تخوض شركات تأجير السيارات في دبي “معركة بقاء” في ظل الأزمة المالية العالمية التي استنزفت معظم مواردها، فالسيارات تكدست أمام مكاتب هذه الشركات بعد شبه غيابٍ للطلب عليها. ومندوبو المبيعات ينتظرون بفارغ الصبر أي زبون يمر أمام مكاتبهم أو يتصل بهم للاستفسار عن الأسعار، أما أصحاب الشركات فتحاصرهم مطالبات البنوك بتسديد أقساط السيارات.
ويرسم مسؤولو وأصحاب شركات السيارات صورةً غير مطمئنة للقطاع، فحجم أعمالهم تراجع بنسبة 60% منذ بداية الأزمة، والديون تهدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإقفال، ولم تقف العثرات عند هذا الحد، بل إن بعض الزبائن يتهرب من دفع قيمة إيجار السيارة، ودخلت عديد من السيارات في عداد المفقودة بعد تخلف العملاء عن إرجاعها للشركات.
انخفاض عدد الزوار
يقول مدير المبيعات والعمليات في شركة “بريستيج” لتأجير السيارات مؤنس العمصي إن هناك شيئًا لا يُصدق يشهده قطاع تأجير السيارات، فبعد طفرةٍ كبيرة شهدها خلال العامين الماضيين، تراجع الطلب بنسبة 60% منذ بداية الأزمة المالية.
ويعزو الهبوط إلى عدة أسباب أبرزها: تراجع عدد الزوار القادمين إلى الإمارة بهدف السياحة أو التجارة أو البحث عن العمل، وهؤلاء الزبائن انخفض عددهم 60%، أما الشركات التي تستأجر سيارات لموظفيها -خصوصًا العقارية منها- فهبط الطلب من قبلها بنسبةٍ تصل إلى 90%، عدا عن قيام بعضها بفسخ عقودها السنوية مع مكاتب تأجير السيارات لخفض مصاريفها التشغيلية.
ويضيف العمصي أن الزبائن الذين فقدوا وظائفهم غادروا دون تسديد قيمة الإيجار إلى الشركات، حتى أن بعضهم لم يكلف نفسه عناء توصيل السيارة إلينا، ما دفعنا لإبلاغ الشرطة لاستردادها، ويشير إلى أن شركات كبيرة تتأخر أيضًا في دفع المستحقات لنا متحججةً بوضع السوق.
الوضع هذا دفع إلى انخفاض أرباح شركات تأجير السيارات بنسبة 50% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وفقًا للعمصي، كما منع قيام الشركات بتجديد أسطولها.
20 ألف سيارة سنويًّا
فوفقًا لإحصاءات مجموعة دبي لتأجير السيارات في غرفة تجارة وصناعة دبي، فإن شركات تأجير السيارات في الإمارة كانت تشتري 20 ألف سيارة سنويًا بأكثر من ملياري درهم. وتعمل في الإمارات ما يقارب 900 شركة لتأجير سيارات تملك أكثر من 100 ألف مركبة، 75% حصة دبي منها. ويعمل في القطاع أكثر من 12 ألف عامل على مستوى الدولة.
وأكدت المجموعة مساهمة هذه الشركات في دعم اقتصاد الإمارة من خلال دفع رسوم الإيجارات العقارية للشركات ورسوم استصدار رخص مركبات التأجير وتسجيلها والتأمين عليها، ورسوم صيانتها وقطع غيارها واستهلاك الوقود، وتأشيرات سائقيها وعمال القطاع ورسوم الدائرة الاقتصادية والبلدية إلى جانب المخالفات المرورية التي تقدّر بالملايين.
لكن في ظل تراجع الأداء والإحجام عن شراء سيارات جديدة، فإن مساهمة القطاع في دعم الاقتصاد ستتقلص، إذ يؤكد العمصي أن العديد من الشركات ستخفف من حجم أسطولها، عدا أن هبوط الأرباح يمنعها من تجديد مركباتها، فشراء أي سيارة جديدة سيكون مصيرها في الموقف.
طحن أسعار
ولم تفلح العروض في تحفيز الزبائن على استئجار السيارات، ويوضح العمصي أن عدد الاتصالات التي يتلقاها من العملاء انخفض من ما بين 120 و130 يوميًّا إلى واحد يوميًّا، قائلاً “نحن نركض وراء الزبون لكن لا نجده، حتى إننا نوفر له السيارة بسعرٍ نمنحه للشركات الكبيرة، وهو أقل الأسعار، ومع ذلك فإن الزبون غير راضٍ”.
ويلفت إلى أن الشركات دخلت في معركة طحن أسعار من أجل البقاء وتغطية تكاليف التشغيل فقط. ويضيف أن الأسعار لا يمكن أن تنخفض أكثر لأنها مرتبطة بثمن السيارة غير المسدد للبنوك. فالشركات التي اشترت أسطولها بتمويل بنكي هي الأسوأ حالاً، ومصير بعضها الإغلاق.
ويقول العمصي إن أرباح شركات تأجير السيارات تأتي من مصدرين: التأجير الذي يشكل 40%، والبيع الذي يؤمن 60%، وفي الوقت الراهن فإن المصدرين يعانيان من مشاكل، والشركات تجد صعوبةً في بيع أسطولها وتبحث عن أسواق خارجية.
أبو ظبي سوق صغير
وتتطلع بعض الشركات إلى أبو ظبي لتعويض بعض خسائرها، لكن العمصي يقول إنه بالرغم من عدم تأثر سوق أبو ظبي بشكلٍ كبير، إلا أنها لا تشكل سوى 10% من سوق دبي في ظل الطفرة.
ويوافقه الرأي مدير شركة المنار لتأجير السيارات يوسف الظفيري الذي يؤكد أن أبو ظبي لديها اكتفاء ذاتي في عدد شركات تأجير السيارات، كما أن الحركة فيها لا تقارن بدبي.
ويرى أن القطاع لا يحتاج إلى توسعات أو اللجوء إلى أسواق أخرى بل إلى زبائن، موضحًا أن الكثير من الشركات تعتمد على السياح الخليجيين، مؤكدًا أن حجم أعماله انخفض 50%.
ويضيف أن الشركات التي تستأجر سيارات لموظفيها توقفت عن ذلك، كما أن الأفراد أصبح من المجدي لهم أن يشتروا سيارةً مستعملة على أن يستأجروها.
ووفقًا للظفيري فإن شركات تأجير السيارات بدأت تواجه تعثرًا ماليًّا، وتعجز حاليًا عن تسديد الأقساط للبنوك التي تهددها بإحالتها إلى المحاكم، لافتًا إلى أن شركات باعت سياراتها لتسديد أقساطها وأغلقت أبوابها.
ويلفت إلى أن الشركات الكبيرة والصغيرة متضررة بشدةٍ من الأزمة المالية، موضحًا أن سوق العوير تشهد مزادات يوميًّا على سيارات تابعة لشركات كبرى. ويستبعد أن يتم تخفيض الأسعار إلى مستويات أقل ما هي عليه الآن، مضيفًا أن متوسط الإيجار اليومي يبلغ 60 درهمًا، وهو بالكاد يغطي قسط السيارة ومصاريف تشغيلها.
وتلزم هيئة الطرق والمواصلات شركات التأجير بأن لا يتجاوز عمر السيارات سنتين فقط، ما يشكل ضغطًا إضافيًّا على الشركات، ويناشد الظفيري الجهات المختصة بالتساهل مع الشركات في المرحلة الحالية، مما يدعم استمراريتها.
تسهيلات بنكية
وبرأي مدير شركتي “الشموس” و”دبي جيت” لتأجير السيارات حسان قصاب فإن ما يعزز صمود الشركات هو إقدام البنوك على تقديم تسهيلات بخصوص الدفعات المستحقة على الشركات؛ حيث يمكن تأخيرها لفترةٍ محددة.
ويوضح أن البنوك شددت شروط القروض لشركات تأجير السيارات، فبعد أن كانت لا تلزم المشترين بدفعةٍ أولى فإنها الآن تشترط تسديد 35% من قيمة السيارة عند الشراء، ويضاف إلى ذلك مبلغ التأمين الذي يشكل 10% من قيمة السيارة، هذا الأمر يعرقل التوسع واستبدال السيارات القديمة.
وتراجعت أعمال شركتي “الشموس” و”دبي جيت” بنسبة 60% منذ بداية الأزمة المالية، وفقًا لقصاب، وبدأتا في فقدان زبائنها القدامى الذين يتقاعسون في دفع إيجار السيارات، عدا أن بعض الزبائن يرتكبون مخالفات مرورية والشرطة تلاحق الشركات لتسديدها.
تجاوز قطاع تأجير السيارات الأزمة غير ممكن حاليًا، فالأسعار وصلت إلى مستويات متدنية، ومزيد من التخفيض يعني تحقيق خسائر مادية، والبنوك لن تتساهل في تحصيل الأقساط، فالحل الأمثل وفقًا لقصاب هو “تصفية الأعمال والقول وداعًا لهذه الصناعة”.