أرشيف - غير مصنف

فن ” الرُّوبابيكيا ” !!

حسين حرفوش
إن الأدب هو نافذة الروح الانسانية على الحياة بماضيها وحاضرها ومستقبلها وإن معظم منجزات العصر الحديث كانت خيالا راود الأدباء .. فكتبوه في قصصهم وتوقعوه في مسرحياتهم وأشعارهم ..إن الأدب هو حلم الحياة .. الذي يتحول إلى خاطر ثم إلى واقع .. وإذا اعتبرنا الأديب مبدعا ..فكل مبدع أديب ..وصدق من قال ( كان حلما فخاطرا فاحتمالا ..ثم أضحى حقيقة لا خيالا ) .
 
لذلك أختلف مع الواقفين بالأدب عند حدود الواقعية فقط ..لأنهم بذلك يُحِدُّونَ من أثره وتأثيره ويجعلونه أشبه بآلة تصوير أو كاميرا ..كل وظيفته هو نقل الواقع وبالتالي يهملون الجانب الإبداعي فيه ..
 
وأرى أن من خلال هذا الباب ( باب نقل الواقع فقط )دخل الكثير من أدعياء الأدب والفن في العصر الحديث ..في مختلف أنواعه وفنونه .. لأنك إذا كنت تريد نقل الواقع فقط .. فأنت لم تضف شيئا إبداعيا أو إثرائيا للحياة ..
 
إن أهم ما يميز الأديب هو تلك العين اللاقطة للواقع ثم العارضة له من خلال نظرة إبداعية .. تلك النظرة من وجهة نظري هي أشبه بيد منقذ يأخذ ذلك الواقع المجروح.. إلى شط نجاة .. فيقدم المشكلة بروح المبدع وحاسة الأديب وليست بنظرة و روح تاجر الروبابيكيا الذي يعرض الغث مع السمين ..والتافه الحقير مع العظيم الخطير .. وهؤلاء على كل مستويات الفن في نظري ..ليسوا مبدعين بقدر ما نعدُّهم في عداد الناقلين ..
 
فأين الإبداع في فن ينقل لك التافه من المشاهد والإيحاءات والكلمات التي تخدش الحياء .. والتي تجعل العين و اللسان والأذن تتعود على القبح واستمرائه وتقليده .. فتشمئز منه النفس ويخدش بسببه الحياء بحجة الواقعية ..
 
إنه فن الروبابيكيا .. الذي عجز عن التمييز بين موضوع يمس حياة أغلبية ومعاناة جيل في شيء من السمو والرقي دون مغالاة ودون إفراط أو تفريط في رسالة الفنان والأديب .. وبين موضوع هامشي لبعض الفئات القليلة .. لا يعالج جرح تلك الفئات .. بقدر ما يُعَرِّيه .. فيجعل الأغلبية تزداد لهم ازدراءً ..وتمتلئ منهم توجسا ..وترغب عنهم ابتعادا… وتجعلهم في حالة انطواء وانكفاء على ذواتهم .. لا يتأثرون ولا يؤثرون ..
 
وأستغرب من الحركة النقدية التي إما بتغابيها .. أو تجاهلها .. تناولت ذلك الفن المُـدَّعَى حينا بالتحليل و حينا بالترويج له..ولا يخلو في كلا الحالين مما يعبر عن الإشادة .. إن هؤلاء أيضا في نقدهم هذا أشبه بتاجر الروبابيكيا ..الذي لايميز بين نص يشتمل على إبداع يثري الواقع ويسمو به ..وبين نص ينقل الواقع ليكرس صورة شذوذ ..أو يأس أو رذيلة أو إحباط  
 
إن الذين ينقلون الواقع المعاش لفئات مهمشة بصورة من الواقعية التي تعرض الرذيلة على مختلف مستوياتها ..هؤلاء خالفوا طبيعة الفطرة الانسانية السوية التي تحب الظهور في الجمال وللجمال ومع الجمال ..كما تكره القبح والشذوذ وتخجل منه وتتوارى ..فإذا رأينا عكس تلك الفطرة من أناس يستمرئون القبح ويفرحون به ..ويدعون للشذوذ ويصورونه بل ويشرعون له القوانين التي تدعمه ..فإن هؤلاء وأمثالهم لا علاقة لهم بالفن ورسالته ..بل وأجزم أن لديهم خلل في الفطرة نتج عن خواء فكري وقِيَمِيّ..وعَقَدِيّْ ..
 
سيداتي وسادتي القراء .. إننا مع الواقعية التي تُعَرِّض بالواقع فتشير وتُلّمِّحُ .. ولا تُعَرِّي فتفضح أو تجرح .. وتعرض الحل في إطار من قيمنا وثوابتنا ..إن دورنا الآن هو الوقوف أفرادا وجماعات أمام تلك اللوثة الفنية ( آسف لوصفها بالفنية )التي تزداد يوما بعد يوم .. بتلك الحجة ..( نقل الواقع ) ..فهي رغم أنها تعكس ما تعيشه بعض فئات المجتمع ..إلا أنها دون أن تدري تُكَرِّس أما م نظرالأجيال .. صورا سلبية ..تنزع الحياء من اللفظ والقلب والجوارح .. ومن لا حياء فيه ..لا خير فيه.. وإن أقل ما هو مطلوب منا ..هو تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية لذلك أقترح أن نسمي هؤلاء الذين وقفوا بالفن عند هذا الحد   ..بفناني الروبابيكيا .. وأن فنَّهم ..هو فن الرُّوبابيكيا !!!!
 
حسين حرفوش

زر الذهاب إلى الأعلى