أرشيف - غير مصنف
القبول الأمريكي بحل الدولتين تحول جاد بسياسة أمريكا أم تمهيد لعملية نصب سياسي جديدة ضد فلسطين أوالمنطقة
محمود عبد اللطيف قيسي
منذ مؤتمر مدريد للسلام بالشرق الأوسط الذي التأم شمله خريف عام 1991م عودتنا الإدارات الأمريكية المتعاقبة أنّ وراء كل إماءة أو إشارة منها لصنع السلام الموعود بالشرق الأوسط عملية ابتزاز ونصب سياسي كبيرة وخطيرة تعد ضد المنطقة ، المحاولات غير الجادة والإيماءات من الجانب الغربي وتحديدا من الأمريكي الأقوى التي تتبعها أملاءات على الطرف العربي الراغب بصنع السلام ولإظهار الإيماءات المخادعة المرغوبة رسميا وشعبيا وإخفاء الأملاءات المكروهة المرفوضة قطعا من كليهما ، ولتمرير كلا الإيماءات والأملاءات بأمن وأمان للوصول للأهداف المرسومة المأمول تحقيقها بما يحقق المصالح القومية للغرب وخاصة للأمريكي ، كان لا بد من وجهة نظرهم السياسية من إظهار الرأفة والشفقة والحنية على الشعب الفلسطيني المكلوم والمظلوم ، والتعاطف التفافا مع القضية الفلسطينية الشائكة والمعقدة الحل ، ليقينهم أن سبل حلها قائم من وجهة نظر الصهيونية وداعمي الفكر اليهودي والصهيوني على بقاء اليهودي المتصارع مع الآخر الفلسطيني الذي يواجه أو يُوّجه لحتمية استسلامه أو فناءه ، وكذلك لا بد من أقناع أقطاب العالم العربي المنقسم على نفسه والمتصارع مع غيره وإقناع الشارع العربي المتخبط بين الأسود والأبيض وبات لاعنا لذاته قابلا بالرمادي ومؤمنا به ومعنونا به نضاله وتحديه ، أنّ الغرب جاد بصنع السلام الذي يسعون له ويبحثون عنه ، متجاهلا وقافزا على حقيقة أنّ العرب تأكدوا من عدم ثبوت مصداقيته ، مصرا ومؤمنا أنه في كل مرة يريد النفاذ لقلب الوطن العربي لرسم سياساته يحاول اقناع المنتكس العربي بهمه ومشاكله أنه قادر على إجبار دولة إسرائيل على القبول بخيار السلام الذي ما زالت تنظر إليه على أنه خيار تكتيكي .
وبعد أن نجح الغرب بجر جميع العرب واليهود وقافلة فلسطينية ريادية لخيار السلام الذي أراده كل من الباحثين عنه والدافعين له كل حسب مقصده وأهدافه ، سواء كان موقفا حقيقيا أو تدليسا أو اتكاء كما الغربي ، ففي حين أنّ العرب أرادوه موقفا حقيقيا وخيارا استراتيجيا لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه وكف الأطماع الإسرائيلية ولجمها عن حاضرهم ، وإبعاد خطرها عن مستقبلهم ، اراده الإسرائيلي تدليسا لتثبيت دولته كوجود شرعي مع استمرار وبقاء حدودها هلامية غير معلمة بالأحمر أومحددة التفاصيل ، وقابلة للتمدد والتوسع ما دامت آخر دباباته هجومية له تتقدم للأمام ، ومحاولته الحقيقية الجادة نقل الدولة من مرحلة الكيان الحر الديمقراطي الخدعة الكبرى الذي قبل به جزء كبير من العالم لضمان حياة وبقاء جزء صامد من الشعب الفلسطيني كان رفض الهجرة إلى الشتات والخنوع لحكم الصهيونية العنصرية الذي قبل بهم على مضض من منطلقات احترامه وداعميه لحقوق الإنسان الذي هو عندهم مواقف إدعاء لا مبادىء حقيقة رافعا بوجه العالم كفوف الطهارة المخفية تحتها أكف القتل النجسة المغمسة بدم الشعب الفلسطيني ، ورافعا راية الديمقراطية الكاذبة المعمدة بالعنصرية والقتل والإرهاب ، ثم محاولين نقلها بعد 60 عاما من قيامها وعن سبق إصرار وترصد إلى مرحلة الدولة اليهودية ـــ العنصرية ـــ والتي يأمل الإسرائيلي جادا أن لا يكون بها أي وجود لعربي ضمن حدودها الجديدة والهلامية على كل حال ، الباحثة دوما عن النسبة المئوية لمكتسباتها الأرضية من أرض فلسطين لتصل إلى معدل 100% ، ولا يتبقى للشعب الفلسطيني إلا ما تصل نسبته إلى صفر % ، الرقم الكبير على الشعب الفلسطيني والممكن له قبوله تحت الضغط والإكراه برأي جميع أحزاب دولة إسرائيل الكيان الدينية اليمينية أو من يمين الوسط أوالعلمانية اليسارية أو يسار الوسط ، وأخيرا حتى تلك التي تنادي بالسلام وتؤمن به ولكن بمقاسات الإيباك والصهيونية العالمية .
ولأن الذاكرة لا تنسى السياسات العدائية الغربية ضد الأمة العربية وخاصة السياسة الأمريكية التي آمنت بضرورات أمن دولة إسرائيل وعملت جاهدة على تقويتها وحمايتها بكل الطرق ، فعملت على ضخ مجموعات متتالية من مشاريع السلام لتحقيق أهدافا معينة من كل منها ، فعلى عهد الرئيس الأمريكي جونسون ووزير خارجيته روجرز مصمم مشروع روجرز للحل القائم على الأرض مقابل السلام ، دون التوجه والعمل الحقيقي لحل قضية فلسطين ، المشروع غير القابل للتطبيق الذي طرح بعد ثلاث سنوات من حرب حزيران والذي جاء أصلا بهدف تدمير منظمة التحرير الفلسطينية لحظة قيامها في العام 1964م .
وبعد الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة التي اشتعلت عام 1973م التي عرفت بحرب رمضان المجيدة من وجهة النظر المصرية وبحرب تشرين التحريرية من وجهة النظر السورية ، وحرب يوم الغفران من وجهة النظر الإسرائيلية ، والحرب العبثية الهادفة لإشعال المنطقة وتخريبها من وجهة النظر الأمريكية ، وذلك عندما تيقن الأمريكي أن العرب قابوا قوسين أو أدنى من النصر ، حيث دُفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون صاحب فضيحة وُتر غيت بتوصية من مجلس الأمن القومي الأمريكي وبغض طرف من مجموعات اللوبي اليهودية الأمريكية ، وبالتنسيق مع وزير خارجيته هنري كسنجر لإطلاق مبادرة السلام الثانية بالشرق الأوسط والتي عرفت باسم مبادرة كيسنجر للسلام ، والتي احتضنها بعد ذلك بديله الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ، والتي اسفرت أولا عن اتفاقيات فك الارتباط على الجبهتين السورية والمصرية ، ثم اتبعت وصنعت لاحقا وعلى هداها معاهدة كامب ديفيد الأولى التي صنعها الرئيس المصري أنور السادات واليمين الإسرائيلي ممثلا برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين ، والتي بشقها الفلسطيني كما اتفقت الأطراف الموقعة عليها لم تعطي الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية بل حاولت رسم معالم بعض حقوقه السياسية ضمن حكم ذاتي فلسطيني محدود تحت حكم دولة إسرائيل الكيان ، وعبر تجاوز منظمة التحرير الفلسطينية التي كان جزء كبير من الغرب لا يعترف بها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني .
وبعد صمود الشعب الفلسطيني وثورته وقيادته في لبنان أمام الإجتياح الإسرائيلي الكبير سنة 1982م ، وتمكن القائد الفلسطيني ياسر عرفات من إخراج القوات الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بأمن من لبنان إلى عدة دول عربية ، أضطر الرئيس الأمريكي الممثل رونالد ريغان لطرح مبادرته لسلام التي عرفت باسمه ( مبادرة ريغان للسلام بالشرق الأوسط ) بهدف حل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي دون العمل نهائيا على حل القضية الفلسطينية ذاتها ، بل أوضح بها حرصه على إظهار عدائيته للشعب الفلسطيني وممثله الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية ، وإيضاح موقفه الرافض لإيجاد دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة مع الإيضاح بإمكانية إعطاء الشعب الفلسطيني الحق بالحكم الذاتي على ذات اسس اتفاقيات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية ، وحتى هنا كانت كل المبادرات السابقة تهدف أساسا لحفظ أمن إسرائيل دون الأمن القومي والوطني العربي وبما لا يتوافق أساسا مع المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وحقوقه وثوابته الوطنية .
أما بعد غزو العراق لدولة الكويت وعلى عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أراد حشد التأييد العربي والعالمي لخطته الرامية والمتحمس لها لإخراج القوات العراقية من الأراضي الكويتية ، الخطة التي الهبت الشارع العربي وأحدثت شرخا بالموقف الرسمي والشعبي العربي بين مؤيد ومعارض لها ، الوضع الذي دفعه لموافقة كبار مستشاريه ومن بينهم وزير خارجيته كولن باول للتحضير لعملية سلام بالشرق الأوسط للملمة الأوراق المبعثرة بالمنطقة ، حيث تم دعوة العرب وإسرائيل على شرف الكبار لحضور مؤتمر السلام بالشرق الأوسط في مدريد دون الحضور الفلسطيني المعني ببحث القضية فلسطينية بناء على رغبة إسرائيل وأقطاب اليمين والإيباك في أمريكا ، الخطة العملية الأولى للسلام التي كانت أوضح مؤشر للنصب السياسي الأمريكي ضد الأمة العربية ، حيث أنها ومن ورائها كانت تهدف لتدمير العراق مقابل ورقة التوت الفلسطينية وقميص القضية الفلسطينية التي أجاد لبسه أقواما وأعراقا مختلفي الألوان والاتجاهات والدين وأخيرا من بينهم ذات الغرب الأمريكي ، مع أن العرب كانوا قد سجلوا في هذه الفترة الزمنية أول وأقوى اختراق للموقف الأمريكي الرافض التحدث إلى منظمة التحرير الفلسطينية ، وذلك من خلال الإصرار العربي الأردني على حضور الوفد الفلسطيني أولا ضمن المظلة الأردنية ثم بوفد مستقل له كامل الحقوق والصلاحيات كباقي الوفود المشاركة الأخرى .
وبعد هجمات سبتمبر وعلى عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش زادت وتيرة النصب والابتزاز السياسي الأمريكية ضد الأمتين العربية والإسلامية ، حيث أنها كلما أرادت التخلص من نظام عربي أواسلامي كما حصل مع نظامي طالبان وبغداد ووضعت الخطط الكفيلة بإزاحته عن الخارطة الدولية ، عزفت الإدارة الأمريكية وبنجاح تام وناجح على وتر القضية الفلسطينية وأعطوا وعودا من غير ذات مصداقية لحلها .
وأخيرا جاء النور بعد أن فار التنور الأمريكي ضد دولة إسرائيل الكيان كما أعتقد ويعتقد كثير من العرب ، وكما يقولون جاء من الشمعة السوداء ، فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما الذي احتضن مبدأ حل الدولتين وأعلن اقتناعه التام به ، أنه مصمم على إقامة الدولة لفلسطينية المنزوعة السلاح والقابلة للحياة إلى جوار دولة إسرائيل القوية النووية فوق أرض فلسطين ، لأنّ إقامتها وكما قال بات من مصلحة إسرائيل وجودا وبقاء ، ويتوافق بشكل تام مع المصلحة القومية الأمريكية المهددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بالتفكك والإضمحلال وبالإنتظار هل يصدق أوباما وتقوم دولة فلسطين فوق أرض فلسطين وتفكك المستوطنات التي قال عنها أنها غير شرعية ، وهل تكون القدس العربية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة ، وهل سيضمن الشعب الفلسطيني حق العودة وحق التعويض عن كل سنوات التشرد والعذاب والضياع ، أم ستكون هناك عملية نصب جديدة ضد إحدى دول العالم العربي أو الإسلامي ، سؤال كبير وكلام كثير ينتظر إجابته الشعب الفلسطيني الصابر الخالد ، فإن لم يجب عليه بريك عفوا باراك بن حسين أوباما سيجيب عليه بالتأكيد الزمن القادم المنظور الذي طوى أمما وشعوبا كثيرة غزت واحتلت فلسطين وبقى شعبها العربي صامدا صابرا حرا بقاء الحياة على الأرض .