الشعبية وسعدات…وأخريات لا يراها المغرضون
بقلم: زياد ابوشاويش
قبل أقل من سنة تعرضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لانتقادات حادة على خلفية موقفها الرافض لسيطرة حماس على غزة بالقوة، وجاء النقد من بعضهم موضوعياً وهادئاً ومن الآخرين حاداً ومتحيزاً لم يكتف بنقد الموقف سالف الذكر بل تناول مواقف الجبهة وتاريخها وبعض قادتها، وفي حينه كتبنا مقالاً بعنوان “عفواً: قليل من الكياسة” حاولنا فيه تصويب الأمور ولفت انتباه هؤلاء لضرورة التدقيق في الأمور قبل إصدار الأحكام لأنه لا يمكن بناء وجهة نظر نقدية صائبة ومفيدة بدون معلومات صحيحة وموثقة. بل قلنا أيضاً أن الظروف الفلسطينية تحتم على المنتقد اختيار الوقت المناسب لذلك حتى لو كان النقد كامل الأوصاف.
اليوم نواجه نموذجاً مختلفاً عن تلك الانتقادات لا يكتفي بحمل سماتها السلبية بل وينطلق من اصطفاف دوغمائي مع طرف فلسطيني متورط في الانقسام، ولهذا الاصطفاف سمات نادرة وغريبة تعكس نفسها في رؤية الآخرين ومواقفهم باللون الأسود والأبيض.
الدكتور إبراهيم حمامي يمثل هذا النموذج بشكل مدهش وهو من القلة الذين يروا أن حسم المعركة مع فتح في الضفة الغربية كما حدث في غزة أمر لابد منه ويعتبره عملاً وطنياً في الاتجاه الصحيح حتى لو عنى ذلك حرباً أهلية، وهذه المسألة ليست من عندي بل هو حديث الأخ حمامي لي شخصياً في رسائل الكترونية متبادلة بيني وبينه وقد يكون ذلك الموقف مفتاحاً لفهم كل مواقف الرجل من الأحداث والتطورات على الساحة الفلسطينية ومن الفصائل العاملة في الشأن الوطني وتقييمها بمن فيها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
تناول الدكتور حمامي الجبهة الشعبية في مقال بعنوان “الشعبية وسعدات وأشياء أخرى” ولم يكن منصفاً في كثير من المسائل والمواقف التي تعرض لها كنماذج على اضمحلال دور الجبهة ووسطيتها، بل وذيليتها لليمين على حد زعمه وأمعن في تسخيف دور الجبهة واعتبره هامشياً لا يقدم ولا يؤخر في مجريات الأمور في الساحة الفلسطينية…إلى آخر معزوفته التي لا تقل سوءً عن أكثر مقالاته هجوماً على حركة فتح. وقد وجدت نفسي مضطراً للرد على الأخ حمامي لهذا السبب، ولأن الرفيق أبو أحمد فؤاد عضو المكتب السياسي للجبهة اكتفى بتقديم توضيحات مهمة للمعني ولم يرد تفصيلاً على المفاصل الواردة في المقال المذكور، وعليه سأتناول الرد على هذه المفاصل كما وردت. وقبل ذلك نرى أن توضيح مسألة الخيار السياسي للجبهة مقارنة بما أعلنه الأخ خالد مشعل قبل يومين كخيار لحماس في الرد على مقترحات ومواقف الإدارة الأمريكية الجديدة وخطاب الرئيس باراك أوباما في القاهرة وتعليق السيد حمامي المادح والمحبذ للموقف الحمساوي باعتباره لم يتغير منذ أعلنه الشيخ أحمد ياسين وخاصة فيما يتعلق بقبول حل الدولة على حدود 67 مع العودة والقدس والسيادة في مقابل هدنة طويلة أو ما شابه واعتبر السيد حمامي أن ذلك يعني التمسك بالهدف الاستراتيجي وهو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
نحن في هذا لن نختلف مع الدكتور حمامي وفقط نريده أن يعلم أن الجبهة الشعبية التي ينتقدها ويعتبرها فصيلاً على طريق الاندثار قد أعلنت منذ إحدى وثلاثين عاماً ذات ما يعلنه مشعل اليوم وما أعلنه الشيخ ياسين رحمه الله حين أقرت هيئاتها القيادية بالهدف المرحلي بعد نقاش مستفيض وساخن داخل هذه الهيئات وفي القواعد لدرجة أن هناك عدداً من الأعضاء والكوادر قد غادر الجبهة وقتها واعتبر الإقرار بالهدف المرحلي الذي تتبناه حماس اليوم خيانة وطنية. وحتى بالمقياس الذي يضعه السيد حمامي حول الربط بين التكتيكي والاستراتيجي فإن الهدف المرحلي كما صاغته الجبهة أنضج وأكثر وضوحاً وتمسكاً بالثوابت مما تعلنه حركة حماس التي يساندها الأخ حمامي ويدافع عن مواقفها بما فيها الأخير على لسان رئيس مكتبها السياسي.
ولمن لا يعرف الصيغة المعتمدة للهدف المرحلي كما أقرتها الجبهة الشعبية نوردها نصاً ونورد التوضيحات المتعلقة بالربط بين التكتيكي والاستراتيجي: تقول الجبهة في ذلك أنها تقبل قيام دولة فلسطينية على أي أرض يتم تحريرها من غير قيد أو شرط كخطوة على طريق تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وأن ما يربط بين هذا الهدف المرحلي والتمسك بالهدف النهائي للنضال الوطني هو عدم التنازل عن حق العودة في أي مرحلة من مراحل هذا النضال باعتباره الخطوة الرئيسية للدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، ولم تقرن الجبهة هدفها هذا لا بهدنة ولا باعتراف متبادل ولا بسعي لتحسين علاقتها بالإدارة الأمريكية أو استقبال مبعوثيها لا في السر ولا في العلن. وإلى هنا أكتفي في مجال المقارنة لعل هذا يوضح للدكتور حمامي حقيقة موقف الجبهة الذي لم يتغير حتى اليوم برغم كل التكتيكات اليومية والمؤقتة التي استخدمتها الجبهة الشعبية في حركتها السياسية داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية أو في علاقاتها الخارجية، ولم يصدر عنها أو عن قياداتها أي موقف يناقض ذلك ولا يجرؤ أي قيادي في الجبهة الشعبية على إعلان تخليها عن محددات الهدف المرحلي أو مواصفاته السالفة الذكر وربطه بالهدف الاستراتيجي تحت أي ظرف أو ضغط .
وحتى تستقيم الأمور لتمهيد سليم ومنطقي لإكمال الرد على السيد حمامي لابد أن نلفت انتباهه لعملية الخلط التي مارسها في تقويم مواقف الجبهة السياسية والفكرية وبين تكتيكاتها في العلاقات الوطنية الداخلية وخاصة مع حركة فتح أو ما أسمته الجبهة في تعاميمها الداخلية “العلاقة مع اليمين” أو “القوى المتنفذة” في منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن مواقف الجبهة على الصعيد السياسي والفكري بالمعنى الاستراتيجي لم يعتريها أي تغيير أو انحراف رغم أن العلاقة الملتبسة مع الراحل عرفات وحركة فتح والتي شابها الكثير من التخبط والإرباك قد ألقت بظلالها القاتمة على مواقف الجبهة السياسية ومبدأيتها المعروفة، وهذه أمور يعرفها القاصي والداني ولا ينكرها أحد في الجبهة وتسببت ولا تزال في عديد الحوارات الداخلية الساخنة والحادة أحياناً وهذه طبيعة الأشياء حيث لا نسخ كربونية في عضوية الجبهة وهناك وجهات نظر مختلفة ومتباينة، لكن هذا شيء والحديث عن الثوابت شيء آخر ولا يستطيع أي شخص أو فصيل المزايدة على الشعبية في هذا المجال.
يقول السيد حمامي أن الجبهة تعاملت مع معاناة أمينها العام أحمد سعدات بلا مبالاة وأن إضرابه لتسعة أيام لم يعكس نفسه في تحركات مناسبة من جانب جبهته وهذا ظلم بين لكل الرفاق ولقيادات الجبهة وهيئاتها التي لا زال أحمد سعدات يرأسها ويوجهها من معتقله والتي عملت بكل صدق لنصرته والدفاع عن حقه في معاملة لائقة ناهيك عن مطالبتها وتسخير إمكانياتها وإعلامها للمطالبة بالإفراج عنه والتحركات والأنشطة أكثر وأكبر من أن تحصى سواء كانت جماهيرية في أوساط الشعب الفلسطيني أو في الاعتصامات والنشاطات للضغط على الهيئات والمنظمات الدولية كالصليب الأحمر الدولي وغيره. هل كانت هذه التحركات والأنشطة كافية؟ بالطبع ليست كافية، ولكن أن يقال بأنه لم يكن هناك بيانات أو تصريحات أو نشاطات تضامنية وأن يعتبر السيد حمامي ذلك في سياق المواقف المتردية للجبهة وكنتيجة لها فهذا قلب للحقيقة وخلط متعمد للقضايا يقصد منه تشويه صورة الجبهة لأنها لم تناصر انقلاب حماس في غزة.
يقوم السيد حمامي بتقسيم كوادر الجبهة إلى فريقين الأول “ متمسك بيسارية تاريخية تعتمد على الشعارات المعادية للإمبريالية والصهيونية“…لكنه “ يفتقد لأي دور ريادي ويتسم بطابع تراثي إنشائي “….والفريق الآخر ” يحصر اهتمامه في حدود فصيله وجبهته في محاولة لإيجاد موطيء قدم في ظل حالة الاستقطاب الثنائي ” …ويكمل حمامي في سبيل إيضاح أسباب ضعف الجبهة وهزالة موقفها حسب قوله بأن سقوط الاتحاد السوفيتي قد أضعف بريق الجبهة الفكري والأيديولوجي، كما أن سياسة الراحل عرفات لعبت دوراً في تهميش دور الجبهة ووصول الأمر حسب زعمه حد استخدامها أداة في تمرير القرارات والمشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية.
إذن يحدد السيد حمامي أسباب معضلة الجبهة في هذه العوامل: ضعف وانقسام كادري غاب معه الدور الطليعي لهذا الكادر وللجبهة..سلوك عرفات في المنظمة وقبول الجبهة بأن تكون أداة بيده لتمرير ما يريد، وسقوط الاتحاد السوفيتي وانعكاس ذلك في تبهيت البريق الفكري للجبهة.
ونحن هنا لا يمكن أن ننكر الطرح الموضوعي إذا جاء في سياق البحث عن أسباب تدني قدرات الجبهة العسكرية والمالية والجماهيرية وغيرها من مظاهر الضعف التي يمكن أن تعتري أي جسد حي لفصيل ثوري يتعرض لعوامل مختلفة تدفع في الاتجاهين وبالتالي فإن الكلام عن عوامل موضوعية وأخرى ذاتية ليس بالأمر الجديد ولا باكتشاف ما لم يستطعه الآخرون، لكن سوق هذه العوامل بهذه الطريقة للتدليل على فرضية خاطئة هو أسلوب غير مقبول ويوصف عادة بالالتواء تماماً كما الافتراض بوجود نوعين من الكادر وبهذه الطريقة المسيئة، كان يمكن للسيد حمامي أن يتحدث عن تراجع دور الجبهة بطريقة أكثر عدالة وموضوعية بالقياس لدور حماس مثلاً وهي الفصيل الجديد نسبياً في ساح العمل الوطني ويورد قصة عرفات دون أن يقرر أن الجبهة قبلت بأن تكون بيدق في يده الأمر الذي لم يحدث مطلقاً. ومثله قصة سقوط الاتحاد السوفيتي وتأثيره السلبي على الجبهة وإرباكها فكرياً.
ويبدو أن الخلط الذي تحدثنا عنه يسحب نفسه على كل مفاصل المعلقة التي كتبها حمامي في هجاء الجبهة، هذا الخلط الذي يستقرىء كل تقييم دور الجبهة ومواقفها من خلال علاقتها مع فتح وقيادتها الأمر الذي ذكرناه سابقاً وحتى نريح الأخ الدكتور ابراهيم حمامي فإننا نعيد التذكير بأن العلاقة مع فتح وقيادتها كانت حتى في أوساط الجبهة موضع حوار ساخن ونقد حاد للمواقف المعلنة من الجبهة تجاه هذه القيادة وما يستتبعه ذلك من ظلال الشك على مواقف الجبهة السياسية إلى الحد الذي دفع القائد الكبير جورج حبش مؤسس الجبهة وأمينها العام للقول بعد ثلاث سنوات من توقيع اتفاق أوسلو التفريطي أن الجبهة الشعبية مرتبكة وأن سياستها تقوم على ” رجل في البور ورجل في الفلاحة ” وهو مثل فلسطيني يعني حالة الإرباك وعدم اليقين والوسطية. إذن لا أحد في الجبهة ينكر تردد الجبهة فيما يخص العلاقة مع اليمين برغم كل تعاميمها وتوجيهاتها القيادية حول هذا الأمر ومنطقها المعروف بأن العلاقة معه ومع البرجوازية عموماً تتقلب بين الوحدة والصراع وأنه في مرحلة التحرر الوطني ينتصر عامل الوحدة وأن القانون الموجه لذلك هو” وحدة…صراع…وحدة “. أما القول بأن هذه العلاقة هي صورة وانعكاس آلي للموقف السياسي للجبهة وبناء كل استنتاج ربطاً بتلك العلاقة فهذا تحريف متعمد للحقيقة التي تقول أن الحرص على الوحدة الوطنية وبقياس الربح والخسارة الوطنية يدفع الشعبية في كثير من الأحيان والفترات على تقديم تنازلات إجرائية وتنظيمية وعلى حساب رصيدها ومصداقيتها أحياناً من أجل المحافظة على التماسك الوطني العام في مواجهة العدو الصهيوني. قد يكون ذلك أمراً خاطئاً وربما يراه الأخ حمامي وحماس تردداً ووسطية، لكنه ليس موقفاً انتهازياً بالقطع، ولو تعمدت الجبهة اخذ مواقف من هذا النوع لحصلت على مكاسب كبيرة سواء كان الموضوع مرتبطاً بالعلاقة مع فتح والسلطة وقيادة المنظمة المتنفذة أو في العلاقة مع حركة حماس المنافسة لفتح على السلطة، وفي هذا الإطار فإنه لم يحدث في أي حقبة أن تقبلت الجبهة الشعبية قصة المحاصصة أو الكوتة وأنه إذا جرى توزيع مقاعد اللجنة التنفيذية بطريقة الكوتة فذلك لم يكن لا برضى الشعبية ولا بموافقتها وكم من المرات تخلت الجبهة عن موقعها في اللجنة التنفيذية بسبب الموقف السياسي ومبدأية الجبهة المعروفة والتي شكلت ولا تزال الضمانة الوطنية الأكثر موثوقية لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، واستطراداً فإن ما كان يجري في المنظمة هو أرقى وأكثر وطنية مما جرى من محاصصة بعد اتفاق مكة، ذلك أنه في إطار منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية كان الأمر يتعلق بتشخيص صحيح للمرحلة وأهمية إشراك كل الفصائل الوطنية في منظمة التحرير على قدم المساواة…أقله في لجنتها التنفيذية.
والحال اليوم أن هيمنة فتح على المنظمة في مؤسساتها تحت اللجنة التنفيذية تتعرض للهجوم من جانب حماس على خلفية مطالبة حماس بحصتها في الكعكة بما يتناسب مع حجمها وقوتها في الشارع وليس على خلفية المشاركة في الهم الوطني أو النضال ضد العدو، ولا أعتقد أن حماس بذلك أفضل كثيراً من فتح، غير أن الجبهة الشعبية لها رؤية وموقف مختلف من المشاركة ينطلق من أساس فكري منهجي يحدد المرحلة ومهماتها وأفضل الأساليب للوصول لتحقيق الهدف وليس من خلفية المصلحة الفصائلية والمحاصصة التي قام عليها اتفاق مكة الممهد لحرب غزة الدموية واستيلاء حماس على السلطة من خلالها.
وفيما يخص العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها وكذلك السلطة الوطنية قبل الانشقاق وبعده فإن هذه العلاقة محكومة بأمرين الأول موقف الجبهة وبرنامجها السياسي ويمكن لأي متابع أن يطل على الوثائق الخاصة بهذا والأمر الثاني عضوية الجبهة في منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بغض النظر عن قيادتها التي يمكن أن تتغير بين فترة وأخرى، وترى الجبهة أن الحفاظ على منظمة التحرير تشترط إبقاء الصراع الفلسطيني على البرامج والأساليب داخل إطارها وليس من خارجها سواء تمثلت الجبهة في اللجنة التنفيذية أو انسحبت منها أو جمدت عضويتها فيها وأن الانسحاب أو التجميد لا يعني سحب اعتراف الجبهة بالمنظمة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ويأتي بعد ذلك اتفاق الجبهة أو اختلافها مع تقييمات السيد حمامي مع هذا الاسم أو ذاك في قيادة المنظمة وربما يكون الرفاق في الجبهة أكثر حدة في تناول هؤلاء لكن ذلك لا ينطلق من صراع على النفوذ والسلطان كما تفعل حماس بل من خلفية المواقف تجاه الثوابت التي يحرص الأخ حمامي على ذكرها بين الحين والآخر والتي ترد في معظم مقالاته، هذه الثوابت التي لم تمنع البعض من إيقاف القتال ضد اسرائيل واعتقال مطلقي الصواريخ عليها بنفس ذرائع سلطة رام الله وما قبلها في زمن الزعيم الراحل ياسر عرفات.
الأخ الدكتور لا يستطيع فهم كيف تكون الجبهة في اللجنة التنفيذية وفي نفس الوقت تعارض وترفض التعاطي مع إفرازات أوسلو التي وقعتها المنظمة وأكثر من ذلك تقوم بالمشاركة في انتخابات تشريعية يراها كأحد إفرازات أوسلو ولا يكتفي بطرح الاستفسارات بل يرفق ذلك بلي الحقيقة والقول أن الجبهة تشارك وتمرر قرارات المنظمة ثم تقوم برفضها وعدم الاعتراف بها أو احترامها في إشارة لموقف حماس القائل باحترام الاتفاقات والقرارات الصادرة عن منظمة التحرير كشرط لعودة الوحدة الوطنية ضمن مشروع حكومة توافق وطني تقبلها حماس بعد الصلح مع حركة فتح…أي أن ما تقبله حماس وشرعي ووطني في نظر الأخ حمامي هو غير ذلك إن مارسته الجبهة أو حتى إن كانت على يساره ويعتبر ذلك مزايدة وربما انتهازية أيضاً.
والآن نأتي لمربط الفرس في كل هذا الهجوم على الجبهة الشعبية وهو المتعلق بموقفها مما جرى في غزة وتجاه طرفي الصراع فتح وحماس حيث يرى الدكتور حمامي أن سياسة الجبهة ومواقفها رداً على ما جرى هي مواقف انتهازية ووسطية ويجب أن تكون مع الطرف الوطني المقاوم والذي على حق في الصراع الذي أنتج الانقسام وكل ما نعانيه اليوم على غير صعيد ألا وهو حماس وأنه على الجبهة الشعبية أن تصطف مع القوى المقاومة التي تكافح ضد الزمرة الخائنة و”الدايتونية” في رام الله وأن موقفها المتعلق باستمرار عضويتها في اللجنة التنفيذية والمشاركة في اجتماعاتها والتغطية المزعومة على قراراتها يفقد الجبهة الشعبية رصيدها ومصداقيتها وغير ذلك مما ورد في المقال، وهنا نسأل الأخ حمامي ماذا لو أصبح لحركة حماس عضو أو أكثر في لجنة المنظمة التنفيذية وعلى أساس برنامجها المقر منذ العام 1988 والمتضمن ما أعلنه الأخ مشعل بالضبط وما قالته الشعبية منذ ألف سنة فهل سيكون موقف حماس خطأ ومتناقض؟ وهل إن بررت حماس أو الشعبية مشاركتها بقضية الوحدة الضرورية لاستمرار الكفاح الوطني وكذلك بأرضية البرنامج الوطني تكون الشعبية وحماس تغالطان وتخلتا عن الهدف الاستراتيجي بتحرير كل فلسطين؟.
يستشهد الأخ حمامي بحديث سمعه من أحدهم للرفيق ملوح يحمل معنى التخلي عن القدس وحق العودة ويعتبر الصيغة التي أجاب بها ملوح تبرر له الطعن في موقف الجبهة باعتبار ملوح نائب الأمين العام حيث يقول ملوح في الإجابة عن سؤال للكاتب خالد العمايرة حول تنازلات منظمة التحرير عن الثوابت كحق العودة والقدس ومنشور في 16 / 10 / 2008 :” نعبر الجسر حين نصل إليه ” والمقصود حسب فهم حمامي أن هناك إمكانية لدى الجبهة لتساوم على هذه الحقوق الثابتة، ولم يفسرها بأنه حين يأتي وقت الاتفاق على الحلول النهائية نفتح المعارك ونقاتل من أجل هذه الثوابت ولا لزوم لفتح معركة لم يحن أوانها. وحتى نريح الأخ حمامي نعيد تأكيد التالي في مواقف الجبهة التي أعرفها جيداً رغم أني لست عضواً فيها: حتى لو قصد الرفيق ملوح ما استنتجه أنت وهو حتماً لم يقصد ما فهمت فإن ذلك لا يعبر عن موقف الجبهة الشعبية التي أؤكد لك أنها لن تتخلى عن حق العودة أو القدس تحت أي ظرف أو تهديد وهي لن تساوم على أي منهما مهما كانت الأسباب ولك أن تطمئن لهذا وأنه لا يوجد في قيادة الجبهة ولا أعتقد انه سيوجد من يتخلى عن هذه الحقوق، وإن قال أحد بخلاف ذلك سيكون حتماً خارج صفوف قيادة الجبهة.
أما الوفاء للمباديء والذي حرص السيد حمامي على مطالبة الجبهة به على لسان السيد خالد العمايرة الذي لا أعرف في الحقيقة من يكون وموقعه في العمل الوطني فليكن الأخ حمامي مطمئناً إلى ذلك وأن في الجبهة أغلبية لا زالت تتمسك بكل القيم التي تحدث عنها صديقك العمايرة وربطها بوجود الرفيق المؤسس والشهيدين أبي علي مصطفى وغسان كنفاني، وأن جيلاً جديداً من الأعضاء يحمل الأمانة ويتمثل قيم الشهداء الكبار للجبهة برغم كل الوهن والضعف الذي تتحدث عنه، وأما دور الجبهة وموقعها فنتفق معك بأنه يحتاج لتعزيز وتطوير تنجح الجبهة الشعبية في الوصول إليه إذا وجدت من يساندها ويدعم موقفها الصحيح والمبدأي ليس من الثوابت بل ومن الخلاف المدمر بين فتح وحماس، هذا الموقف الذي يدين الطرفين ويحملهما مسؤولية الوضع الشائك والخطير الذي نجد أنفسنا فيه اليوم بسبب حماقة قيادة الطرفين وصراعها المقيت على السلطة، وليس للجبهة الشعبية أن تقف مع طرف ضد آخر إن أرادت إصلاح ذات البين بينهما أليس كذلك؟ ولو كانت الجبهة في صف حماس في هذا الخلاف لما قرأنا مقالك يا دكتور أو لكان بصيغة أخرى أكثر موضوعية.
الجبهة الشعبية أخيراً لا تشيطن أحداً ولا تتخلى عن البرنامج أو الأفكار التي تؤمن بها ولا تستقوى بمن انتهت مدة صلاحيتهم أو شرعيتهم، كما أنها لا تلعب على الحبال وهنا نطالبك بقليل من الكياسة لأن هكذا تعابير غير مقبولة ولا يستخدمها الأخوة في حماس حتى في أسوأ لحظات العلاقة مع الشعبية، وأما الإخلاص ونبض الشارع فلا أظنك تجهل تاريخ الجبهة وكل الشعب الفلسطيني يعرف أن مواقف الجبهة وسياستها لم تنطلق يوماً من مصلحتها الفصائلية أو مصلحة هذا المسؤول أو ذاك من قادتها ونصيحة القبول بالمتغيرات على ما يبدو أخذ بها أصدقاؤك ولا أرجح أن تأخذ بها قيادة الجبهة على النحو الذي تريد لأنك كما ترى وتسمع تقوم الجبهة بخرق التهدئة باستمرار وبعمليات عسكرية جيدة يعترف بها العدو أحياناً.
أقدم اعتذاري للقراء الكرام على الإطالة رغم أنها لم تكف للرد على كل ما ورد وربما يحتاج الأمر لمقال آخر للنقاش في التفاصيل ولكن في كل الأحوال نلفت إلى مسألة هامة يجب أن ينطلق منها الناقد أو المقيم (بتشديد الياء وكسرها) لمواقف الجبهة أو أي فصيل فلسطيني وطني
وهي أن يفعل وفي ذهنه مساعدة هذا الفصيل وتنويره وليس تحطيمه وإشاعة روح اليأس في صفوفه، وننهي بالدعاء لله عز وجل أن يوحد قلوبنا وصفوفنا من أجل مستقبل شعبنا وقضيته العادلة باستعادة أرضه وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين لوطنهم.
Zead51@hotmail.com