أرشيف - غير مصنف

الذكر 47 لاستقلال الجزائر: وحديث بالمناسبة



الخامس جويلية يتوضع على رأس أعياد الجزائر دون شك، والواجب يقتضي اعتبارها كذلك بل وتمجيده،
فهو خاتمة لثورة أسقطت،المشروع الكولونيالي الفرنسي وقوضت دعائم صرحه الاستعماري،وهزمت جيشه المدعوم من طرف القوى الغربية الحليفة له والمنضوية تحت هالة حلف “شمال الأطلسي” وآلته العسكرية الأكثر حداثة وفتكا في العالم.
، وفتحت بذلك عصر التجدد والحرية واسعا أمام الشعب الجزائر،ثورة توقف لهيب نارها يوم 19مارس 1962م،بعد أن ألحقت الهزيمة بفرنسا الاستعمارية، باعتراف ذئاب التطرف حاملي شعار “الجزائر – فرنسية”وغلاة اللقيط الأوربي الموفدين إلى الجزائر من طرف مجرمي فرنسا
ثورة غيرت مسار التاريخ و مجرياته،فصقلت مرايا القلوب لكي تكون صافية مؤهلة لاستقبال شمس الحرية بكامل جلالها وعظمة سطوعها ،وإنارة الزوايا المظلمة،فهيأت وجودنا في زماننا و مكاننا وطيب معاشنا.ثورة التحرير الوطني التي تحمل المخلصون من أبناء الشعب الجزائري أهوالها وتجرعوا مرارة الحرب على مدى ثماني سنوات(01/11/م1954-19/03/1962م) إلى حين استعادة الاستقلال الوطني الذي كان الهدف الأساسي لمجاهدي ثورة نوفمبر. 
لكن ذلك العزم والإصرار وما صاحبه من أخوة وتوافق طيلة الحرب،اصطدم بصراع مرير في صفوف مؤسسات الثورة غداة وقف إطلاق النار مباشرة،انطلاقا من مؤتمر طرابلس،وتعود أسباب ذلك الصراع إلى طبيعة الاستعمار الفرنسي، من جهة وطبيعة الثورة الجزائرية من جهة أخرى،فالسلطات الاستعمارية عملت منذ وجودها على محو الثقافة العربية الإسلامية في الجزائر وتعويضها بثقافته،فكان رد الفعل الشعبي قويا في الاحتماء بالدين، منعا للمسخ والذوبان في الآخر،
وحين اندلعت الثورة بقيادة جبهة التحرير الوطني، استغلت هذا الوضع لتعطي بعدا دينيا إسلاميا لحركتها،فالمقاتل يلقب باسم”المجاهد”، والصحيفة الرسمية للثورة جريدة ‘المجاهد “وقد كتبت في عددها الأول افتتاحية قالت فيها:”لقد مثل الإسلام في الجزائر بدقة، آخر ملجئ لقيمها التي حاول الاستعمار القضاء عليها. فلم يكن غريبا إذن أن يساهم، بعدما امتزج بالوعي الوطني، في انتصار القضية الجزائرية العادلة”.مع فرض صيام رمضان ومنع لعب القمار وشرب الخمر، و الـزنا على الجميع، وحددت للمخالفين عقوبات شـديدة تصل إلى حـد قطع الأنف والإعدام وتواصل الحماس للمشروع الإسلامي مع الهدف الثوري من قبل قادة الجبهة ومسؤولين في الدولة على امتداد الأربعين سنة،وكثيرا ما كان التحمس للدين الإسلامي موضع مزايدة بين هذا وذاك، كل يبين د أنه أكثر “إسلامي” من الآخر. كما “استخدمه البعض لتبرير قراراته أو مواقفه لمخالفة غيره 
وأمام الوضع السائد حينها ونظراً لقرار وادي الصمام المتعلق بإمكانية إسناد المناصب القيادية العليا إلى الإطارات القادمة من التشكيلات السياسية الأخرى التي لم تنتهج الكفاح المسلح كطريقة وحيدة لاسترجاع السيادة المغتصبة واعتبارا، للتكوين العالي والخبرة الواسعة التي كان يتمتع بها هؤلاء الإطارات بالمقارنة مع نظرائهم المكونين في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، فإن نوعاً من الاختلاف قد تسرب إلى رؤى القادة ومواقفهم من المنطلقات الأيديولوجية،الأمر الذي أدى ظهور التنافس على المسؤولية في أعلى هرم السلطة بدء من مؤتمر طرابلس عام 1962م فتمكنت الثقافة الغربية من دهنيات عدد كبير من المسئولين القياديين في جبهة التحرير الوطني في خارج وظل الداخل سليم التوجه بفعل تأثير القواعد الشعبية التي لا ترضى بأي بديل عن عروبتها وإسلامها.‏ وصارت أدبيات جبهة التحرير الوطني التي كانت تنشر على أعمدة لسانها المركزي أو في شكل منشورات وكتيبات تتلون كل مرة وتنجذب في اتجاهين على الأقل للتأثير في أيديولوجية الثورة الجزائرية، فمن ناحية، هناك ما يسمى بالتيار التحرري في فرنسا.أصحاب هذا التيار هم الذين أطلقوا على أنفسهم هذه التسمية لإيهام الوطنيين الجزائريين والرأي العام العالمي بأن ثمة، في صفوف الشعب الفرنسي،من يرفض الاستعمار ويناهض ممارساته اللا إنسانية ولذلك فهم يساندون ظاهريا الكفاح الذي يخوضه الشعب الجزائري في سبيل استرجاع استقلاله الوطني، وفي الواقع إنما هم يخططون لمستقبل فرنسا في الجزائر ويسعون بجميع الوسائل إلى استقطاب العناصر الأكثر تأثيراً في قيادات الثورة بشعارات جوفاء مثل الديمقراطية، واللائكية والمبادئ الجمهورية ،وحقوق الإنسان… شعارات لا علاقة لها بالمجتمع العربي الإسلامي في الجزائر.‏
 كل هذه العوامل ساهمت في هيمنة الخطاب الإسلامي على جبهة التحرير في كل مراحلها، سواء في الثورة مع جيش التحرير، أو في ممارسة السلطة بعد الاستقلال،في عهد بن بلا، أو بومدين، أو الشاذلي بن جديد…وهو المعطى الذي استغله بن جديد كقوة للتغيير مسايرة – للبيسترويكة- فا زاح الاشتراكيين البومدينيين، وهمش حلفاؤهم الذين دعموا الجبهة أثناء الثورة الزراعية والتأميمات الكبرى، والتسيير الاشتراكي للمؤسسات وسجلوا في مقابل هذه هيمنة التيار الديني، رغم ضعفهم وصغر حجم تنظيمهم، مقاومة مبكرة، داعين إلى دولة لائيكية عصرية إلى فصل الدين عن الدولة، مثل حزب التحالف الجمهوري بزعامة رضا مالك، وصديقه مصطفى الأشـرف، ومحمد سعـيد سعـدي فـي قيـادتـه،بأبـرز طـروحـاتـه: “لا تعايش بين الجمهورية والأصولية، ولا حياد للدولة تجاه الأصولية، ومن أجل أسلوب جديد في العمل والفكر والحكم.لكن استمر اعتماد الخطاب الديني منذ تبني المجلس الوطني “البرلمان”،في سنة 1984م،قانون الأسرة المعتمد كلية على الشريعة الإسلامية.إلى نشاط المجلس الأعلى للدولة مع بوضياف حتى اغتياله في 29جوان1992م ليستمر بعده رغم ما جرى.
إن ذلك الصراع أجحف ومازال في حق التاريخ ومن صنعوا التاريخ وأصاب الأمة بألوان من الحيف والنكران أو التنكر للبطولات،الأمر الذي قلل من فرص التحكم وثبط مسار التقدم، من غير نفع..هي وضعية لم تعد اليوم مقبولة في جزائر المليون ونصف المليون شهيد،ويحب أن تزول والى الأبد،وقد لا يتأتى ذلك إلا بانضواء الجميع تحت شعار الجزائر بالكل وللكل والعدالة فوق الجميع،والعدل للجميع،إذ لا يعقل أن تستمر المفاسد والمظالم والجور والانحراف، لا يمكن أن يبقى الشاب الجزائر ينتحر في أعالي البحار بحثا عن لقمة العيش والخبز في وطنه يرمى في القمامات،لا يعقل أن يلجأ الجزائر أو الجزائرية إلى الزواج المختلط طلبا للإقامة الرخيصة رغبة في الأمن، لا ولا ولا..الخ.
لتكن الذكرى ل47لعيد الاستقلال انطلاقة جديد للجزائريين من استعادة ما ضاع خلال السنين العجاف وأعوام الدم والنار والدمار والخوف والجوع، والذهول.وفي ذلك في فليتنافس المتنافسون.

محمد بوكحيل

زر الذهاب إلى الأعلى