أرشيف - غير مصنف

أريدُها زوْجـــــة…. لا ورْدة !

جميل عبود
من المعروف لدى شعوب الأرض جميعاً أن العادات والتقاليد القديمة تموت بصعوبة، فكلما كانت هذه العادات والتقاليد قريبة إلى ضمائر الناس صعب التخلص منها.ومن أهم هذه التقاليد والعادات القديمة التي يبدو أننا متمسكون بها حتى الآن هي الأسس التي يتم بها اختيار الزوجة .
 
 
 
فالرومان مثلاً كانوا يختارون الزوجة الجميلة، ظناً منهم أن الجمال يجلب لهم السعادة.
 
 
 
 والفرس اختاروا الغنية لاعتقادهم أن المال يجلب لهم السعادة.
 
 
 
والعرب اختاروا ذات الحسب والنسب، ظناً منهم أن السعادة تُورّث.
 
 
 
والمسلمون اختاروا ذات الدّين وفضلوها على غيرها، فهي برأيهم الأقدر على جلب السعادة لأنها الأكثر قرباً من الله .
 
 
 
وشباب اليوم يفضلونها متعلمة لكي تساعدهم على حل مشاكل الحياة فهم يرون السعادة بأنها حياة بلا مشاكل .
 
 
 
أما أنا فأريدها أن تأخذ بعين الاعتبار العلاقات المستجدة بعد الزواج لا أن تبقى أسيرة للعلاقات السائدة قبله ، لأن الزواج يخلط الأوراق ويحتم عليها إعادة ترتيبها من جديد آخذة بعين الاعتبار مصلحتها الشخصية لا مصالح الآخرين، فالعلاقة التي كانت بالأمس قوية ربما ستصبح اليوم ضعيفة والتي كانت بالأمس ضعيفة أو غير موجودة أصلا قد تصبح اليوم قوية ، وهذا سيكون أول اختبار تتعرض له بعد الزواج فإذا لم تمتلك الشخصية القوية المستقلة ستضل الطريق من أوله .
 
 
 
أريدها مشعة بذاتها تضفي على المكان الذي تتواجد فيه جمالها لا ينساها من يراها ولو لمرة واحدة ، لامعة مصقولة تعكس الحب الذي بداخلها على من حولها ، لماحة تلحظ وتلاحظ ما يدور من حولها
 
 
 
أريدها منفتحةً لا منغلقةً على نفسها، لأن المنغلقة على نفسها لا تتأثر بالآخرين، وستكون قدرتها على تنمية نفسها بنفسها أمر مشكوك فيه ، ذكية لكي يسهل تعليمها .
 
 
 
أريدها أن تدرك معنى الجمال، فالجمال له زمان ومكان، وعليها أن تعرف متى وكيف تصبح جميلة   ذلك أن جمال الصباح غير جمال المساء غير جمال الظهيرة  والجمال للزوج غيره للأبناء غيره للجيران غيره للشارع .
 
 
 
أريدها مفعمة بالإحساس تتفاعل مع من حولها لتعطي وتأخذ لا أن تمثله تمثيلا ً،لأنه سرعان ما يظهر في أكلها أو لبسها أو كلامها ، وقديما ً قيل أن المرأة التي تحب تميز من شكل وطعم رغيفها !
 
 
 
أريدها أن تستخدم عقلها إذا احتاجت المال بأن تعيد ترتيب أولوياتها فتستغني عن الكماليات وكأنها أتت بالمال.
 
 
 
أريدها قارئة من أجل القراءة (لا من أجل قتل الوقت والتسلية ) ليتسنى لها مواصلة ما كانت قد درسته قبل زواجها.
 
 
 
أريدها أن تواكب ما يجري على الساحة المحلية والعالمية من أحداث وأن تناقش ذلك مع زوجها وصديقاتها وغدا ً مع أولادها.
 
 
 
لا أريدها جسداً مغطى ووجهاً مخفياً متصورة نفسها مارلين مونرو وحتى لو كانت كذلك فالرجال لا يلتفتون إلى أنوثة المرأة فقط ولكنهم يريدون من تنمي عقلها وتشحذ ذكائها .
 
 
 
أريدها أن تفهم دينها كما يريده الله تعالى وليس لها مرجعية أو وليّ تستشيره في كل صغيرة أو كبيرة في حياتها، فهي تنشئ أولادها من غير غلوّ ولا تفريط فتفوز في الدنيا والآخرة.
 
 
 
 أريدها أن تحب زوجها فإذا أحبت زوجها أحبت معه أهله ومن لم تحب أهله فلن تحبه أبدا ً
 
.
 
أريدها أن تتعلم كل شيء وتعتمد على نفسها ولا تحسب حسابا ً للخطأ وتعيش وكأنها أرملة.
 
 
 
 أريدها كالفرس تشعر بوقوع الزلازل قبل غيرها، وبذلك تهيئ نفسها مسبقاً وتمتص الأزمات لتصبح بعدها حصنا منيعا لزوجـها على مر السنين، لا وردة تسر الناظرين في فصل الربيع حتى إذا جاء الخريف اختفت مع أول هبة ريح
 
.
 
أحبها أن تكون موصلة جيدة لأحاسيس الحب والحنان والكبرياء والعطف والدلال والجمال ترسلها وتستقبلها مع زوجها والآخرين .
 
 
 
نعم أريدها مؤدبة لكنها ليست محبطة لأن المرأة المحبطة لا تفرق بين الفرح والحزن ولا بين الصاحب والعدو والأصعب من ذلك أنها لا تطلب الحب ولا تعطيه.
 
 
 
أريدها أن تضع لنفسها خطة للاستفادة من أجهزة الإعلام ووسائل الثقافة على أقصى وجه وتختار البرامج الضرورية وتتعلم كيفية متابعتها وكيف تستخلص احتياجاتها منها لا أن تقعد حبيسة بيتها تأكل وتسمن وتتضخم لتعاني بعدها من الأمراض وتجتر الأفكار السوداء منها والبيضاء الحالمة.
 
 
 
أريدها أن لا تتبجح بالحسب والنسب كثيرا ًلأنه مِن عند الله ولا دخلَ لها فيه ، فهي تعلم أنها وُجدت على هذه الأرض ، ولم تستشرْ لأيّ أب تريد أن تنتسب.
 
 
 
وأخيرا ًأريدها كالينبوع الذي ربته أخلاق القمم ، فهو يسقي الورد والشوك معا ً، وأحيانا ًتنكره الضفاف بل تعقه حينا ولكنه يظل يرضع النقاء من السماء لا فرق بين ربيع أو خريف ، هو للعطاء خلق ، فليس يسأل عن هوية أحد ، يسقي لأن حقيقة الينبوع أن يسقي رغم إعاقة الحصى، كبيره وصغيره له، ولا يخيفه أو يتعبه السفر، وسنظل أظمأ ما نكون إليه نحن البشر,
 
 
 
أريد كل هذا من الزوجة لأن زمننا الذي نعيش قد جعل الواحد منا يشعربأن التمتع بالحياة لم يعد أمرا ً سهلا ً، فقد أصبحنا جيلا مشغولا ًبأشياء كثيرة لم تكن موجودة أيام آبائنا وأجدادنا فلم تعد المقاييس القديمة تصلح لهذا الزمان ولا لهذا المكان.
 
 
 
ليس مهماً أن نعيش الحياة، لكن الأهم أن نتمتع بها، والتمتع بالحياة فن لا يتقنه إلا المرأة إن هي أرادت، لذا، لا بد أن نتعلم هذا الفن ونُعلّمه لكي نعرف قيمة هذه الحياة، والمرأة خير من يعلمنا إياه، فهي تعلمنا حب الحياة، واستمرار هذا الحب هو قمة المتعة، كما أنها تملأ داخلنا بالقناعة أماً، وصدرنا بالسعادة زوجةً، والشعور بالسعادة ليس مشكلة عند المرأة ، فنحن كثيراً ما نكون سعداء لأي سبب ولأصغر سبب إذا أرادت المرأة ذلك .
 
 
 
وأخيرا ً المرأة هي التي تصنع مفاتيح الحب والسلام، والحياة بدون هذه المفاتيح لا تستحق الحياة، وبدونها سنضل طريقنا في التعبيرعن سعادتنا ولن نجدها، وبدونها سنبخل على غيرنا أن يشاركنا شعورنا بالسعادة وهذا هو الأهم من السعادة نفسها.
 
 
 
جميل عبود
 
حزيران 2009
 

زر الذهاب إلى الأعلى