للصبر حدود يا سيادة الرئيس ..كفانا تخدير!!!

وفاء إسماعيل  
* لأول مرة تحول الرئيس مبارك من رئيس دولة إلى كاتب مقال فكتب مقالا بعنوان ( كيف يمكن تحقيق السلام الاسرائيلى ؟) نشر الجمعة 19/6/2009م في صحيفة ” وول ستريت جورنال ” إحدى اكبر الصحف الأمريكية طرح فيه رؤيته لكيفية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. فقال الرئيس مبارك  (  إن الاتفاق علي إقامة دولة فلسطينية داخل حدود عام‏1967‏ سوف يمهد الطريق لحل باقي القضايا العالقة‏,‏ وإن علي إسرائيل وقف الاستيطان‏,‏ وإنهاء إغلاق قطاع غزة‏.)  في هذا المقطع من مقاله حدد ثلاثة أشياء ” إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م – وقف الاستيطان – إنهاء حصار غزة ” الأولى  نسفها نتنياهو في خطابه الأخير وقال انه لا عودة إلى حدود 67 ، والثانية  من الغباء أن نثق في إسرائيل بعد عقود طويلة من الاستيطان وننتظر منها وقفه أو حتى الحد منه ، أما الثالثة  فهي ترجع إليك  ولأجهزة مخابراتك التي  تنتشر على الحدود البرية لغزة مع مصر وإلا فمعنى كلامك أن مصر لاتملك الإرادة ولا السيادة على أراضيها وان الأمر مرهون بإرادة إسرائيل وهذا في حد ذاته أمر معيب ، وانتهاك للسيادة المصرية التي نتغنى بها كلما اقتضت الحاجة .
‏* قال الرئيس المصري حسني مبارك ( إن إعادة تأكيد الزعامة الأمريكية في الشرق الأوسط يوفر فرصة نادرة لإقرار السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.) ها قد عدنا ياسيادة الرئيس إلى مربع الصفر الذي لا أظن أننا قد خرجنا منه بفضل جهود سيادتكم لتقول لنا نفس النغمة التي سمعناها على مدى عقود ثلاثة  من ان 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا ، عندما نصبتم هذا الوسيط الغير نزيه والمنحاز على طول الخط لإسرائيل على حساب قضايا العرب ومصالحهم وحقوقهم ..ها أنت عدت لتلقى الكرة في ملعب أمريكا وتضع بين يديها اخطر ملف في الشرق الأوسط (قضية فلسطين ) ظنا منك أن اوباما سيفعل ماعجز عن فعله بوش الأب ،وبوش الابن ..أليس كلامك يعتبر تخدير للشعوب للمرة الألف ، وخطة جديدة هدفها تخدير الشعوب ، وتغيبهم عن الحقيقة التي أصبحت لا لبس فيها وهى أن أمريكا لا تستطيع أن تلعب دور الوسيط النزيه طالما بقيت منحازة لإسرائيل وطالما هناك لوبي صهيوني بأمريكا يعمل له ألف حساب في البيت الأبيض ؟
*  سيادة الرئيس لقد شبعنا وعود وعهود وأدمنا التخدير الذي لعب بقلوبنا وعقولنا ..أما آن لنا أن نفيق من غيبوبة المخدر الذي يتم حقن الشعوب به كلما أرادت التحرر والتخلص منه ؟ ان مقالك هذا اعتبره جرعة كبيرة من المخدر هدفها إجبار الشعوب على النوم ، والانتظار ، وقد جاءت تلك الجرعة في مقالك بعد أن بدأت الشعوب تفيق من غفوتها بعد خطاب نتنياهو الذي بدا واضحا وصريحا أكثر منك وأعلن الحقيقة مدوية ، ومجلجلة بلاءاته  الشهيرة لا للقدس ، لا لعودة اللاجئين ، لا لحدود 67 ، ولا حتى لدولة ككل الدول الطبيعية ، انه يريدها دولة بحدود مؤقتة ، منزوعة الدسم والسلاح .. فبالله عليك من نصدق ؟ أنصدق نتنياهو أم نصدقك أنت ؟ وهل تملك أنت ياسيادة الرئيس من أمرك شيئا ؟ إذا كنت لا تملك فتح معبر غزة أمام شعب محاصر يقتل ويذبح كل يوم ..فما هي أوراق الضغط التي تملكها للضغط على إسرائيل لتنفيذ تعهداتها ؟ وماهى الضمانات التي تدفعنا للصبر مرة أخرى والانتظار طوال فترة رئاسة اوباما ؟ ألا يكفيكم عقود طويلة من الانتظار ؟ ألا يكفيكم عقودا طويلة من تشردنا ولجوؤنا في بلدان خارج أوطاننا ؟ ألم يكفيكم عذاباتنا ومعاناتنا وصبرنا على مرارة الذل والهوان ؟  القضية الفلسطينية يا سيادة الرئيس لن يحلها سوى أصحابها وأصحابها هم العرب والمسلمين جميعا وليس المجتمع الدولي ولا أمريكا ولا حتى مجلس الأمن ..فما معنى آن تعول على أمريكا مرة أخرى لحل القضية  ؟ أليس معناه أنكم نفضتم أيديكم وأنكم اعجز من أن تحلوها ؟ وإعلان عدم القدرة والاعتراف بالعجز لا يعنى عندي سوى الانسحاب نهائيا من الحياة السياسية وترك الأمر لمن لديه القدرة على إعادة القضية في واجهة العالم وأمامه ، فرجاءا لا تخدعنا مرة أخرى بوعود وامانى لم ولن تتحقق لا على لسان أمريكا ولا على لسان إسرائيل .. تعبنا منها يا سيادة الرئيس  !!!
* وقال‏ مبارك في مقاله :‏ ( إن أمامنا فرصة نادرة للتوصل إلي تسوية تاريخية‏,‏ وإن مصر تتجاوب مع الجهود الأمريكية لبدء مرحلة جديدة في العلاقات مع العرب والمسلمين‏.) أتذكر أن هذا الكلام قلته عندما وعد بوش الأب عام 1990م ، 1991م بحل قضية فلسطين مقابل اشتراك العرب فى تحرير الكويت من الغزو العراقي ، وقلته على أبواب مدريد 1991م ..فماذا كانت النتيجة ؟ أوسلو 1993 م / ووادي عربة .. كما أتذكر ان نفس الجملة رددتها في عهد بوش الابن عندما قال  ” إن أمريكا تؤمن بقيام دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب دولة إسرائيل ، وان بوش تعهد بقيام تلك الدولة فى غضون 5 سنوات ” ومرت 8 سنوات ولم يتحقق شيئا وكانت النتيجة حصار ابوعمار في مقاطعته وضرب المقاطعة وفى النهاية قتل أبو عمار بالسم ، وغزو العراق وتدميره وتشريد أهله ، ثم إعدام الرئيس صدام حسين  ‏!!! اليوم تردد نفس الكلام فهل ننتظر نتائج مشابهة للنتائج السابقة ياريس ؟ وإذا كنت تعتبر قدوم اوباما وخطابه  فرصة تاريخية نادرة للتوصل إلى تسوية تاريخية فكيف تثق في رجل قالها صراحة  أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل علاقة  إستراتيجية ، وان امن إسرائيل من أهم أولويات أمريكا ، رجل رحب بخطاب نتنياهو رغم أن هذا الخطاب نسف كل القضية برمتها ، ونسف كل التعهدات والمواثيق والقرارات الدولية  ؟ ألا يؤكد هذا أن ما كتبته في مقالك مجرد زر للرماد في العيون ولا يستند إلى الواقع الذي نراه ونعيشه ؟
* وتقول سيادتك : (‏ إن العرب علي استعداد للرد بإيجابية علي أي خطوات جادة تتخذها إسرائيل نحو السلام‏.) ان هذه الجملة بالذات تعتبر استجداء للحقوق الفلسطينية المشروعة ، وتزييف للواقع الذي يؤكد أن إسرائيل ابعد ما تكون عن السلام ، وإنها لا كانت ولن تكون يوما دولة سلام  بل هي دولة حرب واعتداء وإرهاب وتدمير وقتل ، وان لغة الاستجداء تلك هي من شجعتها على قتلنا ونهب أراضينا ، انظر ياسيادة الرئيس ماذا فعل شارون  بنا عندما عرضتم عليه مبادرتكم العربية ..أقصد ( مبادرة  توماس فريدمان ) عام 2002م  في مؤتمر بيروت ! انظر يا سيادة الرئيس عندما  قدمتم كل التسهيلات لضرب العراق  وتدميره ..ماذا كانت النتيجة ؟ إيران هي من حصدت كل المكاسب ..وبات الغرب يسعى اليها للتفاوض معها على مستقبل العراق ومصيره متجاهلين العرب رغم كل ما قدموه من قواعد عسكرية ، ومعلومات لوجيستية ، وفتح للأجواء البرية والجوية والممرات المائية  ..ألا يكفى كل هذا الذي قدمتموه  لتحطيم وتشريد وقتل وتيتيم للأطفال وترمل النساء واعتقال الرجال والشباب ..فماذا بقى لدينا يا سيادة الرئيس لم يتم تدميره على أيديكم ؟ !! كفى استجداءا !! وكفى توسلا واستعطافا وتوددا من إسرائيل  وأمريكا !!! آن صورة العرب باتت على أيديكم صورة قبيحة إلى أقصى الحدود …ومقالك هذا ماهو إلا تغطية على ماجاء على لسان نتنياهو ..والتوقيت الذي اخترته لنشر المقال في كبرى الصحف الأمريكية توقيت له معنى ومغزى لا تخطئه العين !!!
* ‏( وانتقد الرئيس مبارك إدارة بوش لأنها لم تبذل الجهد الكافي ) لا غرابة طبعا في أن نسمع انتقاد سيادة الرئيس لرئيس رحل عن السلطة وكان من المفترض أن نسمع كلامه هذا في وجه الغول بوش وفى عهده ، ولكن ما يهمنا هو كلامه التالي (  التسوية التاريخية في المتناول، وهي تسوية تعطي الفلسطينيين دولة خاصة بهم والتحرر من الاحتلال بينما تعطي إسرائيل الاعتراف والأمن حتى تعيش في سلام ) ونضع ألف مليون خط تحت كلمة الاعتراف ، وتحت كلمة الأمن ..وأسأله : إذا كان الاعتراف بإسرائيل قد تم بالفعل في اتفاق واشنطن (غزة – أريحا عام 1993 م ) وفى أوسلو ..فما هو المقصود بالاعتراف اليوم ؟ هل تقصد الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية كما طلب نتنياهو ؟ وإذا كان الأمن معروف لدى كل عاقل انه لن يتحقق إلا بكف إسرائيل عن عدوانها على الفلسطينيين ، ووقف حملات الاغتيال ، ووقف الحصار ، ووقف الاستيطان ، ووقف بناء الجدار العازل ، ووقف هدم البيوت وتهويد القدس …إلى آخره فماهو الأمن الذي تعنيه يا سيادة الرئيس ؟ هل تعنى امن إسرائيل بنزع سلاح المقاومة ؟ وإذا أيدنا نزع سلاح المقاومة هل إسرائيل صدقت ولو مرة واحدة فى وعودها ومواثيقها واحترمت اى هدنة ؟  أو هل توقفت يوما عن القتل والتدمير لكي نلقى بالسلاح ؟ أوليس السلاح هو الوسيلة المشروعة لصد العدوان ؟ أم أن قدرنا هو أن نقتل بدم بارد ياسيادة الرئيس ونحن منزوعي السلاح ومنزوعي الكرامة ؟ أوليس ما تقوله وتنادى به هو نفسه ماقاله نتنياهو وطالب به ؟
*  تباهى الرئيس مبارك بدور مصر وقال ( وتسعى مصر للتوسط في اتفاق لاقتسام السلطة بين حركة “فتح” التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس والتي تهيمن على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة “حماس” في غزة.) عن اى سلطة تتحدث يا سيادة الرئيس التي سيتم اقتسامها كما لو كانت غنيمة ؟ هل هناك قانون يقر بشرعية اى سلطة وطنية في ظل احتلال ؟ ان وجود السلطة التي أقرتها اتفاقية أوسلو هي من أوجدت هذا الخلاف ، وأتذكر تشجيعك لابوعمار على توقيع تلك الاتفاقية ومصاحبته إلى الداخل خوفا من انفراد حماس بالساحة الداخلية ، وكأنك تدفع الأمر برمته إلى مواجهة بين الطرفين فى الداخل !!! او كأنك تساعد إسرائيل لاتخاذ أبو عمار شرطيا لتحقيق امن إسرائيل فى الداخل ( وقد كان عندما اعتقل الكثيرين من عناصر حماس في سجونه ) ، ومخلبا للقضاء على القوة الإسلامية النامية في فلسطين في ذاك الوقت المتمثلة في حماس !! إن الصراع الداخلي على السلطة هدف استراتيجي اسرائيلى  ، ولن ينتهي إلا بقضاء طرف على الأخر ، ومن ثم قضاء إسرائيل على الطرف المنتصر ، ولو أن إسرائيل التي عجزت عن القضاء على الطرف المقاوم تفضل أن يكون الطرف المنتصر هو الطرف المساوم أو المفاوض على حد تعبير الساسة الأفاضل .. !! أم انك تجاهلت ما يفعله دايتون في الضفة الغربية ، وما تفعله مصر والأردن من تدريب عناصر الأمن التابع لابو مازن ..فكيف بالله عليك نصدق أن مصر تسعى لإنهاء الخلاف بين المقاوم والمفاوض وهى تنحاز وبشده لطرف على حساب الأخر وفقا لخطة ممنهجة تقتضى بتأجيج الصراع بين الطرفين لصالح إسرائيل ؟. سيادة الرئيس مبارك  المنطق يقول طالما لا يوجد هناك دولة ..إذن ليس هناك سلطة ،  وطالما هناك احتلال ..إذن يجب أن يكون هناك مقاومة !! والمقاومة بالتفاوض وكل الطرق السلمية جربناها على ايدى جماعات أوسلو على مدى أكثر من 16سنة .. فلماذا لا يكون للشعب الفلسطيني حرية تحديد خياراته ؟ وإذا كان اختار نهج المقاومة فلماذا نحاصره ونقتله لإجباره على التنازل عن خياره الأوحد ؟ هل هذا عدل ؟ هل هذه هي المساندة والدعم الذي يجب ان نقدمه للشعب الفلسطيني ؟ كنت أتمنى من سيادة الرئيس مبارك أن ينأى بنفسه عن كتابة هذا المقال الذي كان بمثابة (حقنة مخدرة ) خاصة بعد خطاب نتنياهو الذي حدد أهدافه مستمدا تلك الأهداف من شعبه ومن مجتمع دولي ظالم  اعور لا يرى إلا بعين واحدة ..تزداد شهيته كلما رأى من حكامنا لغة الاستجداء و تبسيط الأمور لدرجة تشعرنا وتشعر شعوب العالم أن القضية الفلسطينية هي مجرد قضية نزاع على فتح معبر ، أو مجموعة مستوطنات ، أو أنها نزاع على حدود متر من هنا ومتر من هناك ، آو صراع عقائدي بين المسلمين واليهود يمثل اليهود كما لو كانوا مضطهدين من قبل الشعوب المسلمة المتطرفة ، أو حتى صراع بين كيان ينظر العالم له على انه واحة الديمقراطية وبين عالم متخلف يكره الديمقراطية !!! القضية اخطر وأعمق يا سيادة الرئيس فهي قضية شعب عدده بالملايين اغتصبت أرضه ويمارس بحقه أبشع عمليات تهجير وإبادة ، وكنت أتمنى لو ركزت مقالك على هذا الأمر حتى نشعر انك لسان حالنا تنقل الصورة صحيحة للعالم ، ولو أن بنظري أن الأمر لن يختلف فمصر العاجزة عن فتح معبر لا يتعدى مساحته عدة كيلو مترات هي نفسها الدولة لا تملك القدرة على طرح رؤيتها أمام شعوب العالم وتفرض مطالبها على الكيان الذي امتلك كل زمام الأمور بيده  إن كلامك ماهو إلا  استعراض لعضلات واهنة يا سيادة الرئيس …وشجاعة غير موجودة إلا في مخيلة من يصفق ويهلل لكلام أكل عليه الدهر وشرب !!
وفاء إسماعيل 

 

 

Exit mobile version