السياسة الخارجية ألأمريكية والواقعية الجديده

دكتور ناجى صادق شراب
لقدر أرسى الرئيس ألأمريكى أوباما فى خطابيه التاريخيين فى أنقره والقاهرة اسسا ومبادئ ورؤى جديده للساسة ألأمريكية ليس فقط على مستوى العالمين العربى وألإسلامى ومستوى حل الصراع العربى ألإسرائيلى والقضية الفلسطينية ، بل على مستوى الرؤية ألأمريكية للعالم والدور والمكانه التى تسعى الولايات المتحده إلى تثبيتها وتعزيزها بإعتبارها الدولة ألأولى القائد من خلال تقديم النموذج ألأمريكى الذى يستند على المبادئ ألأخلاقية والحضارية والعلمية المتقدمه ، هو يحاول ان يعيد رسم الصورة ألأمريكية البعيدة عن غرور القوة والغطرسة وألإنفراد بقيادة العالم وتجاهل مصالح ألأخرين . لا شك أن هناك تحولا واضحا فى ألأسلوب والنهج وحتى الرؤى السياسية الجديده ، ولاشك فى جدية وصدقية الرئيس أوباما ، فنحن أمام نموذج مغاير تماما لنماذج الرئاسة السابقة وخصوصا نموذج الرئيس بوش ، والذى تسبب فى ضرر للمصالح ألأمريكية أكثر من الحفاظ عليها وتطويرها ، ولذلك لقت دعوة الرئيس أوبما إستجابه كبيره ليس فقط داخل الولايات المتحده ، بل داخل العالمين العربى وألإسلامى اللذان تتضررا أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم ، لأنه فى داخل هذه المنطقة الواسعة والممتده من العالم تركزت كل مصالح الولايات المتحده العليا . ولا ينبغى التقليل من هذه التحولات ألإيجابية ، فليس من المصلحة العربية وألإسلامية الوقوف فى إتجاه معاكس لها ، بل ينبغى العمل فى الدفع بها نحو مزيد من التغير والتحول الذى قد يلامس مراجعة الأولويات العليا للولايات المتحده  وخصوصا ما يتعلق بأمن وبقاء إسرائيل , وهذه مرحلة تحتاج إلى وقت طويل ، وتوظيف جيد وهادئ للمصالح ألأمريكية فى المنطقة , وفى مقدمة ذلك تقديم الصورة الصحيحة للإسلام بعيدا عن سياسات التطرف والتشدد. والمهم فى عملية التحول هذه كيف نجعل من المصالح العربية وألإسلامية مكونا أساسيا من مكونات السياسة ألأمريكية .
وعلى الرغم من هذا الخطاب السياسى المتجدد ، ما زالت الواقعية بثوبها الجديد هى التى تسيطر على السياسة ألأمريكية ، واقعية تتسم بالإيجابية وألإنفتاح أكثر على دول العالم ، والتخلى عن مفاهيم القوة المجرده التى دفعت بالولايات المتحده تجاهل مصالح ألآخرين ، وكأن المصلحة ألأمريكية هى المصلحة ألأوحد، هى واقعية ما زالت تؤمن بالدور القيادى للولايات المتحده ، ولكن من خلال نموذج جديد يقوم على الشراكة والمسؤولية الدولية ، فلماذا تتحمل الولايات كل الضرر فى مصالحها ، ناهيك أن من شأن هذه السياسة أن تخفف من الضغط على الولايات المتحده ، وهى أقرب إلى تحقيق المصالح ألأمريكية ، وأقدر فى إحتواء أولويات مثل محاربة ألإرهاب ، والتحولات فى موازين القوى كأولوية الملف النووى . وتعنى ايضا أن الولايات المتحده هى الدولة ألأولى فى العالم ، ولكن من خلال من منظور جديد للقوى الدولية تتساوى فى القدرة والنفوذ ، وان المصالح الوطنية ألأمريكية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال النظر أيضا إلى مصالح الدول ألأخرى , وفى هذا السياق للولايات المتحده رؤيتها لمصالحها التى قد لا تلتقى مع رؤية إسرائيل لمصالحها ، وهذا ما ينبغى العمل فى إتجاهه عربيا وفلسطينيا . وهذا أحد مظاهر التحول والتغير فى السياسة ألأمريكية ، وهى مسألة تستحق ألإهتمام والبحث . وهذا ما جعل عددا من المسؤولين ألأمريكيين السابقين يوقعون على مذكرة يؤكدون فيها أن هناك خطا فاصلا يمكن التمييز بينه وبين المصالح ألإسرائيلية . كما هو حادث ألأن فى موضوع حل الدولتين ووقف ألإستيطان ألإسرائيلى من الموقف الذى تتبناه الحكومة اليمينية بزعامة نيتينياهو ووزير خارجيته ليبرمان . لكن ليس معنى ذلك أن الولايات المتحده قد تخلت عن أولوية ألحفاظ على أمن وبقاء إسرائيل .
إذن نحن أمام مرحلة جديده فى إعادة صياغة السياسة ألأمريكية فى المنطقة تأتى لتتوافق مع التغيرات والتحولات فى النظام الدولة وبنية القوة فيها ، وهو ما يعنى تكيف السياسة ألأمريكية مع هذه التتحولات ، وليس العكس بأن تتكيف التحولات فى النظام الدولى مع المصلحة ألأمريكية وهذا ما كان قائما فى الإدارات ألأمريكية السابقة وخصوصا إدارة الرئيس بوش .ولهذا دلالة كبيره فى إعادة ترتيب ألأولويات من وجهة نظر أمريكية ، والمثال واضح ما بين ملف السلام والملف النووى ألإيرانى إسرائيل تريد إعطاء أولوية للملف النووى ألإيرانى عكس الموقف ألمريكى الذى يرى فى حل القضية الفلسطينية وتسوية الصراع العربى ألإسرائيلى هو المدخل الرئيس للتعامل مع ألأولويات ألأخرى .
إذن النهج الأمريكى الجديد يقوم على الربط بين كل ألأولويات وليس الفصل بينها ، والربط كذلك بين منهاج المصالح من خلال سياسة أكثر توازنا ومصداقيه . ببساطة محاولة الولايات المتحده إعطاء دور متمايز لها بعيدا عن إلتزامها بأمن وبقاء إسرائيل . وعليه أهم ما يميز السياسة الخارجية ألأمريكية فى عهد الرئيس أوباما : التمييز بين المصالح الوطنية ألأمريكية العليا والمصالح الضيقة أو الخارجية لجماعات الضغط وخصوصا اللوبى الإسرائيلى ، لكن مع عدم تجاهل دو رهذه المؤسسات فى السياسة الداخلية ووقت الإنتخابات . وثانيا الإعتماد أو تفعيل دور الوسائل ألأخرى للسياسة الخارجية كالدبلوماسية والحوار وهذا يتواكب مع إستعادة أمريكا لمصداقيتها فى العالم ، ,إستعادة صورتها كنموذج سياسى يحتذى . وثالثا التأكيد على أن هذه التغيرات والتحولات فى السياسة ألأمريكية يأتى إستجابة ومن منظور المصلحة ألأمريكية . ورابعا فى هذا السياق يمكن فهم المدركات والمحددات الجديده للسياسة ألأمريكية والتى يمكن أن لا تلتقى فى بعض القضايا مع المدركات ألإسرائيلية فمثلا يمكن للولايات المتحده أن تتعايش مع إيران النووية ، لكن إسرائيل لا يمكنها ذلك . فأمريكا ترى أن هناك إمكانيه لعلاج المسأله من منظور الحوار أو العقوبات المتشدده قبل اللجؤ للخيار العسكرى ، عكس إسرائيل التى تعطى أولوية للخيار العسكرى . وأخير إن مسألة التغير فى السياسة ألأمريكية ليست مسألة سهله ، فنحن أمام دوله عظمى تتدخل فى مكونات سياستها العديد من العوامل الداخلية والخارجيه ، ولسنا امام نموذج دولة صغيره . ويبقى السؤال عربيا كيف يمكن التعامل مع هذه التحولات والتغير ؟ وكيف يمكن ان نجعل مصالحنا مكونا رئيسيا فى السياسة ألأمريكية لا يمكن تجاهله ؟
دكتور ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية/غزه
drnagish@hotmail.com
 
 
Exit mobile version