أرشيف - غير مصنف

لا جدوى من المواربة

قد يكون من المسلّم به غياب جدوى الكتابة، وتراجع حركات التنوير، ومن المؤكد في رأينا أنّ البوصلة مازالت مفقودةً، ولكنّ الحياة تفرض سيرورتها، حيث لا تفقد المجتمعات حراكها رغم تعثرها، فالحياة مستمرة، ولا ينفك أفراد المجتمع عن إنتاج أو إعادة صياغة الأسئلة التي تلامس الحياة اليومية أو العامة والتي ترتبط إلى حدٍ ما بمصائرهم، والبحث عن إجابات أو ربّما الاكتفاء بالتعبير عن حالة من حالات تشبه البقاء بأضيق حدوده وصوره، ومن بينها الخيارات الفردية، التي تنضوي على القناعات أو شبهها كما ترتبط بالموروث ونمط التربية وأنماط الثقافة والحدود التي يتم على أساسها الاعتراف بالآخر، مضافاً إليها المفاهيم التي تحكم المجتمع، أو التي أصبحت بحكم الواقع الذي لا مهرب منه. ففي مجتمع يضيق على نفسه لحدود الانغلاق، يكون من الصعب أن لا نرى الشطّار يستحوذون على النصيب الأكبر من الاهتمام والثروة، وهؤلاء الشطّار لا يبتعدون عن كونهم سادة المجتمع دينياً واقتصادياً وسلطوياً. ولعلّ أحد أهم المفاصل التي يستحوذون عليها هي القبض على المصائر الشخصية، بعد الانقضاض على كل النصيب المجتمعي، ويكون ذلك عبر تسفيه الآخر وقمعه، والحجر عليه، أو تصفيته، ومصادرة رأيه من خلال سيل من الأفكار المصمتة والمنجزة بطرق التلفيق والتضليل والإيهام والعبث بالمنطق، كما يتم القبض على مفاصل الحياة الشخصيّة التي تعتبر المحّرك الأساسي لكل إبداع، وتحوير الأهداف والمعوقات بحيث يصبح الخارج أو الآخر هو العدو والمتسبب بالبلاء والآفات، وترسم صورته لتتماشي مع كونه المعوّق المفترض لنهوض المجتمع والأفراد، وتصبغ عليه أحادية النظرة واللون المتماهي مع العاهات الأيديولوجية التي ينطق بشعاراتها أولائك الشطّار بعدما صاغوها وفق متلازمات العوز والنقص والعته لديهم، بحيث يزداد استلاب الفرد أو اغترابه تبعاً لمقوماته ونزوعه وقدرته على التوازن، بهدف تحوير دونيتهم وعجزهم إلى دونية وعجز مجتمع يعجز عن تلّمس طريق خلاصه ونهوضه. لذلك فالتستر على العيوب والرضوخ المزمن للقوى والمفاهيم التي أصبحت مؤذيةً ومحبطةً ومساهمةً في إدارة عجلة التاريخ إلى الوراء هو أحد أهم ركائز تعويقنا وفشلنا في إدارة أزماتنا وحياتنا بما يتناسب مع العصر الراهن وبما يضمن لنا موقعاً مقبولاً بين أمم الكون. وعليه فلا يقبل أن يبقى كل ما يخدش حياء المجتمع الأبوي القبلي مسكوتاً عنه، أو كلّ ما يمسّ سلطة الشطّار محرّماً، أو أن يبقى مرعباً كلّ مس بمقدسات الفساد والإفساد، وإدراك خطورة المواربة في التعامل مع تحالفات الظلام. 27/6/2009 م. محمد أحمد [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى