت ردة الفعل العربى الساحقة الماحقة ؟ غضب بعضهم وثار وأعلن بمنتهىالقوة ومن منطلق تحمل المسئولية ، التى دائما ما تكون تاريخية ، أن السلام لن يتحققفى ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة ! بمعنى أن علينا الاستراحة فى صالون صمويلبيكيت ” فى انتظار جودو ” الذى لا يأتى أبدا ، أى انتظار حكومة “صهيونية” جديدةتتبنى موضوع ” الخيار ” العربى الاستراتيجى ، غير منتبهين أو مدركين أن الحكوماتالصهيونية تأتى عن طريق الإرادة الشعبية الحرة لتكون معبرة عن رغباتها وأمانيها ،وليس على الطريقة العربية ونظريتها حول ” العناية الإلهية ” التى دائماما تختاربمعرفتها زعيما بعينه لِيَعْبُر بالبلاد ” المرحلة الدقيقة ” التى تمر بها ، والتىلا تتغير أبدا !
ـ أيضا هَوَّنَ بعضهم من الخطاب الصهيونى ولسان حالهم يقول انهمجرد كلام للاستهلاك المحلى ولا ضرر منه فى ظل وعد الرئيس أوباما بتبنى حل الدولتين ! لتأتى الصفعة هذه المرة ” أوبامية ” مدوية ! بعد أن أعلن أوباما عن ترحيبه بالخطاب قائلا ” أنه يمثل خطوة مهمة الى الأمام ” ! وكذلك فعل الاتحاد الأوروبى ! حيث ستكون الخطوة القادمة وصف نتنياهو ” برجل السلام ” على غرار وصف الرئيس السابق “بوش الابن ” للسفاح شارونفى ظروف متطابقة أيضا حول حل الدولتين !
ـ إذا فلا تغيير ولا تبديل وسيبقى الحالعلى ما هو عليه جاء “أوباما” أو ذهب “نتنياهو” ، وسيستمر كذلك إلا إذا أراد الله تعالىوغيَّرنا من أسلوبنا الفاشل ورفعنا شعارا جديدا يقول ” الضغط هو الحل ” ، نعم الضغط، ولا شئ إلا الضغط من منطلق ما نملكه من قوة دينية واقتصادية وعسكرية ، فهى اللغةالوحيدة التى يفهمها العالم ، طبعا باستثناء العرب ، على الأقل حتى الآن !
ـهذا الضغط يعنى أن نتخلى حكاما ومحكومين عن كل مظاهر الخنوع والاستكانة والسلبية ،وأن نجتمع على قلب رجل واحد لبلورة موقف واحد لا يحيد عنه إلا خائن لأحلام أمتهوحقوقها المشروعة ، ومظلة واحدة فى استطاعتها حماية الجميع ، فلا معنى مثلا أنتُطالَب مصر أو الأردن وحدهما بإلغاء ما يسمى بمعاهدة السلام بينما يفتح بقية منالعرب بلادهم وخزائنهم للقواعد الغربية من كل حدب وصوب ، والتبرع بالمليارات لإقالةأمريكا من عثراتها الاقتصادية دون مقابل ! بدلا من استغلال كل هذا كوسيلة ضغط حقيقية كفيلةوحدها بحمل أمريكا وأشياعها على إلقاء إسرائيل فى البحر بأيديهم نيابةعنا ، ومربوطةبحجر أيضا ، إرضاء لعيوننا أو لخزائننا وادراكا لمصالحهم !
ـ أما إذا توحد الموقف ، فالضغط يعنىأن بإمكان مصر ، مثلا ، لا أن تقرر إعلان الحرب ، ولكن يكفيها فقط أن تلوح بإعادةالنظر فى المعاهدة ، غير القانونية فى رأيى المتواضع ، على أساس أنها وقعت بين دولةمعروفة المعالم والحدود ذات سيادة كاملة على أراضيها ، وبين كيان سرطانى لا يملكحتى الآن ، إلا فى مخيلته ، حدودا معروفة يقر بها العالم أو الأمم المتحدة رغمإعلانه عن نفسه كدولة منذ 1948 ! وبالتالى يمكن لمصر ، مدعومة بالمظلة العربيةوالإسلامية ، أن تمنح إسرائيل مهلة لتقنين حدودها على ضوء الانسحاب الى خطوط 1967وقرارات مجلس الأمن ، إن أرادت العيشالى جوارنا فى سلام ، وإلا فستتم إعادة النظر فىالمعاهدة برمتها!
ـ أيضا خَلْق موقف رسمى عربى واسلامى واحد ، يتحتم أن يكون موقفاصِدَاميا ، يؤكد على أن قرار إعلان الدولة الفلسطينية وحدودها وطبيعتها منوط بناوحدنا نحن أصحاب القضية شاءت إسرائيل ومن ورائها أم أبوا ، قرار لا يستدعى التفاوضحوله مع أى طرف آخر خلاف أنفسنا ! بشرط أن يسبقه الإعداد الجيد لمواجهة تبعاتإعلانه ، من خلال منظومة ضغط متكاملة اقتصاديا وعسكريا لو لزم الأمر ، لا أنيكون قرارا ميكروفونيا حنجوريا يتحمل نتيجته أهلنا فى فلسطين وحدهم دون حماية أوغطاء ، رغم أن النتيجة لن تزيد ولا ستكون أسوأ مما يحدث الآن ! وبالتالى تنتقلالقضية من مفاوضات تستجدى إقامة دولة فلسطينية ، الى دولة ذات واقع فعلى كما فعلتإسرائيل عنوة فى 1948 ، دولة على الأقل سيعترف بها ويدعمها العالم العربى والاسلامى، 56دولة ، ولن يعدم العرب الحيلة فى حشد تأييد دول أخرى خارج نطاقه وفقا لنظريات المصالح .. خاصة الاقتصادية ، وبالتالى تنتقل المواجهة الى أسلوبأكثر عملية ، ويصبح لدينا دولة لها هيكل يستحق التضحية من أجله ، فالموقف الموحد يعنى كما قلتفى مقال سابق أن لنا حقوقا مشروعة تسببت أمريكا والغرب فى إهدارها طويلا ، وقد آنالأوان للحصول عليها قسرا وغلابا بعد أزمان من التمنى لم تسفر ولن تسفر عن شئ !
ـوحتى أكون أكثر وضوحا ، فالمشكلة ، فى تصورى ، لا تنحصر فى النظم والحكومات العربيةكما هو الظن السائد الذى نكتفى بترديده استمراء لحالة البلادة التى نحياها ، بل لا يصح أن نحمل هذه النظم وحدها كاملالمسئولية عن هذا الوضع المتردى ، فلكل منها حساباته التى قد نختلف معها ، ولكنالمسئولية الحقيقية تقع على الشعوب العربية والإسلامية فى المقام الأول ، والضغطالذى يُرجى من ورائه الخير يبدأ منها لأنها هى صاحبة الحق الأصيل ، فالنظم الى زوال، ولكن تبقى الشعوب طالما امتلكت إرادتها وعناصر بقائها ومقومات وجودها التى حباهابها الله تعالى .
ـ والقياس موجود ، والمثال واضح ، فالكيان الصهيونى بملايينهالأقل من الستة المغتصبين للأرض العربية ، لا يملك أى وسيلة ضغط واحدة على أمريكاأو الغرب ! وأكرر ذلك وأؤكده ، وعلى من ينكر كلامى إن يحدد هذه الوسيلة الضاغطةويسميها قبل أن يتهمنى بالسذاجة ! ، حتى فى التدخل الأمريكى فى حرب الكويت ثماحتلال العراق لم يكن له أى دور يذكر لا معنوى ولا لوجيستى ، ولم يشكل موطئ قدمللغرب فى منطقتنا العربية ، وليس فى مقدوره ذلك مستقبلا ، بل أن الرئيس الأمريكىبوش الأب وقتها جمد منحا وقروضا أمريكية لهذا الكيان حتى يجبره على عدم التدخل فىالمعركة أوارتكاب حماقة تنسف المخطط الأمريكى برمته ، لماذا ؟ ليس خشية منالحكام العرب ، ولكن خشية على المصالح الأمريكية من غضبة الشعوب العربية ، أو من بقيةرجال مازالوا يعيشون على هذه المساحة من الخليج الثائر الى المحيط الهادر ، أوالعكس لا يهم .
ـ ولكن الضغط الوحيد الذى يملكه هذا الكيان السرطانى يأتى منالجمعيات والمنظمات الأهلية اليهودية فى هذه الدول ، يعنى مما يسمى “بالشعباليهودى” الذى يبلغ بقية تعداده حول العالم ما يقل عن الملايين السبعة مقابل مايزيد عن 1,36 مليار مسلم ، منهم ، أى اليهود ، على سبيل المثال 280 ألفا لا غير فىبريطانيا بإمكانهم ثنيها وفردها وقلبها رأسا على عقب لصالح إسرائيل !! بينما يمثل تعداد الجالياتالعربية والمسلمة أضعاف ذلك الرقم حول العالم !! الفارق الوحيد أنه شعب له حلم “دينى” يراه عادلا من وجهة نظره ، ويرى فى تحقيقه إرضاء لله تعالى ! لذلك فهو لا يدخر وسعالتنفيذه بكلالوسائل المتاحةخدمة للرب ! فماذا فعلت خير أمة؟! الاجابة هى نقطة البداية ، ولكنه حديث آخر .
ـ هذا الحلم الصهيونى نساعدهم نحن العرب علىالاقتراب من تحقيقه ! وأقول ” على الاقتراب من تحقيقه ” لأنه وفقا للواقع الذىنلمسه على الأرض فالحلم لم يتحقق حتى الآن ، بل على العكس ، فان ما يلقاه من عناصرالفشل يزيد كثيرا عما يملكه من عناصر النجاح ، وهم بأنفسهم يخالفون أول شرط وضعهأبوهم المؤسس “هرتزل” لقيام دولتهم التى مازالت منشودة ، وهو تكوين علاقات سياسيةجديدة على مستوى العالم خاصة فى المنطقة العربية أو على مستوى المحيط الاسلامى تسمحبوجود الدولة اليهودية ، وهو ما فشلوا فى تحقيقه حتى الآن على المستوى الشعبى الذىبدون قبوله فلن يمكنلهذا الكيان إلا أن يظل حبيسا خلف جداره العازل وفى حالة استنفار ورعب دائم مهماأظهر غير ذلك ، وهذا فى حد ذاته أحد أهم وسائل الضغوط الجماهيرية ، أقصد عدمالتطبيع .
ـ والضغط أساليبه كثيرة ، أهونها وأقواها سلاح المقاطعةالشعبية المنظمة داخليا ، وإنشاء جمعيات عربية ، وتحريك الجمعيات الإسلامية التى تزيد عن 11 جمعية داخل الولايات المتحدة وحدها ، وتفعيل دور مسلمىأمريكا والغرب عموما ، لتمارس جميعها ضغوطا على الكونجرس الأمريكى على غرار ماتفعله ” الايباك ” الصهيونية ، المسئولة الأولى وربما الوحيدة عن بقاء ذلك الكيانالسرطانى على قيد الحياة حتى الآن ، وكذلك إنشاء وتمويل صحف وقنوات محترمة فى الخارج تخدم الجانبالاعلامى من القضية وتخاطب الغرب بلغة يفهمها ، فهذا أولى عند الله تعالى من فضائيات هز الوسط وعرضالدراما الأمريكية !
ـ أيضا يجب أن يظهر اللاجئون الفلسطينيون آليةمحددة قوية ودائمة تنقل للعالم إصرارهم على حق العودة ! إذ ليس من المستساغ أنيتحدث العرب وممثلوا السلطة فرادى على استحياء عن هذا الحق بينما يصمت أصحابهالأصليون ! أعنى التجمع وتنظيم الوقفات الاحتجاجية السلمية بطريقة مستمرة أمامالبيت الأبيض والسفارات الأمريكية والأوروبية ليصل صوتهم مباشرة الى كلالعالم ، هذا إن كانت لديهم الرغبة فى العودة بالفعل !
ـ ما سبق أيها الأعزاءمجرد تخاريف واقعية ! وواقعيتها هذه هى التى تمنعها منأن تتحقق فى ظل المناخ العربى والاسلامى المعروف على مستوى النظم أو الشعوب ! والباب مفتوح أمام كل من أراد اضافة تخريفة واقعية جديدة ! ولكن علينا أن نعلم أن ” نتنياهو ” مشكورا بصلافته أو بصراحته ، “منحنا” واحدة من فرصتين ذهبيتين لا تتكررا كثيرا ، وعلينا استغلالإحداهما جيدا وفورا لعدم إضاعة المزيد من الوقت ، إما التوحد لنفعل كما فعل الرجال أولوالقوة والبأس طوال التاريخ لانتزاع حقهم السليب ، وإما القبول بالدولة الفلسطينية منزوعة الأجنحة منتوفة الريش ! يعنى لا مؤاخذة .. ” دورة ميه بِعَلَمْ ونشيد” !
بدون تعليق:
ـ ( إذا تركنا معادلة التكاثر السكاني على ما هي عليه الآن ،فإن دولة “إسرائيل” ستنتهي لأن العرب سيحكمونها ) السفاح شارون .
ـ ( إنالعلاقات بين الدول تحكمها القوة اليوم وغدا وبعد غد وحتى يوم القيامة ، وسيبقىالصراع دائما لصالح القوي وليس المحق ) هرتزل أبو الصهيونية .
ضمير مستتر:
يقول تعالى فى سورة الاسراء : }وَقَضَيْنَاإِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِوَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً{4} فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَاعَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِوَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً{5} ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْوَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً{6} إِنْأَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءوَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْوُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَادَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً{7} عَسَىرَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَلِلْكَافِرِينَ حَصِيراً{8}
صَدَقَ اللهُ الْعَظِيمْ
علاء الدين حمدى